الشوبكي شهد اغتيال الملك المؤسس ويروي قصصاً من حياة العسكر
- لا زال دوي الرصاصات التي سمعها العسكري حابس الشوبكي في المسجد الاقصى يئن كلما تذكر حادثة اغتيال الشهيد الملك المؤسس عبدالله الاول، فلولا حفظ الله ورعايته أولا وشجاعة هذا العسكري لنالت رصاصة الغدر والخيانة الأمير الحسين بن طلال وقتها.
غير أن سرعة البديهة والتصرف لدى هذا العسكري، الذي يتذكر الحادثة بعد مرور 58 عاما عليها ، حالت دون ذلك، عندما قام بقتل المجرم الذي اغتال الشهيد الملك المؤسس.
يسرد الشوبكي الذي تقلد العديد من الاوسمة وتنقل بين المناصب القيادية قصصا وروايات كانت حصيلة (31 عاما) من الخدمة في الوحدات العسكرية المختلفة، وهو كذلك يروي شهادات حية عن طبيعة الجندي الاردني والقيم التي كانت تحكم تربيته ونِشأته.
بدأت رحلة حابس علي ذياب الغنميين الشوبكي مع العسكرية عندما غادر لواء الشوبك في محافظة معان التي ولد فيها يوم 28 /11/ 1928 قادما إلى عمان ليلتحق بالجيش العربي الذي كان يحلم أن يكون أحد منتسبيه قبل أن يتحقق حلمه في عام 26/3/ 1944.
الا أن رحلته مع السلاح بدات مبكرا حتى قبل أن ينضم إلى القوات المسلحة حين كان يمضي معظم وقته في الصيد باستخدام بندقية خرطوش باعتبار القنيص هوايته الوحيدة في ذلك الوقت ويعطيه خبرة يستثمرها فيما بعد في التسديد والرماية.
كان الحلم يراوده دائما بخدمة الوطن وحمل السلاح كما كانت هذه رغبة والده أيضا الشيخ علي ذياب الغنميين الذي وافق على الفور عندما اعلمه برغبته تلك، ليتقدم بطلب التجنيد وبعد فترة قصيرة تمت الموافقة ليتم إرساله مع بقية المجندين إلى معسكر صرفند للتدريب العسكري ومن ثم يتم توزيعه على الحامية الأولى في منطقة حيفا والتي كان قائدها وقتها اللواء احمد صدقي الجندي.
لم يمض وقت طويل في خدمته بالحامية حتى تميز بين زملائه بسبب انضباطه وسلوكه ليصار بعدها الى تنسيبه لدورة رماية انهاها في المركز الاول، وترفيعه لرتبة عريف ميدانيا بعد شهر واحد فقط من الخدمة.
جعبة مليئة بالقصص
في جعبة عاشق العسكرية الشوبكي قصص من حياة العسكر وقتها ويصفه ضباطه وزملاؤه ممن رافقوه بـالشجاعة والذكاء وشهدوا له بالكفاءة والقدرة على القيادة ، حتى أن تقريره العسكري جاء زاخرا بالاشادة بصفاته القيادية.
ولعل أبرزهذه القصص التي لا تزال حية في ذاكرته،حين جاءت إحدى الفتيات العربيات تشكو له من قيام عدد من اليهود بالتحرش بها وبزميلاتها اللواتي كن يعملن معها بمصنع قريب.
ليبدأ الدم العربي الذي كان يجري في عروقه بـالغليان ويبدأ بالتخطيط لقتلهم انتقاما لأعراضنا في فلسطين. هنا قدحت في باله فكرة جهنمية بأن يفتح النار اولا على ثكنته في الهواء حتى يوفر المبرر للرد على العدو وايهام الضباط الانجليز- الذين كانت قيادة الجيش بيدهم قبل تعريبه بأن اليهود هم من بدأوا الرماية. فكان له ما خطط له ليهاجم ثكنة العدو ويقتل عددا من اليهود .
الا ان الحادثة لم تمر بسلام، اذ نقله قادته الانجليز وقتها بعد هذه الحادثه تأديبيا إلى سجن الجامعة العربية في مدينة الزرقاء وكتبوا على اضبارته العسكرية يقتل اليهود بالجملة.
الا انه ويذكر كيف أن اللواء أحمد صدقي أخذه قبل أن ينقل إلى داخل خندق قريب وقام بطبع قبلة على رأسه وشكره على فعلته الشجاعة.
لم يكمل الشوبكي 3 أشهر في سجن الجامعة العربية حتى طلبه اللواء عبد القادر الجندي وهو مساعد رئيس الأركان كلوب باشا وقتها و نقله بعد أن اطلع على ملفه ومعرفته بأنه قناص محترف وحاصل على المركز الأول في دورة الرماية إلى الكتيبة الهاشمية التي تقع في منطقة بيت لحم.
ومع بدء حرب عام 1948 بين العرب والعصابات الصهيونية رابط الشوبكي على أسوار القدس وكان مسؤولا عن حماية ترابها الطهور من منطقة باب الخليل حتى باب الساهرة،حينها استطاع من قنص عدد من اليهود يوميا كما يذكر.
حادثة الاغتيال
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها تم نقله إلى الحرس الملكي ومن ثم تعيينه الحارس الشخصي لجلالة الملك عبدالله ألأول والمسؤول عن أمنه وسلامته الشخصية.هنا يذكر الشوبكي كم كان سعيدا بهذا التكليف وهذه المهمة التي اعتبرها نيشان شرف على مدى سنيي عمره.
مازال يستذكر الشوبكي الخصال التي كان يتمتع بها جلالة الملك المؤسس الذي كان قوي البصيرة دمث الخلق صلبا في الحق وصاحب هيبة وحضور قويين كما كان جلالته ذو رأي سديد وكان دائم المحافظة على الصلاة حيث كنا نصلي الجماعة معه دائما وباستمرار كما كان دائما يتفقدنا جميعا في صلاة الفجر كما كان يحب الشعر وركوب الخيل ويكره التدخين كثيرا.
في تلك الفترة التي وصفها بالصعبه قرر جلالة الملك السفر إلى القدس على الرغم من تحذيرات المخلصين بوجود مؤامره، الا أن جلالته وفي صباح يوم الخميس الموافق 19 /7/ 1951 سافر إلى القدس بالطائرة ولحق به موكب الحرس الخاص بجلالته بالسيارات.
و في صباح اليوم التالي استعد جلالته للصلاه وعند دخوله إلى منطقة الحرم القدسي اصطف حرس الشرف لأداء التحية العسكرية لجلالته لكنه طلب منهم عدم ضرب أقدامهم بالأرض وذلك لوجودهم بمنطقة مقدسه،و عندما هم جلالته دخول المسجد لم يعجبه منظر الحرس وهم يحيطون به من كل جانب لذا طلب من العقيد حابس المجالي عدم دخول الحرس معه على المسجد وبقاءهم في الخارج وكان يبدو على جلالته أنه منزعج من وجود الحرس بهذا الشكل من حوله.
عند دخول جلالته المسجد ومعه بعض المرافقين بقي الشوبكي خلف الباب تماما وبعدها قام مرافقوا جلالته باغلاق الباب خلفهم ولم تمض ثوان قليلة حتى سمع دوي رصاص عندها قام على الفور بكسر الباب ليجد جلالته مجثى على الأرض وينزف دما ورأى شابا لم يتجاوز الثامنة عشر تقريبا يقف ويصوب مسدسه إلى سمو الأمير الحسين ليقوم على الفور بتصويب سلاحه نحوه ويطلق(15) رصاصة استقرت (10) منها في منطقة الصدر و(5) في منطقة الرأس ويخر قتيلا على الأرض.
وبعدها قام بتفتيش الشاب وعثر معه على حجاب ورقي مكتوب عليه اقتل إنك من الآمنين بالاضافة لهويته ومبلغ من المال والمسدس الذي استخدمه في جريمته وقام بتسليم كل تلك الموجودات للعقيد حابس المجالي بعد وصولهم إلى عمان.
على الفور قام ومن معه من الحرس والمرافقين بنقل جلالة الملك إلى المستشفى وتأمين حماية سمو الأمير حسين من خلال احتضانه،وعندما أصبحوا خارج المسجد أحس بالقلق بسبب الفوضى التي دبت في صفوف المصلين وأحساسه بوجود بعض المشاركين بالمؤامرة في الخارج لذا قام ومن معه بإطلاق النار في الهواء من أجل ترهيبهم ودب الذعر في قلوبهم.
عندها قاموا بنفل جلالته إلى مستشفى (هوس بيس) وهو أقرب مستشفى إلى الحرم إلا أنه انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد وصوله إلى المستشفى بعشرة دقائق تقريبا متأثرا بجراحه ليتم نقله جثمانه الطاهر إلى عمان ليدفن في المقابر الملكية.
وأبدى الشوبكى وقتها دهشته من عدم مرافقة كلوب باشا جلالته حين كان دائما ملازما له في كل سفراته.
بعد الحادثة بأشهر تم نقله إلى الكتيبة الهاشمية التي يقودها في ذلك الوقت العقيد حابس المجالي ومنها تم تنسيبه إلى دورة مرشحين ليتخرج منها الثاني على الدفعة والأول على الرماية وعلى التعبئة العامة التي اتقل بعدها إلى الكتيبة الثامنة التي كان المقدم كامل عبدا لقادر قائدها. وعين فيها ضابط رماية الكتيبة واستمر فيها حتى طلبه الشريف ناصر بن فواز إلى كتيبة الحرس الملكي الآلية الاولى والتي تدرج فيها حتى أصبح هو قائدها في عام 1970.
العثور على مال مفقود
في هذا العام وأثناء المواجهات المسلحة التي وقعت بين الجيش الأردني وبعض الفصائل الفدائية كانت من مهامه وقتها حماية بعض المؤسسات الحساسة منها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ومبنى رئاسة الوزراء.
يروي الشوبكي كيف وجد في مبنى رئاسة الوزراء وقتها مبلغا يزيد عن الستين ألفا ملقى بطريقة عشوائية في إحدى الغرف بداخل أكياس مفتوحة وكانت المملكة تمر وقتها بظروف أمنية حرجة بسبب الأحداث التي رافقت تلك الفترة.
لم يغر المبلغ الكبير في ذلك الوقت الشوبكي حيث كان اخلاصة للوطن أكبر من أي مبلغ،بحسبه، ليقوم على الفور بالتحفظ عليه والاتصال برئيس الوزراء في ذلك الوقت أحمد طوقان وإخباره بالموضوع ليحضر على الفور ويقوم بتسلم المبلغ والتحفظ عليه في مكان آمن ويخبره أن المبلغ مخصص لدعم صمود الأهل في الضفة الغربية.
يتذكر بكل الفخر ردة فعل جلالة الملك الراحل الملك الحسين بن طلال عندما علم عن الموضوع وقول جلالته : هذا العمل ليس غريبا على ضابط مثل حابس.
في عام 1971 تم نقله قائد اللواء الهاشمي واستمر به بالإضافة لعمله وقتها رئيس فريق تدريب القوات المسلحة السعودية في الأردن في منطقة الكرك واستمر بالخدمة في الموقع حتى أحيل الى التقاعد برتبة عقيد عام 1975.
نال الشوبكي أثناء خدمته العديد من الأوسمة منها وسام الاستقلال من الدرجة الرابعة ووسام النصر البريطاني ووسام ذكرى الحرب ووسام الاستقلال من الدرجة /2 بالإضافة لوسام الخدمة المخلصة.
يذكر الشوبكي لقاءه بجلالة الملك المغفور له -بإذن الله -الحسين بن طلال حين استطاع أن يقابله في إحدى المناسبات الوطنية والتي كان جلالته يستقبل التهاني من أبناء الشعب وعندما تذكرة جلالة الملك قال له لازم أشوفك بعد ما أرجع وبعدها بأشهر سافر جلالته للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1998 قبل أن يلاقي وجه ربه.
اليوم وبعد مرور أكثر من 65 عاما على التحاقة بالعسكرية لا يزال حابس الشوبكي يحتفظ بذات الشموخ والاعتزاز بالنفس معتبرا خدمة الهاشميين إرثه الأثمن وذكرياته الأغلى وأفضل ما حصل له طوال سنوات عمره التي جاوزت الثمانين حتى أنه دائما يوصي أبناءه الخمسة وبناته الأربعة بتقوى الله وحب الوطن.
رد مع اقتباس
المفضلات