لن تنسى أي من المواقف المزعجة التي حدثت لك، وهذا في حقيقة الأمر أوفر بكثير من ان تضيع الوقت وتصرف طاقة كبيرة من دماغك للتفكير بالانتقام! التسامح.. يعتبره البعض ضعفا ومذلة، و يعتبره آخرون قمة القوة والرحمة وعزة النفس.
فهل نحن قادرون
على التسامح فيما بيننا ؟!
يفسر البحث العلمي والاجتماعي دلائل كثيرة حول معنى التسامح، على بأنه كمفهوم يتضمن القدرة على إيقاع العقوبة، الى جانب القرار الواعي بعدم استخدام تلك القدرة، وان يسمح للشخص بإطلاق مشاعره السلبية الناتجة عن غضبه من الآخرين بطريقة ودية. والتخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين بسبب حالة ما او أي شيء قد يكون حدث في الماضي.
راما سعيد 25 عاما ترى ان التسامح : برأيي إننا كأشخاص لا نستطيع ان نعيش بدون ان نتسامح مع بعضنا،لان التسامح مفتاح السعادة والطمأنينة والراحة، وتضيف التسامح من وجهة نظري أقوى تأثيرا من الانتقام، وأحاول قدر المستطاع ان أكون متسامحة مع الآخرين بغض النظر عن أخطائهم .
اما بشار الصعيدي 30 عاما فيقول: اعتقد ان مسألة التسامح ترتبط بشكل كبير بشخصية الإنسان،فهناك أشخاص قادرون على النسيان بسرعة والتجاوز عن أخطاء الآخرين،وهناك من لا يستطيعون ذلك، وعن نفسي لا أستطيع ان أكون متسامحا مع من اخطأ في حقي ولا أنسى بسهولة، وهذا الشيء يتعبني .
.. ومن اجل التعرف على دلالة اخرى عن ماهية العلاقة بين العفو والتسامح وبين الانهزامية والخضوع، علينا ان نعي لن مفهوم التسامح ؟ كحالة اجتماعية بين الناس - مطلوب وبشكل دائم،دون ان يكون لذلك تأثير على الكرامة ،او التهاون في الحقوق،وبالتالي يجب ان يستخدم الأسلوب المناسب في كثير من المواقف،بحيث لا يتمادى المخطئ في خطأه.
واستنادا الى ما سبق فان الشاب جلال رعد أكد : اعتقد انه من الممكن ان أسامح من اخطأ في حقي،ولكن ربما لن اعود للتعامل مع ذلك الشخص،كي لا يصيبني بطعنته مرة أخرى،واذا اضطررت للاستمرار في التعامل معه اكون شديد الحذر تجاهه .
اشرف مهنا (36 عاما) يتحدث عن وجهة نظره فيقول في اغلب الاحيان اكون شخصا متسامحا،ولكن اذا علمت ان من اساء اليّ سيزيد في الاساءة ويتمادى، اعمل على ايقافه عند حده،بمعنى ان العفو والتسامح لا يتماشى مع كل الشخصيات، واؤيد بيت الشعر الذي يقول اذا انت اكرمت الكريم ملكته..واذا انت اكرمت اللئيم تمردا .
ويشير الخبراء الى ان هنالك خطوات تساعدنا على التسامح تتمثل في الاسترخاء والهدوء، والتفكير بعمق في التجربة، وان تكون لدينا الرغبة في التسامح وان نقرر ان نكون متسامحين مع أنفسنا اولا ومع الاخرين،وعلينا ان نقتنع بأن أخطاء الماضي هي تجارب مفيدة للمستقبل،وبأن نغير اعتقادنا بالناس بحيث كل شخص له صفاته واننا بشر خطاؤون،فجميعنا نخطئ ويجب علينا التماس العذر للاخرين،بالاضافة الى استخدام الحوار العقلاني الهادف،والتهدئة مع الاشخاص،واحترام حرية الاخرين، وان نمتلك رحابة الصدر .
معاذ محمد 30عاما روى قصته: كنت في احد الايام جالسا عند بائع في محله ، فأخذت استغرب صبره على الزبائن، فتحاورت معه وسألته عن قدرته الكبيرة في التسامح مع الآخرين، فقال لي انا هنا يوميا اسمع من الزبائن كلمات مختلفة منها الجميل ومنها القبيح،وفي مرات عدة بعضهم يزيدون في الكلام ويتمادون،ومع ذلك لا افكر في كلامهم وأسامحهم، لأكسب نفسي في الدرجة الاولى،وحتى لا اجلب لنفسي الإمراض والتوتر .
وفي دراسة نشرت عن مجلة دراسات السعادة اتضح ان هناك علاقة وثيقة بين التسامح والمغفرة والعفو من جهة، وبين السعادة والرضا من جهة اخرى،وان الاشخاص الاكثر سعادة هم الاكثر تسامحا مع غيرهم،وانهم اقل الاشخاص انفعالا.
وخلصت دراسة اخرى الى ان الاشخاص المتسامحون لا يعانون من ضغط الدم، وانتظام اكثر في عمل القلب،ولديهم قدرة على الابداع اكثر، فقد ثبت علميا ان التسامح وعدم الحقد يؤدي الى تقوية القلب وجهاز المناعة عند الانسان،كذلك يتجنب الشخص المتسامح الكثير من الاحلام المزعجة والقلق والتوتر الذي يسببه التفكير المستمر بالانتقام ممن اساء اليه.
ربى جميل تقول علينا ان نتسامح مع كل الناس حتى مع من يعتبرون ان هذا التسامح ضعفا،وهناك عدة طرق للتفاهم مع امثال هؤلاء الناس كالمصارحة والتعبير المباشر عن ان هناك ما يضايقنا، وبرأيي ان ذلك له دور كبير في صحة الجسد والطمأنينة وراحة البال .
وقد وجد بعض علماء النفس ان افضل منهج لتربية الطفل السوي هو التسامح معه،فكل تسامح هو بمثابة رسالة ايجابية يتلقاها الطفل، وبتكرارها يعود نفسه على التسامح ايضا، وبالتالي يبتعد عن ظاهرة الانتقام المدمرة.
عماد العلمي اب لطفل يقول احاول ان اغرس في ابني صفة التسامح،فهو مطلب اساسي في طريقة تعامل الناس مع بعضهم،ولا يعني التسامح ان يفرط الانسان في حقه، ولكن ان يتجاوز الاحساس بالحقد والكراهية والانتقام،والتسامح صفة حث عليها الاسلام، وامرنا ان نكون متسامحين، وبذلك اسعى ان يتربى ابني ضمن هذا المبدأ .
التسامح شان عظيم،لأننا كلنا خطاءون،ونحتاج كثيرا الى من يصفح عنا، فكلنا نخطئ، وكلنا نذنب، وكلنا نحتاج الى المغفرة،ومهما قسونا وتعرضنا للقسوة في حياتنا، يبقى التسامح هو الحل الانجح لسعادتنا، فلنكن متسامحين مع أنفسنا ومع الآخرين.
مما لا شك فيه ان للتسامح اثار عظيمة على الفرد والمجتمع،فهو يعطي راحة النفس وطمأنينة القلب وهدوء البال وسلامة الاعصاب وصحة الجسد والسعادة، وبالتالي يتطهر المجتمع من امراض الحقد والحسد والضغينة.
المفضلات