أسعد شرار,مجاهد ارتهن عمره من أجل الأمة
هزاع البراري - ارتبطت بلاد الشام بالأحداث العسكرية الكبرى، منذ فجر التاريخ الإنساني، كونها مهد الحضارة، وذات جغرافيا مميزة من حيث الموقع والإستراتيجي، والمناخ المعتدل، وأرض الرسالات، فكانت منطقة احتكاك بين إمبراطوريات كبيرة ومتناحرة، ومحطة أطماع تتجدد بتبدل الأحوال وتغير الزمن، فمنذ الحثيين والفراعنة، وبابل والإغريق والفرس والرومان، العثمانيين والغرب، البريطانيين والفرنسيين، وبلاد الشام ترزح تحت ضغط الحملات العسكرية الاستعمارية الضارية، والتي غيرت شكل الخريطة السياسية للمنطقة غير مرة، وكانت الأردن كما هي اليوم نقطة الارتكاز، ومبعث المقاومة، ونقطة الانطلاق نحو آفاق حقيقية من التحرر والاستقلال، وقد أكدت ذلك أحداث تاريخية كثيرة، مما جعل الأردن قاعدة للفتح الإسلامي، ومنطلق صلاح الدين الأيوبي لتحرير بيت المقدس، ومحوراً رئيسياً في الثورة السورية الكبرى، والثورة الفلسطينية، في بداية القرن العشرين.
وليس أدل على وحدة الأرض من تضامنها، وتوحدها في ظل الأحداث المؤلمة، وهذا دور اضطلعت به الأردن منذ تأسيسها عام 1921م، تحت اسم (امارة الشرق العربي) الاسم الذي أقلق البريطانيين، فلم يقبلوا به، لكن نهج الدولة الناشئة بقي كما هو، فتحولت الإمارة إلى قاعدة للجهاد، ورافداً حقيقياً للثورة السورية التي اندلعت عام 1925م، وأصبحت الأردن خلالها وبعدها الرئة التي تنفس من خلالها الثوار، وتزودوا بالسلاح والمال، وعندما انتكست الثورة، كانت لهم الملجأ والملاذ الآمن، وهذا دور قلما سلط الضوء عليه، ولم يأخذ حقه من الدراسة والبحث، حتى أن الأردن الشعبي والمدعوم من قائد الإمارة، جمع المتطوعين وسير المقاتلين، الذين خاضوا معارك ضارية على الأرض السورية، مما أثار غضب الفرنسيين، واحتجوا رسمياً على الدور الأردني بالثورة السورية.
ضمن هذا السياق العسكري والاجتماعي، ولد المناضل العربي الكبير أسعد شرار، في قلب مدينة دمشق العريقة، وفي ميدان المدينة، الذي يمثل قلبها النابض بالأصالة والعروبة الحقة، وتعد عائلات الميدان من أعرق العائلات وأكثرها فعالية في الأحداث الدائرة، حتى أنها تسمى لليوم بالعائلات الميدانية، أي عائلات وسط المدينة، وتعد عائلة شرار ذات مكانة دينية واجتماعية راسخة، ولها دور كبير الحراك القومي والإسلامي، وقد عرفوا بالعلم والثقافة والفروسية التي ترتبط بالكرم ونبل الأخلاق، وقد واكبت ولادته اليوم الذي انقلب فيه حزب الإتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد، وخلعه عن العرش، وكان ذلك عام 1908م، وكأن أسعد شرار جاء مقروناً بالأحداث الكبيرة، فلقد فضل العرب السلطان عبد الحميد على الاتحاديين الذين مارسوا سياسة عنصرية صارمة ضدهم، لذا كانت عائلة هذا المناضل مع الجمعية المحمدية، التي طالبت بإعادة السلطان إلى عرشه.
نشأ أسعد شرار في الميدان، متشرباً الروح الثورية الرافضة للاستعمار، والطامحة للحرية والاستقلال، وساعده على ذلك نشأته الأسرية، التي زرعت في نفسه قيم العزة والكرامة، وعدم الرضا بالواقع غير اللائق للأمة، هكذا أمضى سنوات عمره الأولى، التحق أسعد شرار بمدرسة الحي، التي تعد الأجواء فيها انعكاسا للمناخ العام في المدينة، التي سيطر عليها الفرنسيون في أعقاب خسارة العرب لمعركة ميسلون غير المتكافئة، وقد لازمت ذاكرة أسعد شرار صور احتفالات الميدان الدمشقي، بدخول الأمير فيصل بن الحسين دمشق، حيث نودي به ملكاً على سوريا الكبرى، وقد كان شرار حينها وفي حدود العاشرة من عمره، وقد أثرت في نفسه انتكاسة هذا المشروع النهضوي، ولم يستسلم لهذه النتيجة، مدفوعاً بالحماسة التي تتسرب إليه من خطب المناضلين والثوار الذي يمتلئ بهم الميدان.(محمود عبيدات، رجال في ذاكرة الوطن) تعلم أسعد شرار على حمل واستخدام السلاح في فترة مبكرة من عمره، على يد والده الذي أراده أن يكون من المدافعين عن وطنه وقوميته، وبدأ هذا الطفل الرجل على الاحتكاك مع الثوار، والتدرب معهم، كغيره من أبناء جيله، في فترة مشتعلة من تاريخ الأمة العربية الحديث، بعد ذلك أخذ يشترك مع الثوار والمناضلين بالعمليات العسكرية، مدعوماً من بيته، وقناعاته بضرورة مواجهة المحتل من أجل حياة أفضل ومستقبل واعد، كانت البلاد تعيش حالة من الخذلان بعد معركة ميسلون، فقرر سلطان باشا الأطرش بعد التشاور مع الزعامات الوطنية إعلان الثورة في جبل العرب وحوران ضد الاستعمار الفرنسي، وكان أسعد شاباً صغيراً، اندفع للانضمام، والمساهمة في نقلها إلى دمشق، منضما إلى الشيخ المجاهد محمد الأشمر، وقد أثبت الجرأة والثبات واستطاع أن يلفت الأنظار، ويكون محط أنظار القادة الكبار.
وأصبح أسعد شرار من قادة المجاهدين رغم صغر سنه، وقاد فصيله في معارك داخل دمشق والغوطة، وفي بعض قرى حوران، وكبدوا الفرنسيين خسائر لا تحتمل، حتى عملت فرنسا على قصفهم بالطائرات، والأسلحة الثقيلة، لكن الثورة السورية تعرضت لنكسة، وفي إحدى المعارك، تم أسر عدد من قادتها الميدانيين، وكان من بينهم أسعد شرار، وحكم عليه بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم بيومين، عمل ضابط عربي على تهريبهم من السجن، وتمكنوا من اللجوء إلى الأردن، هرباً من ملاحقة المستعمرين لهم، وفي الأردن حصلوا على الأمن والحماية، ولم يستجب الأمير عبدالله لطلب البريطانيين والفرنسيين تسليم المطلوبين، بل منحهم اللجوء السياسي، وقد حصل بعضهم على الجنسية الأردنية، فأصبح أسعد شرار بحكم القانون مواطنا أردني الجنسية، وكان هذا شكل من أشكال الدعم الرسمي للثوار العرب، وحمايتهم من مطالبة فرنسا بتسليمهم.
عمل أسعد شرار الأردني على دعم الثوار بالسلاح والمتطوعين الأردنيين، خاصة من مدن وبلدات الشمال، وفي المقابل عمل أسعد بعد فترة على الاستقرار في اربد، وافتتح دكان لصيانة الأسلحة عرف فيما بعد بدكان أسعد الشامي، ورغم صدور عفو عام إلا أنه رفض العودة لسوريا لعدم ثقته بالفرنسيين، وكان يتسلل مع عدد من المقاتلين ويشترك بالثورات والمعارك ضد القوات الفرنسية، ثم يعود إلى مدينته اربد، وقد أسهم في عقد المؤتمر الوطني في الكرك، الخاص بالقوى السياسية والثورية السورية، عام 1935م، برئاسة سلطان باشا الأطرش الذي كان منفياً في الكرك حينها.
مع اشتعال الثورة الفلسطينية عام 1936م، بادر بالانضمام لقوات المتطوعين العرب التي دخلت فلسطين عن طريق الأردن، وخاض معها معارك حاسمة، وبقي يمد الثورة الفلسطينية بالسلاح والمتطوعين حتى أخر أيامه، وقد أبلى بلاءً طيباً في كثير من المواجهات مع اليهود، وقد أسهم في المواجهات المباشرة خلال معركة الكرامة الخالدة، وكان في كل حياته النضالية يؤكد على وحدة الأرض والمصير، وهو الأردني الشامي الأصل، الاربدي الأصيل، الرمز الوطني، توفي عام 1969م، لكنه سيبقى خالداً في ذاكرة الأجيال، وفي ساحات الوغى والفداء، كرجل ارتهن عمره لقضايا الأمة، دون رياء أو غاية غير حرية العرب ووحدتهم، ذاك الحلم الذي لم يغادرنا رغم تغير الزمن وتبدل الأحوال.
رد مع اقتباس
المفضلات