احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: باب القرنفل

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669

    باب القرنفل


    باب القرنفل




    لا قصيدة سوف تأتي.
    ولا شاعر.
    يغلق جفنيه كي يرى شرفة الشعر.
    أو يرى سبسباً حافلاً بالحكايا، مرتدياً بزّة الموت.
    أو نبضة العمر.
    من بعيد سمعتُ.
    حفيفَ البنفسج مضطرباً على غير عادته.
    ورأيتُ فؤادي يسيل على قدمي.
    ويسعى إلى خطوات الندى.
    ما بالنا لا نبوح قليلا.
    فقد ملّت الأنفاسُ وملَّ الهجرُ من قسوة الهجر.
    حين تحلّ القصيدة تراني أملّ ويضرمني غيمهُا الذي عبّأته المسافات، أنتِ تحتلّين كلَّ هذي الثغور، تسحلين المدينة وتقتلعين من وجعي إناثَ الزهور، ولا أريد فوق هذا الدوار، ما يشاغب خيلي، فهذا المدى المتهادي على كفّ قلبي لا يهادن طيري، ولا يترك القلبَ في وحدته يذوب كطير يتهجّى حروف السماء.
    فلتسامحني الأرض كثيراً على غيبتي، فحين امتطيتُ خيول المرايا لم أرَ الأرض حولي، رسمتُ ببقعة الحبر معركةً للجمال، فجّرتُ عيوناً من ورود، وأنبتُّ سيولاً تلحق عينَ المطر، رسمتُ أجنحةً للغيوم، وها أتفرجُ كيف أعدتُ بناءَ المشاهد، ولم أعلم الخيل المرايا تتكسّر في أوردتي، ثم أذوب أنا ولست أراني قبيحا.. ولست أراني جميلا، أرى عسكراً من خدر.
    استريحي كما تشائين أيتها القرنفلة، التي أنبتتها دموعي، استريحي ليعتمرَ الهذيانُ دمائي التي لستُ أعلمها، كي أخططَ قوسَ القصيدة على مشارف قوس قزح، لم يتبع المطر عشقَنا الأولي، لذا لم ينبت النرجسُ على قلبينا، ولم ندرك لفحةَ الحب ولا الفجيعة في لحظة الفقد، اتركيني إنْ أردتِ وامنحيني رائحةَ القرنفل لأمنحَها القصيدةَ أو شرفة البيت.
    الحروف اللواتي جرّحتها يداك، تعبرُ حاجزَ الغيم وتبكي، كان المطر عاجزاً عن رحلة الأرض، فاسّاقطَ كورقِ الخريف على الشبابيك الحزينة، اسّاقطتُ حينما مررتُ من دمي فجأةً في الشارع العام، بكى البكاء لدمعة عيني التي سقطتْ في الجوف، فنبتتْ خجلى حروفُ القصيدة التي ألقمتها للهواء.
    كنّا عاشقين، نهمسُ في السكون فتخْضَرّ الأماكن حينما يمعنُ الحبّ فينا براعمه.
    ولم أتعرّف كيف تدور الأرض بنا.
    وكيف يخرجُ الزنبق من أجسادنا ليطلّ علينا رفيفُ الطيور.
    وكيف تتزاوج أصواتُنا معا.
    لينبلجَ نورُ الغناء، فتخجل الشمس من إشراقتها ذاكَ النهار.
    وكيف لا أحبّكِ،.
    وهذي المروج التي ترامت تحت يديكِ، تسألني عنكِ في الصباح، وتبحثُ في المساء عنكِ، تتفقد رائحتي وتبكي على مسمع القلب، فيخرج النرجس منكسراً وحزينا.
    نسيتُ المساء معلّقاً على سطح بيتي، معلّقاً بنبيذ صوتكِ، نسيتُ داخلي هناك يسمع دقائق الموت الأخيرة، أخاف على ما تبقّى من جروحي تجفّ، وأخافُ غزوةَ النسيان التي تمحق الذاكرة.
    من سنين طوال، تركتُ العصافير تطير طيِّعَةً من ورق الكتابة، وتحسستُ أصابعَ كفّي ما تزال تدبّ على ورق غامض، أفرقعها في المساء وأغسل رائحة الحبر عنها. مساءات مقتولة تجرجر أقدامها على عتباتي، مساءات برائحة التبغ أعرف جلّ مفاصلها تقبع كخيمة اللاجئين على أرواحهم تمنعهم من قطف عناقيد الضياء، وأنا لم أكتشف فوق رأسي سماء، ولم أرتوِ من شهقة الناي، ومن قبلة تشفّ رياش السماء مؤثثة باللازورد، محمّلة بالقناديل التي لا أراها، ولم أرتوِ من الشعر حين ألقّطه كالبرتقال عن أجذع الهواء، مساء أتفقد جميع حواسي، فأنام مطمئناً، غير أن حاسّة الحب هجرتني منذ زمان، عرفتُ أنها شجرة النسيان وأني هرمت من الخسارات وروحي سقطتْ من بوتقة المسرات، وانكسر الحبُّ فيها.
    في العام الآفل مرّ نيسان بأذرعه فوق منابت رأسي فتنبهتُ، تنبهتْ شقائق النعمان حولي، كأني برية خلف زرقة تلك السماء.
    انعجنتُ لأروي بعد هذا اليباس المميت، لكنني كنت في كل ليل أتفقد كل حواسي وأراها خالية من الحب، فأنام.
    من خشب الليل، أشتمّ رائحة الموت، تشتمني ذئاب في أعالي الجبال وتعوي.. كم مَرَّ عليك من الموت لتحيا هنا، وكم مرت أغنية على حبلك الصوتي لتمرّن طفل الأغاني عليها، انتظرت المساءات دهورا، بها يمطر الشجرُ الناعس سونيتةَ الحب، وعلى باب بيتها تقف روحي كليمونة الدار تغرف قصيدةَ الماء لينبت الياسمين على شبك النافذة، لكنها لحظة الموت واقفة بانتظار الجفاف، الهواء برائحة مُرّةٍ هَبَّ، والشجر الأشيب يستعد لمفارقة الأماكن، والقصائد تتمزق أجزاؤها مَرّة بعد مَرّة، وما تزال روحي تعزف سونيتة الماء.
    انتهرني أيها السادن، انتهرني أيها الخشب الميت، اجعل حوذيَّ الشتاء في أوائل التشارين يخطف وجهَ المغني، ويزرعها في غناء بعيد.
    لم أستعدّ لهذا اليباس الذي قطّع أرديةَ الروح، جفّفَ خضْرَ المعاني.
    انتهرني أيها السادن، واغمز بحربة البرق في جانبي، فبعد لم أستفق من كرمة القبلة الخادعة، ولم تغادر عروقي تراب الظلام الذي أثثته بالأغاني، وأسبغت عليه الحلم ليخرج حيّا.
    ما أراني هنا.
    ما أراني غير طيف في برودٍ من محيا.
    إنني شعر.
    وهذا الموت فيّا.
    غريبةٌ هذي المدينة عني، وأطوارها تنبت من رحم الخرافة، غير أن عمّان جزئي الذي أخبّئه في رحلتي للحياة، أبكي على يدِ السيدة الأم، وأقول لها إنك الأنثى التي تعرف جوعي فتطبطب فوق فؤادي ليهدأ، وتترك كفّها ياسميناً بلدياً يعطّر روحي الخربة.
    الطيور الفزعة تتقاطع في هروب عميق، براثن الريح تضرب رؤوس الأشجار فيسقط ورق الصنوبر مستعيذاً بالمطر، غير أني لا أبارح مكاني، وشرفتي لا تبارح شرفتها تطلّ على لا شيء وتهطل القصائد على مداخل مبهمة، ويهطل ضوء المدينة كأسرجةٍ من ندى عاشق وبعيد، لكنه مطر التشارين عصيّ على قطيع الغيوم المتقافز، عصيّ على نرجسة البيت، وشفتَيّ اللتين تموتان من الجفاف.
    من بعيد يرفع الحاصدون الحداء، التراتيل التي كنتُ أكتبها لحبيبي أسمعها تجرّ على القلب جراحا، يرفع الحادي نواحاً عاليَ السمت، فتلمع الدمعة في عين الصبية، والسنابل تميل مجروحة من بكاء المغني، سمعت دمي على صفحات الجرائد بعد ذاك، أعجبَ الشعراءَ كلامي عن الوحدة، لكنّما طائري لم يمت بنُواحي ولم تَعْتَرِهِ القصيدة بشرفة هيبتها، لكنّما ظل نائياً لتظل القصائد ثكلى والجراحُ نواحاً ثقيلا.
    أمسح مسامَ الهواء بالذكريات التي أتغذّى عليها، أمسّدها مثل خيل عتاق، حين يبدأ النحل رحلتَهُ للزهور التي بين بلاط الرصيف أعطّرها بمقامي لتسبق النهر إلى بيته، والأماني لغرفتها قبل نحول المساء، فالمساءُ يشعل ما نتركه في الفضاء الطليق ليرجع مضطرباً كدائرة من الماء في بِرْكَةٍ ترسمها الطبيعة، أو يضربها عاشق بتنهيدة حارقة.
    لم يكن لي زماني إذن، لم تكن لي دروبي، أنا طلقةٌ في ظلال غيابي وحقيقة الشوك في صدر الحقيقة، كم قضيتُ العمر أبحث عن دمي في دفاتر الشعر، فتهرب الغزالاتُ حينما أبادر إلى زرع بريتي، وحين أدرّب روحَ الكمان على الحبّ يفقد روحي كماني.
    وأنا سيّدٌ في ظلالي أرى كل شيء مُعَدّاً، وتذرف أعمدةُ الشوارع أحزانَها لي.
    يا صباح البكاء.
    لم تعد عصفورةٌ في الصباح تجلس فوق ذراعي الممدّد للانتظار.
    أهمس مبتعداً، وكذلك قلبي خاوياً أيها السيد، لكنني أرقب العشاق يبكون فيبكي، ما تعلّمته من هوى.
    واحتضار.
    حين رأيتكِ تعبرين الشارع قصمتْ سهوبي مخالبُ برق، انثالت كرمتي على الأرض وتكسّرت مفاصلُ الشجرة الغضّ، ليس لرائحة النار عيون، لأنها تأكل ما تخلّف الخسارات، وتأكل الحبَّ في أغلب الأحيان، إنها الألسنة التي لا تشيب قد اشتعلتْ دفعةً واحدة في كرومي، وأنا واقف كالتماثيل القديمة، لا أستطيع الصراخ من قسوة الموت.
    حينما تغزو الوحدة مخيلتي، يقفز المرض كالجنادب أمام عيني، ما أزال مريضاً بعينيك الربيعيتين، وما يزال ريقُ الوردة على شفتي، فليمنحني الإله نسياناً لمقام الورد، الذي أنبتني لأسيلَ على الورق الأبيض والطرقات كَجِرار حزني.
    حزينٌ كرائحة الفراق، كرائحة البيوت التي فقدت مظلاّت أحبابها، حزين ويصبغ الحزن نسغي ونبرة صوتي الذي يملؤه العشق في كل حين، وحزين بكل العيون التي ستراني بلا ألقِ انحباسِكِ فِيَّ، أنا ورقُ الحزن الذي بعثرته الرياح على كلّ مسكبة للفراق وكل تخوم.


    منقوووول

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474974
    حزينٌ كرائحة الفراق، كرائحة البيوت التي فقدت مظلاّت أحبابها، حزين ويصبغ الحزن نسغي ونبرة صوتي الذي يملؤه العشق في كل حين، وحزين بكل العيون التي ستراني بلا ألقِ انحباسِكِ فِيَّ، أنا ورقُ الحزن الذي بعثرته الرياح على كلّ مسكبة للفراق وكل تخوم.

    اشكرك على الاختيار الرائع

    رائعه انتي فى كل جديد

    لكى باقة من الورد

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669
    شاكرة المرور الطيب

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-05-2018, 10:54 PM
  2. القرنفل
    بواسطة اردنيه اربداويه في المنتدى قسم الزراعة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 18-09-2014, 12:41 PM
  3. القرنفل
    بواسطة اردنية الشموخ في المنتدى منتدى الطب والصحة
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-03-2013, 10:56 AM
  4. ورد القرنفل
    بواسطة الاسطورة في المنتدى منتدى , صور , فوتغرافيات
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 10-03-2010, 08:32 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك