تبريد مرضى القلب المتوقّف ينقذ حياتهم
توصل اثنان من الاطباء الاميركيين الى اسلوب جديد في المعالجة ينقذ حياة من تتوقف قلوبهم مع المحافظة على اقصى حد ممكن من سلامة الدماغ، بما يمثل املاً كبيراً لمرضى القلب الذين يمرون بهذه الحالة، والذين تشير الارقام الى ان تسعة من كل عشرة منهم تنتهي الحالة عندهم بالوفاة في المستشفى رغم كل المحاولات التقليدية الحالية. كما تشير الارقام الى ان واحداً من كل ثمانية ممن يتم انقاذ حياتهم، باعادة تنشيط نبض القلب، يعانون من تلف دائم في الدماغ نتيجة نقص الاكسجين.
الاسلوب الجديد الذي يتضمن تخفيض درجة حرارة جسم المريض يطلق عليه الاسم therapeutic hypothermia ويعتمد على مبدأ ان تلف انسجة القلب والدماغ في هذه الحالة لا يتسبب عن توقف نبض القلب، وانما عن اعادة تنشيط القلب المفاجئة بفعل الصدمات الكهربائية، وبالتالي رد الفعل الطبيعي المتلف الذي يحدث في الانسجة عند عودة الاكسجين بصورة مفاجئة اليها، ما عدا في حالة تبريد الجسم الى الحد الذي يكفي لأن يبطئ من رد الفعل هذا.
تجربتان عياديتان اجريتا في عام2002 اظهرتا ان المرضى الذي جرى تبريد اجسامهم وانعاش قلوبهم، خلال اربع ساعات من توقف القلب عندهم، كانت فرصهم في النجاة اكبر بنسبة 20%، حتى لو كانوا من الناحية الطبية قد توفوا قبل نحو ساعة من الزمن. كما اظهرت دراسة تالية اجريت في كلية طب جامعة بتسبرغ، والتي تستخدم هذا الاسلوب منذ خمس سنوات، ان تبريد جسم المرضى يضاعف من معدلات نجاة هؤلاء المرضى.
في الوقت الحاضر، قلة من الناس عرفوا عن هذه التقنية، كما ان قلة من الاطباء يستخدمونها. ورغم انها تقنية واعدة، فإن العقبة أمام انتشارها تتمثل في الحاجة الى اجراءات طبية معقدة لتنفيذها، وتتطلب خبرة ومهارة طبية متقدمة، واجهزة طبية خاصة، اضافة الى طاقم تمريضي وفني مدرب ومن اختصاصات عدة.
من اكثر الداعمين لاعتماد هذا الاسلوب في المعالجة د. لانس بيكر ود. بنجامين ابيللا من مركز بن لعلوم الانعاش/ بنسلفانيا/ الولايات المتحدة، واللذين يريان انه بالاضافة الى ضرورة ان يصبح هذا الاجراء اعتياديا، فإنه ينبغي ايضاً تطويره. من هنا، فإنهما يجريان حالياً دراسات على الفئران والخنازير، اظهرت انه من الافضل تبريد الجسم قبل محاولة انعاش القلب المتوقف، ويقولون انهما سيبدآن تجربة عملية التبريد الفورية هذه على الانسان باستخدام جهاز سيتيح للعاملين في اقسام الطوارئ اجراء تبريد فوري لمرضى توقف القلب الذين يراجعونهم.
ووفقاً لما يقترحه بيكر وابيللا، فإن 15% على الاقل من ال 166 ألف انسان في الولايات المتحدة الذين يمرون بحالة توقف القلب سنوياً خارج المستشفى، عليهم الخضوع لعملية تجميد فوري حتى قبل وصولهم الى اقسام الطوارئ في المستشفيات.
بيكر الذي اهتم منذ بداية ممارسته للطب بحقيقة النسبة الضئيلة من المرضى الذين يبقون على قيد الحياة بعد انعاش قلوبهم، يقول ان توقف القلب يعني توقف تزويد خلايا الدماغ بالاكسجين وبدء تحللها، وانه من المفترض ان تعود لهذه الخلايا حيويتها بمجرد عودة القلب للنبض ثانية، وعودة تدفق الدم والاكسجين اليها. لكن ما يلاحظ حدوث العكس، اذ اظهرت الدراسات المجهرية على خلايا دماغ اوقف توزيدها بالاكسجين، ثم اعيد اليها، ان نسبة كبيرة منها اظهرت اعراض تلف بعد عودة الاكسجين اليها.
الابحاث التي حاولت التوصل الى سبب هذا التلف، اثمرت بعد عامين من الجهود الى احد مفاتيح عملية التلف، اذ تبين ان العضيات الخلوية التي تستخدم الاكسجين لتحليل السكر وانتاج الطاقة للخلية، والمسماة الميتوكندريا، تضيف او تأخذ الكتروناً من ذرة الاكسجين في الوقت الخاطئ، بما يؤدي الى ان تصبح جذراً حراً، أي أيون قوي بما يكفي لأن يتلف التراكيب الخلوية ويحدث طفرة في مادة الوراثة DNA. ومن المعروف انه يوجد في الخلية انظمة تحول دون حدوث هذه التفاعلات المتلفة، وتحافظ على استمرارية قيام الخلية بوظائفها بشكل طبيعي، الا انه بغياب الاكسجين تفقد هذه الانظمة فعاليتها. وعند عودة الاكسجين تبدأ الميتوكندريا بتكوين الجذور الحرة، التي تأخذ باتلاف الخلايا، وكاستجابة لهذا التلف يبدأ جهاز المناعة بانتاج مواد تزيد الحالة سوءاً. وتكون المشكلة واضحة اكثر في انسجة القلب والدماغ والتي تستهلك مقادير من الاكسجين اكبر من أي عضو اخر.
الابحاث العلمية منذ الخمسينات من القرن الماضي كانت اشارت الى ان تبريد المرضى بعد توقف القلب يساعد في انقاذ حياتهم، وقد استفاد بيكر من هذه الحقيقة، ومن العديد من الابحاث التالية ذات العلاقة، ليبدأ تجارب على الفئران ثم في عام 1999 تجارب على الخنازير.
وقد اظهرت نتائج الدراسات فعالية عملية تبريد الخلايا في المحافظة عليها، وفي عام 2002 نشر اطباء اوروبيون واستراليون نتائج اول تجارب على الانسان، اظهرت ان تطبيق اسلوب التبريد هذا ادى الى انقاذ حياة واحد من كل خمسة مرضى توقف القلب. وفي عام 2002 بدأ بيكر باستخدام هذا الاسلوب في المعالجة على مرضاه في شيكاغو، وفي عام 2005 اقنع بالتعاون مع زميله ابيللا جمعية القلب الاميركية لتضمين هذا الاسلوب في خطوطها العلاجية المرشدة. وفي الوقت الحاضر وفي نيويورك وميامي وبوسطن وسياتل، تحرص سيارات الاسعاف على نقل مرضى توقف القلب الى مستشفيات تتوفر فيها امكانات تبريد المرضى. وتبعاً لدراسة مسحية اجراها د. ابيللا في عام 2006 تبين ان 26% فقط من اقسام الطوارئ في المستشفيات الاميركية ومن اطباء القلب يعملون على تبريد مرضى توقف القلب.
رد مع اقتباس
المفضلات