مجلس النواب الأردني... تغيرات بنيوية وتجاذبات محورية فرضتها تنوعات دراماتيكية
--------------------------------------------------------------------------------
■ تبعية ووعاء ومظلة.. مصطلحات تفيض بها مساجلات نيابية
■ التحشيد لرئاسة النواب المقبلة ستبدأ مبكرا والمناوشات مهدت لذلك
--------------------------------------------------------------------------------
الحقيقة الدولية – محرر الشؤون البرلمانية
بات ما يدور في مجلس النواب حاليا حديث مراقبين وسياسيين وطبقة نخبوية ومتحزبين وناشطين سياسيين، وان اختلفت ميولهم وأهواؤهم ومدارسهم الفكرية.
كل جهة تنظر لما يحدث من زاوية رؤيتها الخاصة، وعبر تحليلات مستندة لجهات مطلعة، وكلٌ يقدم معلومات ورؤى عدة، تصب جميعها في وعاء ان المجلس النيابي يمر بمرحلة تشكل جدية أفرزتها المرحلة الحالية، وفرضت أجندتها تجاذبات سياسية، وتغيرات دراماتيكية.
الساحة البرلمانية باتت تفيض في المرحلة الحالية بمصلحات جديدة، أبرزها التبعية، والوعاء، والمظلة، كل طرف يتحدث عن الطرف الآخر بالشكل الذي يريد، وكل جهة نيابية، تدافع عن نفسها من خلال قذف المصطلحات كيفما اتفق، وهذا ما يؤشر الى ان المجلس النيابي يتجه نحو اصطفافات جديدة، ومرحلة مختلفة لم يعهدها خلال الدورتين الماضيتين من عمره.
الحديث الهامس بين النواب خلال العام ونصف الماضية، عن وجود أدوات غير مرئية تحكم عمل المجلس، وتفاعلات مدروسة، واصطفافات "قسرية"، أصبح يتم تناولها بشكل علني وبجرأة غير معهودة.
الاصطفافات التي ولدتها المرحلة السابقة باتت على المحك، وأصبح يؤخذ على بعض الكتل، تشكلها "قسريا" وفق النائب ممدوح العبادي، فيما يعتقد نواب آخرون ان ولادة تيار نيابي عريض يحظى بالأغلبية البرلمانية، ووضع مفاتيح اللعبة كاملة بين يديه، كان أمرا واقعا، تمت ملامسته خلال الدورة الثانية من عمر مجلس النواب بشكل واضح، وهو ما خلق حالة غير مسبوقة من الانقسامات بين النواب.
هذه الحالة ولدت تحالفات جديدة، وأفرزت اصطفافات غير معهودة في المجلس، فقربت نوابا وأبعدت آخرين، كانوا حتى فترة قصيرة من أركان اللعبة البرلمانية وأعمدتها.
نظرة من الداخل
لكي نعرف ما يحدث لا بد من قراءة خارطة مجلس النواب الخامس عشر من الداخل والوقوف على محاور اللعبة البرلمانية والمؤثرين فيها والمهمشين، وأولئك الذين باتوا يرون ان الأمور تغيرت.
يتشكل مجلس النواب حتى الآن من 4 كتل نيابية، الأولى وهي كتلة التيار الوطني وتضم (55 نائبا) ويرأسها رئيس المجلس عبد الهادي المجالي، وهذه الكتلة تضم نصف عدد أعضاء المجلس.
تتحالف كتلة التيار مع كتلة الإخاء (19 نائبا) واستأثر هذا التحالف خلال الدورة الحالية (الثانية) بجميع مقاعد المكتب الدائم باستثناء مقعد ذهب لكتلة نواب حزب جبهة العمل الإسلامي، كما استأثرت برئاسة اللجان النيابية الأربع عشرة.
أما الكتلة الثالثة فهي الكتلة الوطنية وتضم (9 نواب) والكتلة الرابعة هي كتلة نواب حزب جبهة العمل الإسلامي وتضم (6 نواب) ليصبح بالتالي عدد النواب المتكتلين (89 نائبا) ويتبقى (21 نائبا) مستقلا.
ابرز النواب المستقلين هم: عبد الرؤوف الروابدة، عبد الكريم الدغمي، سعد هايل السرور، ممدوح العبادي، بسام حدادين، محمود الخرابشة، خليل عطية، محمد أبو هديب، توفيق كريشان، هاشم الشبول، سميح بينو، فلك الجمعاني، ناريمان الروسان، نضال الحديد، مجحم الخريشا، وموسى الزواهرة، وآخرون.
يشكل النواب المستقلون ابرز قيادات المجلس، وأكثرهم دراية وخبرة نيابية، وبالتالي استطاعوا فرض إيقاعهم على العمل النيابي بكل أبعاده، وتمكنوا من فرض آرائهم في بعض مفاصل التشريع، وان لم يملكوا الأغلبية النيابية.
شهدت الدورة الثانية تغييبا لأولئك النواب، وتهميشا لدورهم في مفاصل شتى، ما أدى لبروز حالة من السلبية في العمل البرلماني، وارتفاع وتيرة الحديث عن التهميش حينا والاصطفافات حينا آخر، والمناكفات أحيانا عدة، وخاصة ان اغلب النواب المستقلين لم تكن لديهم نية في منافسة الرئيس المجالي على رئاسة مجلس النواب سواء في الدورة الأولى او الثانية.
- ماذا حدث؟ ولماذا تواتر الحديث عن المظلة والأغلبية القسرية؟
لعل الإجابة عن هذا السؤال تكفل بنصفها الصحفي فهد الخيطان عندما قال "منذ استقالة مدير المخابرات العامة السابق الفريق محمد الذهبي، توقع محللون ان قواعد اللعبة النيابية في طريقها للتغيير، ورشحت أوساط سياسية كتلة الإخاء التي يقودها النائب احمد الصفدي لتكون أول المتضررين، فيما تشير التحليلات ان كتلة التيار الوطني بزعامة رئـيس المجلس عبد الهادي المجالي ستواجه مصاعب كبيرة للمحافظة على وحدتها الهشة وتفوقها العددي، وسيعود نواب مستقلون مثل عبد الرؤوف الروابدة وعبد الكريم الدغمي، وممدوح العبادي وسعد السرور وبسام حدادين الى الواجهة من جديد."
تلك نصف الإجابة، أما نصفها الآخر فقد أشار إليه الخيطان ذاته عندما قال "تعد الطريقة التي بات النواب يتعاملون فيها مع حكومة نادر الذهبي مظهرا آخر من مظاهر التحول في الساحة البرلمانية ستمتد آثارها الى الأوساط السياسية والإعلامية، ففي جلسة الأحد (18/1/2009) شهدنا هجوما غير مسبوق على سياسات الحكومة وتهديدات نيابية باستجواب وزراء في الحكومة)..) ولحسن حظ الذهبي فان دورة مجلس النواب في أيامها الأخيرة، الأمر الذي يجنب الحكومة مزيدا من النقد النيابي".
هذا الحديث لخص ما يجري حاليا في مجلس النواب، وأوضح معاني مفردات تم استخدامها في وقت سابق مثل "أغلبية قسرية" و "مظلة" ولعل هذا ما دفع النائب احمد الصفدي للقول ان "المظلة التي يتم الحديث عنها رفعت" وهو بذلك يعني مظلة الفريق محمد الذهبي.
إلى أين يسير مجلس النواب حاليا
إذن بات مجلس النواب يشكل المكان المثالي لقراءة التحولات التي تشهدها الساحة السياسية وعلاقة مراكز صنع القرار بها، بعد التغييرات التي حصلت في عدة مواقع حساسة مؤخرا.
ولذلك لم يتوانَ النائب ممدوح العبادي وهو الذي ابعد عن أي منصب قيادي في الدورة الحالية (الثانية) عن توجيه انتقادات لأغلبية التيار الوطني، والقول ان "ما حدث في انتخابات المكتب الدائم واللجان النيابية لم يحدث منذ 20 عاما وأصبحت الأغلبية في البرلمان قسرية وليس لها علاقة بالأغلبية البرلمانية المتعارف عليها في البرلمانات العالمية".
كشف أوراق البرلمان لم يتوقف عند العبادي إذ قال النائب بسام حدادين "قواعد العمل البرلماني شاخت لذلك نجدها تقوم على إدارة برلمان بلون واحد وهو ظل للحكومات ويدار عن بعد".
النائب عبد الرؤوف الروابدة أيد مذهب العبادي في وصف الكتل بـ "القسرية" فقال: "تشكلت كتلة قسرية، وقسرية جدا، وفوقها مظلة (...) هذه عملية قسرية".
المفاجأة جاءت من قبل النائب احمد الصفدي وهو حليف أساسي ضمن تحالف التيار والإخاء، فقال: "كما قال دولة أبو عصام (عبد الرؤوف الروابدة) رفعت المظلة".
هذه التصريحات التي أنبأت عن تغيرات جذرية في عقلية وتركيبة مجلس النواب في مقبل الأيام جاءت من خلال ندوة حول الأغلبية والأقلية البرلمانية عقدت مؤخرا.
ولذلك فانه من المرجح ان تشهد الساحة النيابية حراكا قويا، قد يكون احد مظاهره عمليات فك وتركيب وانسحابات في البنى الكتلوية القائمة.
ومن هنا فان نوابا مستقلين عملوا خلال الفترة الماضية بصمت، يعتقدون انه آن الأوان لإظهار نتاج عملهم والإعلان عن نواياهم بلا تردد، وسيجدون ان الفرصة مواتية لخلط الأوراق وتهشيم الأغلبية الحالية وزحزحة أركانها.
وماذا بعد؟
من المتوقع حدوث انسحابات فردية وتشكل كتل جديدة من رحم الأغلبية النيابية التي تشكلت من تحالف كتلتي التيار الوطني والإخاء، بيد ان هذا التحالف سيعمل بكل قوة للمحافظة على فائضه العددي وهو الذي يملك (74 نائبا) وهو عدد يسمح له بتلقي الصدمات حتى الى حين.
كما ان "الكاريزما" التي يتمتع بها رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي وقدرته عن استيعاب المناوئين قد تجعله يتجه نحو الكتلة الوطنية (9 نواب) لجهة خطب ودهم وتأمين رئاسة المجلس للدورة المقبلة على اقل تقدير.
المنتقدون لما أسموه "أغلبية قسرية" يتعين عليهم وقبل كل شيء اللقاء والعمل الجماعي المنظم، لتحقيق أهداف عامة، طالما تحدثوا فيها، أهمها الارتقاء بالعمل البرلماني وتعزيز المكانة الدستورية لمجلس النواب ودوره المستقل في الرقابة والتشريع.
لا يستبعد نواب ان ينتج عن كل ذلك بروز أسماء راغبة في المنافسة على رئاسة مجلس النواب في دورته المقبلة التي تبدو بعيده نوعا ما، والعمل منذ الآن للاستفادة من كل التجاذبات التي تحدث لتأمين وصول مريح لسدة الرئاسة في الدورة المقبلة.
المصدر : الحقيقة الدولية – محرر الشؤون البرلمانية - 27.1.2009
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معرفه
المفضلات