**فأحثُّ نفسي أن تقتحم الدرب ...إليه
.
.. مرضتُ بكورونا ..وفي أيّام معدودات صرتُ كمومياء فرعونية ....!!..كنتُ لا أقدر أن أمدّ يدي إلى حجَر التيمّم جنبي .. إلّا بصعوبة ...حالة من غياب الوعي والطاقة ...إلّا قليلا ..... لا أدري كيف قدرتُ على الإتّكاء وطلبتُ أن يأخذوا لي صورة لتكون آخر صورة لي في الحياة ...فقد كنتُ ساعتها أظنُّ أنّ الموت سيكون الليلة القادمة ..............
.
..............وكان الموت يعني لي ...أننّي سألتقي خالقي هذه الليلة ...فأشعرُ بإنارة تملأ كياني ..ومدّ بصري ....فأحبُّ أن أستعدَّ كما يستعدّ انسان فقير قليل للقاء مالك المُلك
..وكما يستعدّ جاهل عاجز للقاء صاحب العِلْم والقدرة ..
وكما يستعدّ معذَّبٌ مذنب ..للقاء الرحمة والغفران
أمشي اليه كشمعة ضوء ..تعصف بها الريح في الظلام الشاسع ..تحلم أن لا تُطفَأ قبل الوصول اليه ...تنتظر يده ورحمته ..تطالها من الظلام
.
....فما أفعلُ : ....فأعود إلى سجلّات كتابي فوق ظهري ............فأتهالك ...رغم شوقي لرؤية الله .....ولكنّ الطريق اليه منيرة ....وكلّ شيء في الغرفة حولي كان سعيدا شديدة الحبور .... ..فأقول : ربما سبَقَت رحمته اليَّ .................فأحثُّ نفسي أن تقتحم الدرب ...إليه ..تراهن على رحمته ....وهو البَرٌّ الرحيم ...........
.
...وكان خيال أمّي ووجهها يلاحقني ....في تلك الليالي أينا نظرت ..كأنّها عادت من القبر ,,ربما ....رآه الله فأشفقَ عليها ...!! ...ولم أمُتْ ...
..ما تدري ما يريد الله !!...هل الباقي من العمر شرٌّ أم خيرٌ ...!!..ما تدري في ايّة ساعة يكون الموت خير ا من الحياة ...!
..مادمنا سنموت يوما ما ..ولا نعلم ما رصيدنا عند الله في كلّ ساعة ......!!
.
....وقلتُ : وما فائدة النظر الى صورة ..هي اليوم بلا صاحب لها ..لا تسمع لا تعقل لا تنطق ...ما نحن إلّا عقلنا ونُطقنا .......
.....كنتُ هنا وصار وجودي في مكان آخر ...إذا أردتم رؤيتي فالحقوني - إذا رحمني الله - الى الجنة ...وما الدنيا الّا ساعة ..المهمّ أن تكون نفوسكم نقطة نور ولا تكون شعلة نار ...فتلحقونها الى النار
.
...قد كان في داخل صورتي هذه نفْسٌ .......لا يعلم خيرها وشرّها إلّا الله ..
..فإذا كانت مثل نقطة نور وأخذتْها الرياح الى خالقها ولحقتْ بالنور ..فالموت كان أرحم من العودة ..
..وإذا كانت شرارة نار فتلحق بالنار ..
..فعودة للحياة ستكون خيرا ..لنطفىء نيراننا ...بقليل من الخير
.
..: ما أسرع موتنا وما أقلّ عزمنا وما أضعفنا لو تعلمون ..
..لقد شعرتُ بعد ذلك المرض والتهالك فيه
..أننا كريش يتطاير في عواصف الحياة ...
..حتى لو رأيتمونا في سيارات فخمة وقصور عالية ...
..فنحن نغيب بلحظة واحدة
..وكشجر الحور نتغيّر ...
..نلتفتُ هكذا فلا نرى إلّا الله الذي خلَقَنا ....
.....وندير ظهورنا لكلّ شيء .........
......وتصير وراءنا صُوَرُنا تلك التي لا تسمع ولا تنطق ........ولا تبصر شيئا...
...مثل ما نرى من الأحافير ..
...خيالُ شيء كان هنا ..!

.


.
.



عبدالحليم الطيطي