صور عن البخل بالسلام , عبارات عن بخيل السلام
بيسات عن البخل بالسلام , كلمات عن بخيل السلام , رسائل عن بخيل السلام

بخيل السلام:
السلام: اسم من أسماء الله الحسنى[10]، وحظ العبد منه أن يتجلَّى على تصرفاته القولية والفعلية[11]، ومن القولية: المبادرة بالسلام، وهي سنَّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردُّه فرض لازم، والمبادرة بالسلام من السنن التي قرر العلماء أنها أعظم أجرًا من فرضها[12]؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ عنه: ((لا يحلُّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يَلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))[13].
قال ابن حجر: فيه تنبيه الأخيار، ويَحرص أن يُسلِّم في كل يوم على عشرة مِن المسلمين، وأن يكون هو المبتدئ، فإنه أفضل من الردِّ[14]
من أجل هذا كان البيان الأول عند دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: السلام، فقال فيما يرويه عبدالله بن سلام، قال: لما قَدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَله، فكنتُ فيمَن خرَجَ، فلمَّا رأيت وجهه عرفتُ أنه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعتُه، يقول: ((أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلُّوا والناس نيام، تَدخلوا الجنة بسلام))[15]، والإفشاء مقصود لذي لب فلينتبه له.
وإذا أكمل العبد أشرف العبادات وهي الصلاة المكتوبة، وعاد بالاتصال إلى المخلوقين يبادرهم بالسلام فيختم صلاته فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم يدعو بالدعاء المأثور فيما يرويه ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفَرَ ثلاثًا وقال: ((اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام))[16].
فليتَ شِعري: أين الذين يُنادون بالسلام من هذه النصوص؟ وهم يُهلكون الحرث والنسل صباحًا ومساءً يتستَّرون بالشعارات الزائفة، وهم يحملون السكِّين يذبحون بها كل من يقول: "لا اله الا الله محمد رسول الله".
إذا علمنا ذلك كان مَن بَخل بغاز ثاني أوكسيد الكاربون على إخوته كان (أبخل الناس) بصيغة المبالغة كما أسلفنا، هذا ما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يؤشِّر حالةً سلبية لشحيح شحَّ عن نفسه، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُمثل بهذا المثال ويأتي بالذي هو أبخل منه، وهو: بخيل السلام؛ فعن جابر بن عبدالله أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ لفلان في حائطي عذقًا وقد آذاني وشقَّ عليَّ مكان عذقِه، فأرسل إليه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((بعني عذقَكَ الذي في حائط فلان))، قال: لا، قال: ((فهبْه لي))، قال: لا، قال: ((فبعنيه بعذْق في الجنة))، قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيتُ أبخلَ منكَ إلا الذى يبخل بالسلام))[17].
وفي رواية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا أبخلُ الناس))[18].
والعاجز في تقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: من عجز عن الدعاء، والبخيل من بخل بالسلام.
وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعجز الناس من عجز في الدعاء، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام))[19].
قال المناوي: ((أعجز الناس))؛ أي: من أضعفهم رأيًا وأعماهم بصيرة، ((من عجز عن الدعاء))؛ أي: الطلب من الله تعالى، لا سيَّما عند الشدائد؛ لتركه ما أمره الله به وتعرُّضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه، وفيه قيل:
لا تسألن بنيَّ آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تُحجَبُ
الله يَغضب إن تركتَ سؤاله
وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب
وفيه ردٌّ على من زعم أن الأولى عدم الدعاء، ((وأبخل الناس))؛ أي: أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل ((مَن بخل بالسلام)) على مَن لقيَه مِن المؤمنين ممَّن يعرفهم، وممَّن لا يعرفهم، فإنه خفيف المؤونة، عظيم المثوبة، فلا يُهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات وتهاون بمراسم الشريعة، أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام، وجعله أبخل لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة؛ لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة، ففي بذله قهر للنفس، وأما السلام فليس فيه بذل مال، فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق، فهو أبخل من كل بخيل[20].
وأعظم الناس سرقةً مَن سرَق من صلاته لا من سرق من ماله، وأبخل الناس من بخل بالسلام؛ فعن عبدالله بن مغفَّل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أسرق الناس مَن سرَق صلاته))، قيل: يا رسول الله؛ وكيف يسرق صلاته؟ قال: ((لا يتمُّ ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام))[21].
مِن أجل هذا كان توجيه سيد الخلائق والبشر ألا نكون من المغبونين في ردِّه؛ فعن أبي هريرة قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أبخل الناس من بخل بالسلام، والمغبون من لم يردَّه، وإن حالت بينك وبين أخيك شجرة فإن استطعت أن تبدأه بالسلام، أو لا يبدأك بالسلام فافعل))[22].
بخيل بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذُكر عنده:
رسول الله صلى الله عليه وسلم هادي البشرية لربها، ومُخرجها من الظلمات إلى النور، مَن كان سببًا لرفعتهم على الأمم بأجمعها، وهو من يشفع لهم يوم القيامة، ولا يرتضي أن يدخل أحد مِن أمته النار، شرَّفهم الله أن يكون نبيَّهم وإمامهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة، وجَّههم ربهم أنه إذا ذُكر اسمه الشريف في حضرة أحدهم أن يبادر بالصلاة عليه، ويُشرِّف نفسه بذلك، ويرفعوا من مقامهم عند ربهم بالصلاة على نبيهم، فمن ذُكر اسم الحبيب قُبالته فامتنع واحجب عن الصلاة عليه كان من أبخل الناس بصيغة المبالغة (أبخل)؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجتُ ذات يوم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأبخل الناس؟!)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((مَن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، فذلك أبخل الناس))[23].
قال المناويُّ: ((إن أبخل الناس مَن ذُكرتُ عنده فلم يصل عليَّ))؛ أي: يدعو لي بلفظ الصلاة مع السلام، وقد جاء: البخيل ليس مَن يبخل بماله، ولكن مَن بخل بمال غيره، فهو كمَن أبغض الجود حتى لا يحبَّ أن يجاد عليه، فمن لم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذُكر عنده منَع نفسه أن يكتال بالمكيال الأوفى، فهل تجد أحدًا أبخل من هذا؟![24].
وقال القاري: فمن لم يصلِّ عليه فقد بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى، فلا يكون أحد أبخل منه؛ كما تدل عليه رواية: ((البخيل كل البخيل))[25].
وتعدَّدت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وهو يدعوها للصلاة عليه لا لنفسه بل من أجلها، فمقامه معروف ومحمود عند ربه، فنحن من نتشرف بالصلاة عليه، وهو غنيٌّ عن صلاتنا، فقال فيما يرويه أبو هريرة، قال عنه: ((إنَّ البخيل كل البخيل مَن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ))[26]، وعن عبدِالله بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البخيل مَن ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ))[27]، وعن جرير بن حازم قال: سمعتُ الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بحسب المؤمن من البُخل إذا ذكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ))[28].
وثمرات الصلاة على رسول صلى الله عليه وسلم كثيرة في الدنيا والآخرة، بحسبنا منها: مَن أراد أن يُغفَرَ له ذنبه، ويُكفى همَّه، فعليه بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله؛ فعن الطفيل بن أبيِّ بن كعب عن أبيه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثُلثا الليل قام، فقال: ((يا أيها الناس؛ اذكُروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه))، قال أبيٌّ: قلتُ يا رسول الله؛ إني أُكثِرُ الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ((ما شئتَ))، قال: قلتُ: الربع؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خير لك))، قلتُ: النِّصف؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدت فهو خير لك))، قال: قلتُ: فالثلثين؟ قال: ((ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خير لك))، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: ((إذًا، تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبُك))[29]، والكلام في ذلك يطول لمحبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهمَّ فصَلِّ على سيدنا محمد ما أشرقت شمس وبزغت أقمار، وما أظلَّ ظلٌّ وأوفى نهار، عدد ما في علم الله من أسطار، وما أنزل من قطر بأمطار، وما أجرى من موج في بحار، وما وكَر حيٌّ أو طار، وحوت البيداء من ذرات والغبار، وما ترك السير من آثار، صلاةً تنجي الفقير من العثار، إذا ما تعطلت العشار، وأطلقت أوابد من إسار، صلاةً تُنجي مِن الثبور، وتنير القبور، وتنشر البهجة والسرور، تثمر لُقيا الحبيب في حبور، إذا ما لُزَّ الناس للعبور، وضاق موطن المرور، وبيده ماء الكوثر ليس شيء عليه يؤثر، مَن شرب منه شربة لم يتأثَّر من هول أو عطش، إذا ما الجبار بطش، والليل أغطش.