الدور المصري في القضية الفلسطينية دائما ما كان مثار جدال وتحليلات سياسية كثيرة..

فأنت ربما تقف مشجعا مصفقا أمام مواقف معينة بينما تقف مشدوها تضرب يدا على أخرى من تصرف آخر..

ليبقى أمامك السؤال:

ما الضوابط والاستراتيجيات التي تحكم التحركات المصرية في القضية الفلسطينية؟؟؟..

بل إننا في بعض المواقف كنا نفرح للدور المصري في بداية الأمر ولكن بعد مرور وقت بسيط يتضح أن التدخل المصري لم يكن كما تصورنا في صالح الفلسطينيين بأي حال من ألأحوال..

في هذا الإطار تناقلت العديد من وكالات الأنباء العالمية والعربية أمس واليوم تصريحا لأحد المسئولين الصهاينة أثناء زيارة رئيس وزراء الكيان لمصر ولقائه بالرئيس مبارك (وهو لقاء جريمة في حد ذاته)، وكان التصريح كالتالي:

تلقت "إسرائيل" تأكيدات مصرية واضحة بأن معبر رفح لن يفتح قبل حل مشكلة (الجندي الإسرائيلي الأسير) جلعاد شاليط..

وكان اتفاق التهدئة الأخير يقضي بفتح معبر رفح بين مصر وغزة وباقي المعابر المحيطة بغزة.. وهو ما لم يحدث حتى الآن..

التصريح يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول طبيعة وهدف وجهود الدور المصري..

فأين تصب مصلحة هذه الجهود؟؟؟..

وما دخل مصر أساسا بقضية الجندي الأسير من الأساس؟؟؟.. ولماذا تقحم مصر نفسها في القضية إلا إذا كان التدخل يصب في مصلحة حل القضية بأكبر قدر ممكن لصالح القضية الفلسطينية والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين؟؟؟..

وإذا كانت مصر تطوعت بالتدخل، فهل يكون تدخلها بإغلاق معبر رفح وما يمثله هذا الأمر أولا من خرق للتهدئة ثم الأضرار الكبيرة التي ستعود على الفلسطينيين من غلق المعبر..

لتضع مصر بهذا التصرف حركة حماس بين خيارين: إما الإفراج عن الجندي الأسير في أسرع وقت ممكن وهو ما يقلل من مساحة المناورة والضغط حتى ترحم شعبها من الحصار الخانق..

أو تبقي على أسره ويبقى الحصار؛ لتتحول المشكلة بفضل الجهود المصرية غير الحميدة من مشكلة فلسطينية صهيونية إلى مشكلة فلسطينية داخلية فقط..

بمعنى آخر لسان حالهم يقول: إذا أردتم يا شعب غزة رفع الحصار فالأمر في يد قادتكم في حماس ليفرجوا عن الجندي الأسير..

وما يزيد الصورة بشاعة أننا لم نسمع طوال عقود بأن مصر أعلنت غلق المعبر أمام المنتجات الصهيونية حتى يتم الإفراج مثلا عن أسير فلسطيني واحد..

بل لم نسمع أن مصر أغلقت المعبر حتى يتم تسليم قاتلي الفتاة المصرية على الحدود منذ شهور..

بل لم نسمع صوت مصر حين قتل الكثير من جنودنا على الحدود برصاص الصهاينة..

ما معنى وبأي عقل وأي منطق يأتي أولمرت المحاصر داخليا والمفضوح بالرشاوى وغيرها يأتي إلى مصر لتنقذه من حصاره الداخلي وتستجيب له حتى يحقق نجاحا بالإفراج عن الجندي على حساب إخواننا في الدين والأرض؟؟؟..

هكذا وبثمن بخس يبيع النظام المصري إخواننا في فلسطين حتى دون المطالبة بتبادل الجندي بأسرى فلسطينيين..

وليمت شعب فلسطين في غزة إذا لم يتم الإفراج عن الجندي الأسير..

قد يطلق البعض على هذه التصرفات أوصافا مثل: التخبط في السياسات أو سوء التقدير أو غياب الاستراتيجيات أو ضياع وقصور الرؤية..

ولكني معذرة أحب أن أسمي الأسماء بمسمياتها الحقيقية:

إنها الخيانة في أبشع صورها..

بل قلة الأصل في أحقر أشكالها..

بل النذالة في أحط ألوانها..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة جانبية يقتضيها المقال:

حين أذكر كلمة مصر فإني أتحدث هنا عن النظام الحاكم فيها، وفرق بين مصر كمعنى كبير بأرضها وشعبها وتاريخها وثروتها ومكانتها وبين نظام حاكم أو حكومة تصدر منها هذه التصرفات المشئومة؛ وذلك حتى لا يستدعي البعض النعرات القومية ومواقف الدفاع والوطنية الزائفة وغيرها من الأمور التي يحلو للبعض ترديدها في مثل هذه المواقف..

وبالطبع لا أنسى أن التصريح جاء على لسان مسئول صهيوني ولم يصدر أي نفي حتى الآن من النظام المصري، وسننتظر لنرى صدق هذا الكلام من كذبه على أرض الواقع..

بل إن تصريحات النظام عن إدخاله لبعض المرضى خلال اليومين الماضيين ثبت كذبها..

وحسبنا الله ونعم الوكيل..