الصيام والتوجيهي ورفع الأسعار والأحداث الارهابية .. هي اسباب هدوء الحراك الانتخابي

الصيام والتوجيهي ورفع الأسعار والأحداث الارهابية .. هي اسباب هدوء الحراك الانتخابي

04-07-2016




وضع قانون الانتخاب الجديد كافة مؤسسات الدولة أمام تحد كبير يتمثل بنسبة المشاركة في الانتخابات المقررة في العشرين من ايلول المقبل بعد أن اقر القانون اعتماد جداول دائرة الاحوال المدنية كجداول للناخبين مما سيرفع عدد الناخبين الى نحو 4.5 مليون ناخب وناخبة.

اعتماد جداول دائرة الاحوال ودون تسجيل للناخبين سلاح ذو حدين، فهي ترفع اعداد الناخبين بشكل سينتج عنه بالقطع ارتفاع في أعداد المقترعين مقابل انخفاض في نسبة المشاركة التي سيؤثر فيها بشكل ملحوظ ارتفاع اعداد الناخبين المدونين في الجداول الصادرة عن دائرة الاحوال المدنية وهو تأثير لن تعوضه الزيادة العددية المتوقعة بشكل كافٍ. كشوفات دائرة الاحوال «فخ» قادت الدولة نفسها بإتجاهه دون أن يتنبه أحد الى تأثيره على نسبة المشاركة باعتبارها واحدة من مؤشرات نجاح ونجاعة أية انتخابات.

في الاعوام السابقة كان اللجوء الى تسجيل الناخبين يمنح الدولة فرصة استثناء العازفين عن المشاركة من جداول القياس فكانت نسبة العازفين تراوح الثلث ولم يكن عدد المسجلين بالعادة يتعدى 70% من اعداد من يحق لهم الاقتراع فيما كانت نسبة المشاركة تحتسب من عدد المسجلين باعتبارها النسبة المئوية الكاملة، وهو ما كان يسمح برفع نسب المشاركة الى مستويات مقبولة تقارب نصف المسجلين 50%. النصف الذي كان يعتبر مشاركا هو في الحقيقة نصف الناخبين المسجلين وليس نصف الناخبين الاجمالي بمن فيهم اولئك الذين يحق لهم التسجيل وحرموا من الاقتراع كونهم غير مسجلين اصلا في جداول الناخبين، رياضيا فان نسبة الـ 50% للمشاركين من عدد المسجلين قد لا تتجاوز 35% قياسا بمن يحق لهم التسجيل والاقتراع.

الثُلث العازف في الانتخابات المقبلة سيكون كل من يحق لهم الاقتراع مدونين في جداول الناخبين، واذا ما استمرت الفئة «العازفة» عن التسجيل سابقا على عزوفها فهذا يعني أن 30% من الناخبين خارج حسابات المشاركة قبل يوم الاقتراع واذا ما اضيف لهم الفئات التي كانت تسجل لكنها لا تذهب الى صناديق الاقتراع فذلك يعني ان نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة قد لا تتعدى ثلث المسجلين في جداول دائرة الاحوال ما لم تبذل جهود خارقة واستثنائية لتحفيز الناس على المشاركة.

نسبة المشاركة في الحقيقة هي التحدي الرئيس والاساس والعنوان الاكثر اهمية بالنسبة للهيئة المستقلة والحكومة والسلطات وعدد الذين ينبغي ان يذهبوا كحد ادنى لصناديق الاقتراع هو الشغل الشاغل الآن لمطبخ القرار حيث تحتفظ الحكومة بخطة مفصلة لانعاش المشاركة تتضمن حملات اعلامية واخرى شبابية وخطابات للجمهور وتداخلات ‹تحريكية› هدفها ضمان زخم انتخابي تعززه مشاركة التيارات المعارضة واهمها الحركة الاسلامية.
الهيئة المستقلة بدأت منذ فترة بحملة اعلانية واعلامية للترويج للانتخابات و توعية الجمهور بالخطوات المتخذة، لكن الهيئة في إطارها النظري هي منظم ومشرف فني على الانتخابات مهمتها الاساسية ضمان سير العملية بكافة مراحلها بشكل سليم، لكنها على المستوى السياسي غير معنية بحجم المشاركة وشككلها ونسبها وهو امر مناط بالدرجة الاولى بالحكومة .
ومنطق الامور يفترض ان لدى الحكومة مشروع لرفع نسبة المشاركة عبر حث وتحريض الناس والعمل على اقناع ما يسمى بالاغلبية الصامتة بالتحرك اقتراعيا. طموح مؤسسات الدولة واجهزتها ان ترتفع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة عن 50 بالمئة وهي نسبة لم تصل إليها أي انتخابات سابقة بحكم ان الجداول تضم كل من له حق الاقتراع ودون تسجيل، حيث بلغت نسبة الاقتراع في انتخابات العام 2007 إلى 59.3 بالمئة، وفي انتخابات العام 2003 بلغت 58 بالمئة، وفي انتخابات العام 1997 بلغت نسبة التصويت نحو 53 بالمئة، وفي انتخابات العام 1993 بلغت نحو 61.6 بالمئة.
الحراك الانتخابي لا يُنبئ الحراك الانتخابي حتى اللحظة بأن المشاركة في الانتخابات النيابية المقررة في العشرين من ايلول المقبل ستكون أفضل كثيرا مما كانت عليه في الانتخابات السابقة رغم أن أعداد العازمين على الترشح قد تسجل رقما قياسيا. شهر رمضان، وامتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، والقرارات الاخيرة برفع رسوم وضرائب واسعار بعض السلع، ثم الاحداث التي شهدتها المملكة في الاسابيع الماضية قد تكون عناصر فتور الشارع الاردني تجاه الانتخابات بل ظهور اصوات محدودة تدعو لمقاطعة الانتخابات كنوع من الاحتجاج على السياسات الحكومية. حالة الفتور هذه مرشحة للإنحسار قليلا بعيد عطلة عيد الفطر، لكن مدى الانحسار هذا سيكون رهنا بالاجواء السياسية والاجتماعية والامنية التي تستطيع ان توفرها أجهزة الدولة .
وحتى اللحظة ونحن على بعد 78 يوما فقط من موعد الانتخابات لا زالت الاسئلة التي تطرح حول القانون والية الترشح والاقتراع هي ذاتها ما يعني أن هناك اخفاقا كبيرا في موضوع التوعية والتثقيف، وهو أمر لا بد من معالجته بسرعة حيث ان فهم القانون سيكون ذا اثر كبير على مستوى المشاركة وعلى سلاسة سير العملية الانتخابية يوم الاقتراع.
الندوات واللقاءات التي تعقد لشرح ومناقشة قانون الإنتخاب لا زالت دون المستوى المطلوب وذات أثر محدود ولم تنجح الجهات المنظمة حتى حينه في إستقطاب حاضرين قادرين على إحداث أثر محلوظ في مستوى فهم الناس للقانون. ذكاء الترويج الاقبال على المشاركة في الندوات او حضور الحلقات التلفزيونية والاذاعية او الاستماع للمحاضرات أو حتى متابعة المواقع الالكترونية والتطبيقات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالانتخابات هو في الحقيقة معيار نسبي لمستوى الاقبال الذي ستشهده الانتخابات المقبلة مع ملاحظة أن «ذكاء» الدعاية والترويج لا يزال قاصرا عن فهم مزاج الشارع الاردني واختيار الشكل الخطابي الملائم لاستثارة إهتمامه.
الالاف التي وضعت في يافطات وآرمات الهيئة المستقلة للانتخاب يبدو حتى اللحظة أنها تذهب هدرا ولا تحقق الغاية المرجوة منها، خصوصا أن طريقة الترويج هذه «بالية» ونمطية حد الملل ولا تثير اهتمام المواطنين ولا حتى المارين أمامها.
ومما يجعل تحدي المشاركة مضاعفا ان الانتخابات المقبلة ستجري وفق قانون ونظام انتخابي جديدين ومختلفين كليا عن الانظمة والقوانين السابقة، ما يدفع للتساؤل عن قدرة الهيئة على التكيف مع متطلبات النظام الجديد، وتطبيقه بصورة سلسة ومفهومة، خصوصا وان الهيئة بعد اعادة تشكيلها الاخير تواجه تشكيكا في مكانتها كمؤسسة مستقلة ومهنية قادرة على إنجاز عملها باستقلالية وبصورة تمنح نتائج الانتخابات المقبلة الصدقية والثقة لدى جمهور الناخبين والمرشحين. مسؤولية دفع الناس نحو المشاركة في الانتخابات واثراء الحراك الانتخابي هي مسؤولية جماعية لاجهزة الدولة ومؤسساتها مثلما هي مسؤولية المنابر الاجتماعية والدينية والاعلامية، والاخيرة مطالبة بتقديم أداء مهني رفيع وحث المواطن على المشاركة الإيجابية في العملية الانتخابية. فالاعلام بكل أشكاله له دور هام في نجاح الانتخابات، واختبار قوة الدولة وهيبتها خصوصا ان تحقيق النجاح هو نجاح للدولة كلها باعتبار ان الانتخابات عملية وطنية وآلية ديموقراطية ورؤية إصلاحية تفتح الباب أمام مزيد من الإصلاحات.
المشاركة والمنافسة معايير نجاح أي عملية انتخابية تعتمد على درجتي المشاركة والمنافسة، حيث ترصد الاولى نسبة المقترعين فعليا من المجموع الكلي للهيئة الناخبة، فيما تُقاس الثانية من خلال نسبة الأصوات التي حصل عليها الحزب أو المرشحون غير الفائزين في الانتخابات. المأمول أننا سنشهد مشاركة انتخابية معقولة وجيدة، من خلال توقع سعي المرشحين إلى شحذ همم قواعدهم الانتخابية، وكذلك الأمر بالنسبة لدرجة المنافسة؛ فنحن مقبلون فيما يبدو على انتخابات تنافسية بين القوائم، خصوصا بعد عودة التيار السياسي الاكبر للمشاركة في العملية الانتخابية.
مشاركة كافة القوى السياسية في الانتخابات سوف تُكسب العملية الديموقراطية الانتخابية مصداقية، وتؤهلها للنجاح ضمن المعايير الدولية المعتمدة للانتخابات الناجحة والمتعلقة بمدى نزاهة الانتخابات وسلاسة اجراءاتها ودرجة الامن والهدوء الذي تجرى به. الانتخبات المقبلة ستكون محطة فاصلة ومهمة ليس في الحياة السياسية الاردنية وحسب بل ستمثل علامة قوية على قوة الدولة ورسوخها مما سيعزز الثقة بالمملكة كواحة من الاستقرار والامن في هذا الاقليم المضطرب. أهمية الانتخابات تفرض اعادة النظر في اليات الترويج والتوعية المتبعة حاليا والتي ينذر الحراك الانتخابي الضعيف نسبيا بعدم نجاعتها وكفايتها وضرورة مراجعتها والتأكد من كفايتها .