العقبة مدينة للثقافة 2016.. هل تنجح في توطين المنتج الثقافي واستدامته؟





مع اعلان مدينة العقبة مدينة الثقافة الاردنية للعام الحالي ، ووسط واقع ثقافي ضعيف ، يحاكي ثقافات سلبية انتهكت خصوصية المدينة الساحلية الوحيدة كثقافة التسول، والاعتصامات العمالية، والاعتداء على اراض الدولة، تسعى الفعاليات المختلفة في المدينة لتكون هذه المناسبة نقطة انطلاق جدية لتغيير الواقع الثقافي في المدينة.
النشاط الاقتصادي أوالسياحي او الصناعي الذي اجتاح المدينة، في السنوات الـ 15 الاخيرة، لم يشفع لها لتحقيق نقلة لتفعيل دورها الثقافي، وانشغل مثقفوها بالبحث عن لقمة العيش وسط جمهور المدينة العمالي الباحث ايضا عن رزقه في موانئها ومشاريعها التنموية.
يقول مدير ثقافة العقبة طارق البدور، ان وزارة الثقافة رصدت مبلغ قيمته نصف مليون دينار لمشروع مدينة للثقافة ضمن الموازنات التي تحددها الوزارة سنويا لهذا المشروع الذي نفذ في اكثر من مدينة.
واوضح ان المدينة تضم في جنباتها العديد من البنى التحتية التي تسهم الى حد كبير في انجاح العقبة كمدينة للثقافة، مؤكدا ضرورة الاستفادة من المسارح المتوفرة في الجامعات والمدارس وسلطة العقبة الخاصة وهيئات المجتمع المدني والتي تقارب 40 مرفقا تشكل في مجموعها خدمة لوجستية تضمن نجاح كافة الفعاليات التي يمكن ان تقام عليها.
واضاف ان التنوع الاجتماعي في البنية الديمغرافية والاجتماعية للعقبة تشكل اثراء لثقافة المدينة من خلال تبادل الثقافات بينها وبين مدن ومحافظات المملكة مما يشكل حافزا للحركة الثقافية في المدينة الى جانب ثقافات اخرى يمكن استغلالها من خلال الوفود والمجموعات السياحية الاجنبية والعربية التي عادة ما تشكل رافد ثقافيا للعقبة كونها مدينة ساحلية وسياحية.
ويأمل مثقفون ان يكون اعلان العقبة مدينة للثقافة الاردنية لهذا العام والمتزامن مع مئوية الثورة العربية الكبرى، بارقة امل تدفع بقطاعها الثقافي ومثقفيها الى التميز والإبداع باعتبار الثورة العربية الكبرى تمثل نقطة رئيسية في تحديد والحفاظ على هوية الامة الثقافية وكينونتها الى اهمية العقبة كأول ارض اردنية وطأتها اقدام جيوش الثورة العربية الكبرى.
ويقول الاديب والكاتب الدكتور عبدالمهدي القطامين:» لم يشفع الجذب السكاني المتنامي لمدينة العقبة في السنوات الماضية إلى تميز الواقع الثقافي فيها عن غيرها من المحافظات كما لم تشفع لها مليارات الدنانير التي ضخت فيها لنهضة اقتصادها».
القطامين، الذي عمل مديرا للثقافة في 3 محافظات،اضاف بالقول:» لقد سرق البحث عن لقمة العيش وفرصة العمل في العقبة الأضواء عن همها الثقافي رغم احتوائها على نخبة من المثقفين والصحفيين والشعراء والكتاب فغدت خاوية ثقافيا فأفتقد بحرها الشعراء وغاب الأدباء عن فضاءات نخيلها وبدا ( الكورنيش ) فيها حزينا رغم نبضه بالمشاة والزوار فيما يحلق النورس فوق أمواج خجولة على استحياء».
« الواقع الثقافي في العقبة يواجه معوقات ليس أخرها غياب مركز ثقافي متكامل يوحد العمل الثقافي الذي يعاني الشتات، إضافة إلى غياب برامج وخطط التوعية التي تستقطب الجمهور بإعتباره أساس العمل الثقافي»، يضيف القطامين، ويستدرك :» لأن العقبة هي الأبعد عن مركز العاصمة عمان فقد تراجعت وتيرة العمل الثقافي علاوة على انعدام التنسيق بين الهيئات الثقافية الفردية والمؤسسية فيما غابة الحاضنة الرسمية طيلة 13 سنة ماضية «.
ويوضح القطامين:» حال الثقافة التاريخي للعقبة يدلل على ان العقبة – مدينة ومحافظة – مأزومة ثقافيا وفاترة إلى حد بعيد وقد يعود السبب كما يقول البعض إلى ارتفاع نسبة العمالة إلى عدد السكان الأمر الذي أخر العمل الثقافي عن سلم أولويات العاملين الباحثين عن الرزق في مجالات العمل المختلفة وهو واقع على عكس ما كان في أواخر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي حيث عاشت المدينة حالة من الانتعاش الثقافي من خلال إقامة مهرجان العقبة الثقافي السنوي والذي شهد إقبالا جماهيريا منقطع النظير على مدى أعوام عدة بالإضافة المهرجان العقبة الفني الذي كانت تشرف عليه مديرية الثقافة وكانت النشاطات الثقافية تلاقي رواجا كبيرا.
الناطق الاعلامي لنادي الندوة الثقافي في العقبة الصحفي ابراهيم الفرايه، له رأي في هذا الموضع، فيقول:» إشكالية الثقافة في العقبة ليست بحاجة إلى معجزة لحلها وبغض النظر عن الوصول إلى تعريف جامع مانع للثقافة»ز
ويضيف القطامين:» ان أي نشاط إنساني يقوم في المجتمع هو بالضرورة نشاط ثقافي، ولكن السؤال الأهم هو هل الأنشطة الثقافية التي قامت والتي ستقوم تشكل خلق ثقافة ومعرفة جديدة لدى المشاركين وهل ترقى هذه الأنشطة إلى حد إرضاء الجمهور ونحن نعرف أن الجمهور متنوع المشارب ومتعدد الاهتمامات لكننا يجب أن نبحث عن القاسم المشترك بين الجميع للوصول الى إقبال الجمهور على هذه الأنشطة والى خلق الوعي الحضاري القادر على المواجهة باعتبار أن الثقافة هي آخر القلاع التي يمكن إن تدافع عن كيان الأمة ووجودها بعد أن تهاوت قلاع كثيرة وسرقت على أيدي المتطرفين وصانعي الإرهاب».
وأضاف إن العمل الثقافي في العقبة يعاني من التشتت والضياع فهناك العديد من الهيئات الثقافية ولكن اغلبها ليس له دور ملحوظ في الحراك الثقافي لأسباب عديدة يتقدمها غياب الموارد المالية فالعمل الثقافي أولا وأخيرا يحتاج إلى تكلفة مالية وفي غياب هذه الموارد فان العمل يظل مبتورا وناقصا ومحدود التأثير فلا بدمن حاضنة رسمية تدعم وترعى العمل الثقافي كسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة مثلا والشركات الاستثمارية ضمن مسؤوليتها الاجتماعية ثم عدم المقدرة على تحديد أولويات العمل الثقافي ومن هو القادر على تحديده.
فعاليات العقبة الشعبية والنخب المثقفة فيها، ترى ان الاهتمام بالثقافة هو اهتمام بالجيل الناشئ وحفزه على متابعة ما هو مستجد يعد ضرورة ملحة لكي يمكن لهذا الجيل التواصل مع هويته العربية وحضارته الإسلامية الصحيحة وامتدادها العربي الإسلامي في ظل الهجمة الإرهابية التي تشن على ثوابت الامة وتستهدف نزع الجيل من انتمائه لإرثه الحضاري العظيم والزج به في معترك الغلو والتطرف والإرهاب الدموي.
ويقول الباحث المختص في شؤون العقبة عبدالله كرم المنزلاوي ان خصوصية العقبة تنسحب على كل جوانب الحياة فيها بما في ذلك الجانب الثقافي الذي يجمع في طياته ثلاث موروثات رئيسة الموروث الساحلي والموروث البدوي والموروث الحضري بتوليفة رائعة شكلت فسيفساء اثرت الحركة الثقافية في المدينة.
واضاف المنزلاوي الذي قام بتاليف 8 كتب عن العقبة ان التنوع الاجتماعي في العقبة جاء كخليط سكاني من كل محافظات المملكة ليصنع فعل ثقافي ممتد على مساحات الوطن يتأثر ويؤثر ويعطي المدينة والقطاع الثقافي نوعا من الاثراء الفكري.
واوضح ان العقبة تشكل معقد الازار الذي تلتقي عنده كل الخيوط وتصب فيها كل التيارات لتصبح مجمعا للراوفد الفكرية وهي ميزة ثقافية بحد.
وقال ان العقبة كمدينة للثقافة تحتاج الى فعاليات ثقافية مستدامة كتأليف الكتب واجراء مسوحات تراثية وتوثيق لذاكرة المدينة.
وحذر المنزلاوي من الفعاليات الثقافية الطائرة كما اسماها او المهاجرة التي ترتبط بالمردود المالي اولا وأخيرا ثم ما تلبث ان تطير لأنها تعجز عن صياغة ثقافة وطنية تحترم القيم والعادات.