كتب - حاتم العبادي - قبل أكثر من عشرة اعوام، اخذت سياسات وزراء التعليم العالي، بصفتهم رؤساء لمجالس التعليم العالي، تنال من استقلالية الجامعات، وتحديدا الرسمية، ومن «هيبة» رؤساءها، الى حد وصف ان هؤلاء الرؤساء باتوا اقرب الى «موظفين» تابعين الى وزير التعليم العالي.
نكسات عدة هزت قطاع التعليم العالي، مسبباتها قرارات مجالس التعليم العالي التي منحت لنفسها ان ترسم وتخطط وتقرر عن الجامعات ليكون دور القائمين عليها مجرد متلقين للقرارات ومسؤولين عن تنفيذها وكذلك عن سلبيات تلك القرارات في الوقت ذاته.
في وقت يفترض حسب التشريعات ان الجامعات ذات استقلالية تامة وانها تدار من خلال مجالس، وليس شخوصا، ولكن هذه النكسات ادت الى تغيير الواقع الفعلي مع الابقاء على الشكل النظري لها.

وبعيدا عن التحليل في التشريعات والانظمة، نرصد بعض النكسات التي هزت استقلالية الجامعات، فمنها، تغييب تمثيل الجامعات في تشكيلة مجلس التعليم العالي، فقبل إنشاء الجامعات الخاصة، وبعد إنشاء بعضها، كانت جميع الجامعات الرسمية تمثل في المجالس، لينخفض التمثيل الى اربع جامعات كل سنتين للرسمية واثنتين للجامعات الخاصة، بعد ازدياد عددها بالتناوب.
وحتى تأخذ حالة الاعتداء على رؤساء الجامعات المسار المنسجم مع القانون، تم تعديل القانون قبل عدة سنوات، بحيث تم اضافة بند يتعلق بحالات انتهاء ولاية رئيس الجامعات، وجاء التعديل على مرحلتين، الاولى بإضافة بند الى بندي تقديم الاستقالة او انتهاء المدة، بتعيين بديل له، اي ان رئيس الجامعة قد يتفاجأ ذات صباح او مساء بانه لم يعد رئيسا للجامعة وان فلانا هو الرئيس.
اما المرحلة الثانية من تعديل البند، وهو ما زال معمول به، بإعفائه من منصبه بقرار من مجلس التعليم العالي.
قبل هذا التعديل، كانت ولاية رئيس الجامعة تنتهي بانقضاء المدة التي يحددها القانون (اربع سنوات) او بتقديم استقالته، وان التعامل مع من يثبت سوء ادارته او عدم مقدرته، يتم الطلب منه من قبل مجلس التعليم العالي تقديم الاستقالة والموافقة عليها، ليس محابة لشخص الرئيس بقدر ما هو من باب احترام الموقع الذي يتولاه.
هذا الوضع القانوني، وبشكل غير مباشر، جعل من رئيس الجامعة موظفا عند وزير التعليم العالي، رئيس مجلس التعليم العالي.
ومن الهزات التي ضربت استقلالية الجامعات واعتدت على مواقع رؤساء الجامعات الرسمية، عندما قرر المجلس انهاء خدمات سبعة من رؤساء الجامعات «دفعة واحدة»، وهو وصف رفضه احد رؤساء الجامعات انذاك باعتبار «دفعة واحدة»، الذي جاء على لسان مصدر رسمي حينها، لا يليق ان يستخدم لرؤساء الجامعات، وان كانوا يستحقون انهاء خدماتهم لسوء ادارتهم، للمحافظة على هيبة هذا الموقع، لا لشخوص الذين كانوا متولين تلك المناصب.
ورغم حالة الرفض لمثل هذا التصرف مع رؤساء الجامعات بالطريقة السابقة، اقدمت احدى الحكومات على تغيير رؤساء اربع جامعات على نظام المناقلات، بحيث انهاء خدمات رئيس جامعة معينة، وبنفس الوقت يتم تعيينه في جامعة أخرى، وهكذا، وكان التبرير الحكومي انذاك ان ذلك خدمة للجامعات بإعتبار مؤهلات البعض الاكاديمية تصلح للجامعة التي عين فيها افضل من الجامعة التي كان قائما على رئاستها، ما حدا باحد الرؤساء رفض التعيين الجديد والاعتذار وتقديم الاستقالة، لتعرف هذه الازمة، انذاك بـ«ازمة المناقلات».
اعتداء حكومي أخذ شكلا اخر على تلك المؤسسات تمثل في حرمان جامعات رسمية من الدعم الحكومي الذي تحصله الحكومة لصالح الجامعات، بحجة مقدرتها المالية وتحويل الحصة المفترضه لهم الى جامعات اخرى اوضاعها المالية صعبة.
وفرض تناقص الدعم الحكومي، رغم ان ايرادات التحصيلات باسم الجامعات لم تتناقص، وتزايد اعداد الطلبة المقبولين في الجامعات، بحكم الزيادة النسبية المتوقعة سنويا، تحديات مالية على الجامعات، نظرا الى ان كلفة الطلبة في البرامج العادية اكبر بكثير من ما يتحمله الطالب من خلال الرسوم التي يدفعها، ما اضطر بعض الجامعات الى اللجوء الى رفع الرسوم في البرامج الموازية والدراسات العليا، بعد تحذير مجلس التعليم العالي وامهاله فترة عدة اشهر لمعالجة الخلل والعجز، حتى تتمكن من دفع الرواتب وتجنبها واقع جامعات باتت تبحث شهريا عن توفير رواتب العاملين فيها شهرا بشهر.
في ظل هذا الوضع، ومنذ إقرار قانون هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، باتت هنالك اعباء مالية اضافية على الجامعات تفرضها رسوم الاعتماد الى جانب متطلبات الاعتماد على كل تخصص يطرح بعد تاريخ نفاذ قانون الهيئة، الى جانب رسوم جديدة تتمثل في كلفة امتحان الكفاءة الجامعية الذي اعيد تنفيذه بعد الغائه لفترة معينة.
ورغم الوضع المالي الصعب لغالبية الجامعات، إذ لم تكن جميعها تعاني من اوضاع مالية صعبة، انتهج مجلس التعليم العالي الحالي سياسة تقييمية للجامعات، وهذا التقييم سيكون ضحيته في حال كان سلبيا هو رئيس الجامعة، بغض النظر عن ماهية قرارات واستراتيجيات والانظمة التي تصدر من مجلس التعليم العالي وبغض النظر عن اداء مجالس الامناء، الذي ما يزال يتشكل دون اسس واضحة، وإنما وفق اسس شخصية متوافق عليها بين وزير التعليم العالي ورئيس الوزراء.
ولم تستبعد اوساط اكاديمية ورؤساء جامعات ان تكون لجان التقييم هي احد وسائل الاستهداف لرؤساء جامعات، حيث كان الاجدر بالمجلس تشكيل لجان مشتركة للوقوف على التحديات والمعيقات لتلك المؤسسات والعمل بعقل جماعي لحلها واعادة النهوض بهذا القطاع.
فهل من المعقول ان جامعة رسمية بحجم، جامعة العلوم والتكنولوجيا، ما تزال بدون رئيس اصيل منذ اسبوعين، ولا يعرف رئيسها المنتهي ولايته مصيره هل سيجدد له من عدمه، بينما جامعة رسمية أخرى، تم التنسيب بتعيين رئيسا لها خلال يوم واحد.
هذا التشخيص لا يعفي رؤساء الجامعات من تحمل المسؤولية، ولا يقود الى انهم تصنيفهم بأنهم «منزهين» عن الاخطاء وغيرها من الممارسات غير القانونية، لكن هي دعوة الى تشخيص الواقع ومعالجته ومحاسبة المقصر والفاسد ومجازاة ودعم الناجح والمجتهد.