آمال الجبور

يتساءل خبراء ومختصون عن غياب لغة الفكر والحوار والفلسفة عن المناهج الدراسية في وقت تقدر به الدول المتقدمة العلوم الفلسفية وتضمنها سياساتها التعليمية في المراحل الدراسية كافة، لأن النقد والعقل والثقافة أدوات للتغيير وسمة للمجتمعات المتقدمة. ويؤكد مختصون أن تضمين المناهج المدرسية مبادئ الفلسفة يساعد على فهم واستيعاب مفاهيم المرحلة المقبلة في مواجهة التطرف والعنف والارهاب، وترسيخ مهارات الحوار والتفكير العقلاني لبناء جيل يؤمن بالحوار وتقبل الاختلاف ويتمتع بقدرة على النقد البناء بعيدا عن ثقافة التسليم.
وينادي مفكرون بضرورة انتاج خطاب فكري قادر على فهم مفردات المرحلة المقبلة لبناء مجتمع علمي معاصر، وتطوير سياسات تعليمية جادة تساهم في اخراج جيل واع لما يدور حوله من تناقضات في المفاهيم الموروثة والجديدة التي تحملها العديد من التيارات الفكرية في العالم . ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤته الدكتور حسين محادين ، حاجة الشباب إلى تحصين أنفسهم من الفكر المتطرف، وبالذات في هذه المرحلة التي ترتبط بالتكنولوجيا و»ثقافة الصورة «، حيث تقوم الجماعات الإرهابية باستغلالها لإغواء الشباب على تقليدها ؛ وهم مهيأون أصلا لممارسة الاكتشاف والتقليد للقوة والعنف ؛ تماما ما يوازي اغواء «أفلام الاكشن» الغربية العنيفة، لكنها الآن تحت عنوان «الجهاد الالكتروني»، فيتلقفها بعض الشباب غير المحصن وعيا وانتماء جراء الفراغ السلبي، ويرتبط ذلك مع ضعف وتراجع أدوار مؤسسات التنشئة الإجتماعية «الاسرة ؛ والمدرسة التي تصوغ المعارف المنظمة والمُحصِنة لهم كما يفترض ثم ؛ المسجد ؛ والكنيسة ووسائل الاعلام .
ويجد محادين أن تضمين مناهج التربية والتعليم لمواقف تعلمية وتعليمية مهارات تنويرية وتدريبية ضد الغلو والعنف، تُمثل فعلا تربويا وقائيا يجب الأخذ به عبر انضاج وتحديث البيئة التعليمية، والاستثمار الايجابي لطاقات وأفكار الشباب بما يخدم أهداف الوطن في تحقيق الاندماج الوطني واحترام التعددية وأساليب الحوار السامي، والاصغاء للشباب في المدارس والمعاهد والجامعات لإكساب الفتيات والشباب مهارات الانحياز لقيم الحوار والتسامح وصولا لتعميق ثقافة الحياة الانسانية الراقية.
ويشير إلى أن وعي الشباب الأردني بأهمية المرحلة المقبلة دفعهم للمطالبة بأن تكون العلوم الفلسفية مدرجة في المناهج لما لها من أهمية في فهم واستيعاب مفاهيم المرحلة المقبلة ومواجهة التطرف والارهاب.
ويقول أستاذ الفلسفة في الجامعة الاردنية ورئيس الجمعية الفلسفية الدكتورمحمد الشياب،»إن تغييب الفلسفة من المناهج التدريسية في المدارس منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وتوقيف منح درجة البكالوريوس من الجامعات الأردنية ، كان مقصودا ومبنيا على مواقف أيدولوجية، لأن الفلسفة هي اعمال للعقل ونقد للواقع وللفكر وتساؤل مستمر،لا ينتهي في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية.
ويتابع...أن منع السؤال ومنع الحوار ومنع التنوير، أدت إلى سيطرة ايدلوجيا معينة على الساحة الأردنية وبدأ يتراجع الفكر النقدي التنويري، ما نتج عن ذلك سيطرة رؤية أحادية على المناهج المدرسية وسادت عملية التلقين وغاب التفكير، وأدى ذلك إلى هيمنة الثقافة السطحية الرثة على سلوك الشباب . ويؤكد أن الفلسفة تلعب دورا تنويريا ونقديا وتفتح أمام الشباب أفاقا وتفرض عليهم الشك والتساؤل حول كل ما يجري في الوطن والمجتمع، ومن أهم السبل لمجابهة القيم الاستبدادية والتسلطية سواء كانت سياسية أو دينية. ويعتبر الشياب أن تضمين المناهج بالعلوم الفلسفية، يمكن الأجيال المختلفة من مبادئ التفكير العقلاني لمواجهة مفاهيم مختلطة عليهم، تساعدهم في محاربة التطرف والارهاب.
ويرى وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية الدكتور هايل داوود،أن لا تعارض بين الفلسفة والدين، مفسرا أن الفلاسفة المسلمين كان لهم دورهم في رفد الفكر الانساني بالمعرفة والعلم، مشيرا وباعتباره عضوا في مجلس التربية والتعليم،إلى أن هناك نقلة نوعية في تطوير المناهج التربوية؛» فمناهجنا ليس فيها تطرف ولكن ليس فيها الجرعة الكافية لمحاربة التطرف ويجب أن ترفد المناهج بالمفردات التي تساعد على تقبل التعددية».
وتقول مديرة مديرية المناهج في وزارة التربية والتعليم وفاء العبداللات إن الوزارة تتعامل مع المناهج في ظل التغيرات التي تطرأ على المنطقة بشكل عام والمجتمع الأردني بشكل خاص، من مبدأ الحرص على تعديلها وفقا لتطورات المجتمع وحاجاته، مبينة أن هناك موادا رئيسية يتم التركيز عليها لمساعدة الطالب في الالمام بالمعارف والعلوم كالرياضيات والكيمياء واللغة العربية والتربية الاسلامية.
أما مادة الفلسفة فلا توجد مستقلة في المناهج، بحسب العبداللات، بل توظف في المواد الأساسية كمدخل لها.
ومع تأكيدها على أهمية العلوم الفلسفية إلا أنها تعتبر أن هناك اولويات مع اشارتها إلى وجود وحدة في مادة (الثقافة العامة) في منهاج الصف الثاني ثانوي تحت عنوان « المعرفة « تشمل مفاهيم ومواضيع فلسفية. وتشير الى أن المناهج تتضمن جانبا وقائيا يركز على المفاهيم العصرية من خلال احترام الآخر ونبذ التطرف والتعصب وقبول التعددية ، لافته إلى أن مديرية المناهج تقوم حاليا بتوظيفها من خلال مواد عدة كالتربية الاسلامية والعلوم واللغة العربية، ومنها يتم ترسيخ هذه القيم كجانب وقائي. وتؤكد أن مادة التربية الاسلامية تدعو إلى احترام الاديان والثقافات وتعطي دروسا عن خطورة التكفير، مبينة أن المديرية طورت الخطة الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية من خلال مقارنتها مع الدول المتقدمة في التعليم وتم اقرارها هذا العام ولم تظهر هذه المقارنات أن هناك دولا تدرس مادة الفلسفة كمنهاج مستقل .
ويدعو المفكر والتربوي الدكتور حسني عايش إلى إعادة تدريس العلوم الفلسفية حيث كانت تدرس في المدارس خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
ويشير الى أنه قدم دراسة عن أهمية تعليم الفلسفة والمنطق في المدارس والجامعات، تبين من خلالها أن الفلسفة توسع المدارك وتفتح العقل على جميع الافاق ، ولا تجعل المرء فريسة سهلة للمؤثرات الخارجية السياسية وغير السياسية التي يمكن أن تعصف به ومجتمعه .
ويقول إن تعليم الفلسفة وممارستها، تجعل المرء مطلعا على مختلف الفلسفات؛ كالفلسفة الاسلامية والماركسية والاشتراكية والوجودية .... ، ويستطيع أن يتبين طريقه فيها أو نحوها ، مبينا أن الفلسفة يدخل في تعليمها المنطق وهو الوصول إلى الحقيقة، «فاذا لم يكن المرء متسلحا بالمنطق فيمكن خداعه بسهولة من الاخرين ومن الاعلام أو الدعاية او الاعلان ، فيصبح نتيجة لذلك فريسة سهله لها» . كما تدخل نظريات المعرفة تحت موضوع الفلسفة ، فمنها ما تعرف بواسطة الحواس او العقل او الحدس او الوحي او الالهام ، وهل المعرفة واقعية او واقعية نقدية او مثالية ... وهكذا . ويرى أن الفلسفة عندما تغيب من المدرسة والجامعة يتكون جيل سهل الاستهواء وقبول الايحاء، وانقياد كثير من أفراده للحركات المتطرفة والارهابية وقيامهم بأعمال وحشية معتقدين أنهم على حق ، وهم على غير الحق لأنهم لو تفلسفوا وفكروا وتأملوا وتمنطقوا لما انجروا الى ذلك . وكان المجلس الأعلى للشباب قد أوصى في مؤتمر وطني عقد أخيرا بتضمين المناهج التربوية بمادة العلوم الفلسفية،لأنها تساعد على فهم واستيعاب مفاهيم المرحلة المقبلة في مواجهة التطرف والعنف والارهاب، وترسيخ مهارات الحوار والتفكير العقلاني لبناء جيل يؤمن بالحوار وتقبل الاخر بعيدا عن ثقافة التسليم.(بترا)
الخميس 2015-04-23