د.فيصل غرايبه - مجتمعنا الأردني والعربي ليس خاليا من التحديات،سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية، وليست الأسرة في هذا المجتمع وهي نواته ووحدته الأساسية، بمنأى عن تلك التحديات، وربما تزيد من التحديات المجتمعية توسيعا وتعميقا وتعقيدا، مما يصعب الكشف عن اتجاه التأثير والامتداد بين الطرفين، فهي تتداخل مع بعضها بشكل حلزوني.

تحدي الدور الاجتماعي
يحدث اختلاف أعضاء الأسرة حول الأدوار والمراكز الاجتماعية داخلها، وما يتبعه من اختلاف توقعات الدور من خلال كل طرف،فعندما تتضمن العلاقات الأسرية القيام بأدوار معينة، يصبح الشعور بالإحباط والصراع حول القيام بالأدوار عوامل أساسية بتصدع الأسرة، وقد يدور الصراع حول الحقوق والواجبات، أو في الأدوار الخاصة بتربية الأطفال، والأدوار الزوجية وأدوار الأقارب، وكذلك تعارض الأدوار الأسرية وما تفرضه مطالب الحياة الخارجية، ما يتعلق بالعمل أو النشاط الاجتماعي، كما أن مهارة الشخص وقدرته على أداء أدوار متعددة مختلفة خلال مواقف حياته اليومية من العمليات التي تواجهها صعوبات كثيرة قد تعوقه عن القيام بدور معين منها.
تحدي العلاقات الأسرية
تشكل الصلات العاطفية التي تربط بين أعضاء الأسرة، أهم الدعائم التي تقوم عليها الحياة الأسرية، بما يوفرالطمأنينة والمودة والرحمة بين الآباء والأبناء، ولكن قد يشوب العلاقات الأسرية نوع من التوتر تبعا لطبيعة تكوين شخصية الزوجين، ونظرة كل منهما إلى عملية تنميط الأدوار، مما يكون له أثر في حدوث النزاعات الزواجية. وقد تؤثر ظروف عمل الأب على حالته الجسمية والنفسية، التي تنعكس بدورها على علاقته بأبنائه، وقد تنشأ النزاعات عند العجز عن الوفاء بالاحتياجات الأسرية،أو في حالة تزايد مطالب الأبناء،خاصة عند تضخم حجم الأسرة،أوعند اضطراب العلاقات مع الأقارب والجيران، أو تأخر الأبناء دراسيا، سببا في تدهور العلاقات الأسرية

تحدي التوافق
تظهر التوترات الجنسية عند اختلاف المعايير الثقافية بين الزوجين مما يوتر العلاقة العاطفية بينهما،حتى ولو كانا على وفاق عاطفي، لكن غير متفقين من الوجهة الجنسية، وأنه قد يؤدي إلى ازدياد درجة الخلافات، ووصولها إلى نقطة يصعب التوفيق بينهما، وبما يلقي بظلاله على الأجواء الأسرية.
تحدي النمط الثقافي
رغم أن الزوجان ينتميان إلى مجتمع واحد الا أنهما كثيرا ما يختلفان بعاداتهما وأخلاقهما واتجاهاتهما وقيمهما وخبراتهما، مما يؤدي إلى الخوف والنزاع بينهما، كأن يكونا من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، أو في فرق كبير في السن، وتزداد فرص نشوب التحدي عند انتقال الأسرة إلى بيئة جديدة، واختلاف درجة أخذهما بأساليب الحضارة في البيئة الجديدة، ويتضح هذا باختلاف مكان النشأة بين الآباء وبين الأولاد، وبين الأزواج وزوجاتهم، أو الاختلاف بدرجة التعليم والثقافة العامة

تحدي التربية والتوجيه
إن اضطرار الأم للخروج خارج المنزل وكذلك الأب للعمل في أكثر من وظيفة، قد يحول دون تمكن الأسرة من القيام بدورها التربوي التوجيهي كاملا، إن ضغوط العمل وغلاء المعيشة وتعقد الحياة الحديثة، وتزايد الطموحات والتطلع لما فوق القدرات، لا تمكن رب الأسرة من حماية أطفاله، والقيام بواجبه حيال الآخر. كما إن لامبالاة الأب بتوجيه أبنائه قد يقود الى انحرافهم، ويساهم في ضياعهم، والكثير من هؤلاء يسقطون ضحايا لإدمان المخدرات أو الممارسات الجنسية الخاطئة.
تحدي المشكلات الأسرية
ان إخلال أحد الوالدين في حل مشكلات الأبناء، وصياغة أفكارهم واتجاهاتهم يترتب عليه ظهور نقاط ضعف في الأبناء، لا سيما مع انتقال الابن من مرحلة الطفولة المبكرة إلى مرحلة التمييز وما بعدها، حيث تتسع مساحة دور الأب وتتعاظم مسؤوليته في زرع الثقة لدى الابن، والعمل على تهذيبه وتأديبه وضبط سلوكه، وعلى تعليمه كيفية مواجهة المشكلات، وما هي سبل الوقاية من هذه المشكلات، والمهم أن تكون آراء الوالدين واحدة، وغير مشتتة في حل المشكلات.

التحدي الاقتصادي
ولهذا التحدي وجهان، فهو لدى الأسر الغنية و الميسورة يأخذ شكل الإسراف والمبالغة في الإنفاق،وتمتع الأبناء بسيولة نقدية ومقتنيات متعددة ومتنوعة وفرص للاستمتاع والسياقة المتهورة عادة ولتمادي في الممارسات الجنسية غير الشرعية و التدخين في سن مبكرة وتعاطي المسكرات والمخدرات، هذا بالنسبة للأبناء، ويزيد الآباء البحث عن المتع بالأسفار المتكررة خارج البلاد والزواج المتعدد و استسهال الطلاق والإسراف بالإنفاق على الكماليات.أما نقص الإمكانات المادية والبطالة، لا سيما في ظل موجة الغلاء والارتفاع الحاد لتكاليف المعيشة ، فيظهور ألوانا من السلوك غير السوي كالمشاجرة بين الزوجين والسخط والتذمر لدى الأبناء، كما ينزع من الأسرة أهم وظائفها في تحقيق الأمن والإشباع النفسي والاجتماعي، ويؤثر على مستوى الطموح.

تحدي الطلاق
يحدث الطلاق نتيجة لتعاظم الخلاف بين الزوجين إلى درجة لا يمكن تداركها، ويؤدي إلى صراع بين كل من أسرتي الزوج والزوجة وخلافات مادية ومعنوية، وقد يكون الطلاق أحد صمامات الأمان للتوترات الحتمية التي تقع في الحياة الزوجية، كما أن معيشة الأطفال مع الأم والأب في حالة انفصالهم تكون أفضل من المعيشة في جو مشحون بالخلافات والصراعات الدائمة، مما يكون له أكبر الأثر على سلامتهم النفسية وتكوين شخصياتهم.
أخيراً، إن الثقافة العربية الإسلامية التي تسود في المجتمع، تبث فيه قيم الألفة والتواد والتراحم، ليس داخل الأسرة الواحدة فحسب، ولكن في جنبات المجتمع جميعها،وهي تساعد على التماسك والتآزر لمواجهة التحديات وتذليلها، كما أن معطيات العلم الحديث تزود الآباء والأمهات بالتوجيهات والخيارات في التعامل مع الأبناء بالحوار والتشاور والتفاهم، وكل ما يحتاجه الأمر قوة في الإرادة ووضوح في الرؤيا، لبناء الأسرة وإعداد الجيل ليصنع المستقبل على أسس تستفيد من التجربة وتسبر التحديات،فتتعامل مع عوامل تناميها كما تتعامل مع تداعياتها وانعكاساتها.