كتب - راكان السعايدة

باشتعال جبهة اليمن- السعودية، يكون طوق النار أحاط بالأردن من جهاته الأربع، أفق إطفائها مسدود، بل ان فرص ومحفزات تصاعدها، ذاتيا وموضوعيا، نشطة وفعّالة، تستوجب الحذر واليقظة.
شرق وشمال المملكة، أي سوريا والعراق، كل القوى الفاعلة معادية بما فيها النظام السوري ذاته، وبدرجة أقل، العراقي.
لكن المخاطر الحقيقية متأتية، وإن بدرجات مختلفة، من تلك الموصوفة بالدولة الإسلامية (داعش)، وكذلك «جبهة النصرة» القاعدية، والوجود الإيراني المتمثل بفيلق القدس (تابع للحرس الثوري) وحزب الله اللبناني.
والصراع في العراق وسوريا، طرفه المركزي إيران، الداعم الأساسي لنظامي الحكم في البلدين، والقوة النشطة التي تجابه «داعش» والقاعدة»، وأي من الطرفين كسب المعركة، فهو ليس حليفا للأردن، بأي حال.
جنوبا، تخوض السعودية معركة مع الحوثيين المدعومين من إيران، وأفق هذه المعركة «غامض»، لأن مآلات النهايات والنتائج المتوخاة، سعوديا وخليجيا، غير محسومة.
فالحوثي مكون اجتماعي يمني، كسب خبرة الحرب، من ستة حروب مع النظام اليمني الذي كان يقوده الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» ومع السعودية في ثلاث مواجهات سابقة، لكنها ليست بقوة وعنف المواجهة الراهنة.
التحالف الذي تقوده السعودية يريد إضعاف الحوثيين، ولاحقا إخضاعهم، وجلبهم إلى طاولة الحوار والتفاوض، لتسوية الأزمة اليمنية بين كل الأطراف وحسب أوزانهم السياسية والاجتماعية، وهذا لا يتوقع أن يلقى استجابة حوثية حقيقية.
والأكثر ترجيحا أن الأزمة الحوثية–السعودية ستطول، وقد تتدحرج من عمليات جوية إلى برية، لتغيير الواقع السياسي وموازين القوى، وفي ذلك مغامرة كبرى، ستكون لها أكلافها الباهظة، ليس على نطاق اليمن فقط، بل قد تطاول المحيط الجغرافي.
وباعتبار الفعل السعودي وتحالفه في اليمن يحمل رسالة تحد لإيران، فإن الأخيرة قد يكون عندها استجابات من نوع ما لهذا التحدي، الذي يعني فيما يعني أن الخليج كله، ربما سيعاني من تبعات الأزمة اليمنية لفترة طويلة، وربما تحدث تحولات وتغييرات عديدة في ثنياها.
في الغرب، صعد اليمين الإسرائيلي، وعاد رئيس حزب الليكود «بنيامين نتانياهو» للحكم، مشدود الأزر بالمتطرفين والمستوطنين، بعد هزيمة اليسار ويسار الوسط، وعلى رغم أن حديث الانتخابات قد يكون إعلاميا وشعبويا، في غير بلاد، فانه في إسرائيل أمر مختلف.
اليمين الذي يقوده «نتانياهو» يتحدث عن تلاشي فرصة حل الدولتين، ويتحدث عن «يهودية الدولة» التي تعني استهداف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، والقدس عاصمة الاحتلال.
والحديث يتعالى في جنبات المسؤولين العسكريين والأمنيين، وفي حلقات مراكز الدراسات وتحليلات الخبراء عن حرب جديدة حتمية مع قطاع غزة لاسترداد «الردع» المفقود.
بمعنى أن أفق تسوية القضية الفلسطينية سياسيا، مسدود، وربما منعدم، في المدى المنظور، ولهذا مخاطره على أمن المنطقة كبيرة ويفتح الباب أمام تصادمات محتملة عديدة.
هذا هو الواقع المحيط بالأردن من جهاته الأربع، الذي يقول سياسيون، انه ليس هينا، ومفاعيله ليست من النوع الذي يسهل مجابهته، والتصدي لمخاطره بسهولة، لكن صلابة البناء الوطني الداخلي وحدها القادرة على تخفيف الآثار السلبية المحتملة.
وبرأيهم ان تحقيق الصلابة الوطنية، تقتضي من كل المكونات السياسية، الرسمية والأهلية، أن تضع التهديد الوجودي بحسبانها، وأن تتنبه إلى أن أي ثغرات داخلية يمكن أن تكون منفذا لشر يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار.
ما يقتضي، وفقا لسياسيين، سد الثغرات، وأي ذريعة يمكن أن تكون سببا في إضعاف الجبهة الداخلية، أو تكون سببا في ضعف تقييم الواقع المحيط بالوطن، وقراءته بصورة مغايرة لحقائقه، لأن التقييم السليم، وتقدير الإمكانات، يساعد في معالجة الاختلالات الجالبة للمخاطر.
والمعنى، أن تأجيل الخلافات والاختلافات الداخلية، ضرورة وطنية، وأن الشراكة في القرار؛ قرار مجابهة الاخطار أو الانخراط فيها، ضرورة وطنية أيضا، حتى يتحمل الجميع المسؤولية، ويشارك في رأيه، ويقدم تصوره، وصولا إلى استنتاجات قائمة على عقل جمعي لا فردي.
فإنكار الواقع المحيط، والأخطار المترتبة عليه، والاشتباك معه من غير خطة ولا جبهة داخلية صلبة، ومن غير موازنة القدرات والامكانات والعلاقات، الإقليمية والدولية، يؤدي إلى أخطاء، بعضها ربما يكون من النوع القاتل.
الأردن الذي نجح وحافظ، إلى الآن، على أمنه واستقراره، وأفلت من الأخطار، يجب أن يطور مقاربته للأحداث ويقيمها بشكل مستمر، ويتدخل فيها بقدر مدروس بدقة، ليضمن ديمومة وجوده الآمن.

السبت 2015-04-04