احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وقفتُ كسنديانة وسط الإعصار .. أردُّ الريحَ أحاول عدم الإنكسار

  1. #1
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    وقفتُ كسنديانة وسط الإعصار .. أردُّ الريحَ أحاول عدم الإنكسار



    ماردة ، امتد شعاعها من الماضي السحيق ، تفتقت بشاعرية من وحي الأساطير الإغريقية ، عاشقة لموسيقى «أورفيوس» عازف القيثارة الشجية ، ذاك الذي سحر «أَبُولُو» الأسطوري ، إله الشعر، والرسم ، والموسيقى ، والتألق ، والجمال، والرجولة الخالدة.
    ماردة تسابق وحوش الغابة مسحورة بألحان الآلة الرومنسية لتتبع العازف الموهوب، فتقتلع جذورها من جلاميد الصخور الجبلية، لِتَغرِس نفسها بتواضع، حيث توقف عزف راعي الموسيقى الرنيمة «أورفيوس».
    إنها الماردة، ملكة الغابة- شجرة السنديان.



    شجرة السنديان، تفرض نفسها على الحاضر مغموسةً بعبق الماضي العريق، وشجن الذكريات، ووجع الآهات؛ فتتربع فوق جميع أشجار الغابة على عرش الرمزية في جميع متون النثر والقوافي الشعرية، منتزعةً لنفسها رمزية جليلة تُسامر الخلود لتعطي رمزاً من رموز الصمود. فهي في أشعار الأولين والمعاصرين من عرب وعجم. إنها تُمثل حنان الأم، وتُسجل مثالاً في عناد العواصف، وليس لليأس مكان في قاموسها.
    تشق من تحتها صخر الجبال، فتتنفس شموخاً وكبرياءً ممزوجاً بعواطف الحنو على الضعيف. تكسر جمود المشاهد الكئيبة لتزرع فرحاً وحياةً. ترفعُ أذرعها مسبحةً فتُعَانِق عنان السماء، وتحتضن الغيم والضباب والسحاب. تجمع من فوقها أكاليل الطيور، وتكتم في ظلها الأسرار،وتحرك الخلجات الشعرية، و تُفَرِّس التأملات الأدبية.
    كلما تبحرتَ في دفاتر الأشعار والأدب، تفتنكَ بما وُصِفت به ماردة الغابة «السنديانة». ولكنك كلما تناولتَ قلمك لتصفها هزتك هالتها ، فردعتك عن الكتابة.

    وما أن يأسرك بوحها ويسترسل وحي القلم حتى تئدَ مخاوفك، وتسترسل في سَبرِها.كيف لا تُبهر المتأملَّ؟!.
    فهي تلك التي لم يجد حبيب الزيودي أفضل منها لتكون الحضن الذي يضم شهيد الوطن، وصفي التل، حينما قال:

    «يا مغَلين أرضنا و مرخّصن دمك
    السنديان استند ع جبالنا و ضمك
    يا وصفي يا رمُحنا الموت ما همك».
    كيف لا تبهرني؟!

    وهي ذاتها التي كانت رمزاً للصمود أمام الظلم والاستبداد في رائعة محمود درويش «هدنة مع المغول أمام غابة السنديان». وهي رمز العراقة والأدب في رثاء الدكتورة هند أبو الشعر لرحيل العلامة روكس العزيزي، حين قالت فيه:»رحيل سنديانة الأردن الباسقة.. خسارة وطنية». ورمز الأم في كتابات العديد من الكتاب، ومن بينهم الدكتور كميل أفرام في «عيد ست الحبايب»، والقائمة تطول.
    أخذني السنديان في اللاوعي والهذيان، فاستنجدتُ ببعض الكتب والبحوث العلمية، ومن بينها ما تيسر بين يدي من بحوث للزميل الدكتور خالد أبو ليلى؛ حتى تعيدني العلوم البحتة إلى أرض الواقع، كي لا أقع في إسراف الرومنيسة، لكي أتمكن من فهم إن كان لهذه الأوصاف الشعرية حقيقة علمية.
    ففي وصفٍ أنها كالأم، إستذكرت مثلا، رضعناه منذ طفولتنا، يقول: «ريحِة الأم بِتلُم» أي أن الأم تجمع من حولها الفالِحَ والطالِحَ وتُغدِقُ على الجميع دون حِساب؛ فإذا بالبحوث العلمية تُثبِتُ أن السنديان دائم الخضرة (. Quercus sp) قادر على فعل ذلك، فهي تقدم نظاماً بيئياً ملائماً من حرارة ورطوبة ومعدل أشِعَةِ شمس وحالة بيئية تحت التربة لجميع النباتات المحيطة بها. فهي الأكبر حجماً بينها. كما أن جذورها، وهو الأهم، تعتبر العائل الرئيس لفطر ينمو تحت التربة، واسمه Ectomycorrhizae ، حيث يعمل هذا الفطر كجسر إمداد غذائي لشجر القيقب عبر الجذور. ويصيبك الذهول من الحِكمَةِ الإلهية في هذا الفِطرِ الذي يوفرُ الغذاء أيضا لنباتات العائلة السحلبية (الأوكيدا) بارعة الجمال، ومنها أوركيدا «أورق السيف»، وتسمى في العِلم»Cephalanthera» .
    وعائلة الأوركيدا مهددة بالانقراض عالميا،وخصوصا في الشرق الأوسط والأردن لندرة البيئات البيئة المناسبة لها؛ فهذا النبات البديع يعجز جزئيا عن عملية التمثيل الضوئي، فيضرب جذوره في التربة باحثاً عن ذاك الفطر «جسر الإمداد الغذائي» والذي مر ذكره للتو أعلاه، ليستفيد من شجرة السنديان، وكأنه طفل جنين يتغذى بحبل الوريد من السنديانة في رحم الغابة. أما التربة تحت الشجرة فخير مكان لنمو قبعات الفطر الملونة في مطلع الربيع، تتصل بجذورٍمشيميةملتحمة تحت التربة بجذور السنديانة- أم الغابة. ولولا السنديان لانقرضت السناجب المتبقية في جبال عجلون والسلط.كما أنها لا تبخل بثمارها على طائر القيق.
    وتعطي مهداً لبيوض دبور العفص الذي كاد أن ينقرض لولا السنديان.أما أوراقه المتساقطة فهي خير مادة لبناء أعشاش الدبور الأحمر والأصفر. وفيما يخص أوراقها وثمارها المتحللة على سطح التربة فهي غنية بالمواد الغذائية والعضوية فتصبح سماداً لها ولغيرها من النباتات. وساعات ضنك العيش حينما عصفت الدنيا بالبشر، كانت الثمار «البلوطات» مصدر بروتين للجياع.
    أم مقولة»نحنُ السنديان والبلوط.. ونحنُ الرصاص والبارود»– مقولة قيلتفي رمزية للثبوتِ والصمودِ في وجهِ العواصفِ، وضربِ الإنسان جذورَه في أرض الوطن. فقد أصاب قائلُها؛ فجذور السنديان قادرة على شق الصخر، حيث عندما تسقط البلوطة على الأرض القاسية، تكتفي بجيب تُرابي صغير بين الشقوق الصخرية، فتنبت منها الجذور الصغيرة والساق الدقيقوالأوراق. وفي سُرعَة بَطِيئة جداً تنمو الشُتيلة الصغيرة.يكمن سرُ هذه الجذور في إنزيمات تفرزها باستطاعتها تفتيتأقسى الصخور، وهذا ما تُثبته البحوث العلمية أيضا.
    ومن عجائب بذور السنديان أنها لا تقبل التخزين، فهي مائية القوام؛ مما يجعل تخزينها في بنوك البذور تحت التبريد في دوائر البحث أقرب إلى المستحيل، كما أن النمو في غير بيئتها صعب المنال، إنها بمثابة إنسان يعشق وطنه فلا يستطيع العيش بعيدا عنه؛ وعلى الرغم من عدم مقدرته على بناء ثروات شخصية، إلا أنه يبني نفسه ولا يختلِس ثروات محيطه، بل يبني ببطء وثبات صانعاً المستقبل لنفسه ولغيره في آن واحد.
    ولعل أحد الأمثال الشهيرة التي تستخدم رمزية السنديان، هي مقولة: «السنديانة الكبيرة تنمو من حبة بلوط صغيرة».
    وعلى لسان شاعرة :

    « وقفتُ كسنديانة وسط الإعصار .. أردُّ الريحَ أحاول عدم الإنكسار. .»

    لتعبر عن صلابة عودها وسط المشاكل والمصاعب. وفي ذلك حقيقة علمية أخرى مرتبطة بصلابة خشب السنديان، فالنمو البطيء للشجرة وتركيبة المسامات الخشبية في الساق تجعله من أقسى أنواع الأخشاب وأجملها على الإطلاق. وقدأدرك البشر هذه الحقيقة، مما جعل خشب السنديان من الأخشاب الأكثر شيوعاً في صناعة الأثاث والتحف، كما كانت في السابق الخشب الرئيس المستخدم في البناء.
    ما أمسّ حاجتنا إلى مئات العازفين مثل «أورفيوس» لمبادلة العشق مع السنديان، فيستلهمون من تناغم الغابة وتكاملها وصمود السنديان أفكاراً تجعل عِشق الوطن في عِشق شجرهِ وحَجَرِه وميَاهِهِ وتُرابِه وطبيعتِهِ. ذلكجزءٌ لا يتجزاء من التربية الوطنية، والتأكيد على أهمية التنمية المستدامة للغابة والمحافظة عليها. وكفى إنتظارا بأن تقوم مؤسسات الدولة بصُنع المعجزات، فليس لدى الأجهزة الحكومية عصى سحرية لتغير كلَّ شيء، بل هي مسؤوليتنا جميعا.

    الراي


  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    العمر
    35
    المشاركات
    478
    معدل تقييم المستوى
    4294981

    رد: وقفتُ كسنديانة وسط الإعصار .. أردُّ الريحَ أحاول عدم الإنكسار

    ما شــــــــــــاء الله
    وما اروع شجرة السنديان
    في بلادي في غابة الحامة بالعاصمة و تعتبر من اجمل الغابات وهذه الشجرة اروع ما فيها
    مشكور اخيي الفاضل على الموضوع المفيد
    يعطيك الصحة

  3. #3
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: وقفتُ كسنديانة وسط الإعصار .. أردُّ الريحَ أحاول عدم الإنكسار

    حفظ الله بلادكم وأكرمكم الله وبارك الله بكم

    شجرة جميلة طيبة .. جذورها بعمق التأريخ ضاربة بقوة وصلابة

    مرور طيب وكريم

    جزاكِ الله خيراً

    تحياتي وتقديري اختي .. نبراس الوفاء




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك