حفلت كلمة الأردن في مؤتمر جنيف 2 الذي التأم يوم امس في مدينة مونترو السويسرية، بكثير من الاشارات والرسائل المباشرة وفق صياغة دقيقة وقراءة عميقة للمشهد السوري المأزوم، بعيداً عن لغة الشعارات اوالتوتير، وفي الاساس وفق حرص اردني عميق وكبير على امن واستقرار ووحدة سوريا والعمل الدؤوب والصادق لانجاح الحل السياسي، بما هو السبيل الوحيد لاخراج سوريا وشعبها المنكوب من ازمتها المفتوحة على احتمالات عديدة ليس اقلها ما تعيشه الان من دمار وقتل وخراب وفتنة طائفية حيث نشهد تكثيفاً في توافد وتواجد عشرات الالاف من المقاتلين الاجانب في سوريا، يتبعون دولاً وتنظيمات وعقائد متطرفة ومصالح لا صلة لها، لا من قريب ولا من بعيد بالسياق الوطني السوري وقيمه المتسامحة ويهددون مستقبل ابنائها وبناتها، ويهددون امن دول جوار سوريا والسلم الاقليمي برمته..
من هنا جاءت كلمة الاردن التي القاها وزير الخارجية امام المؤتمرين بالغة الصراحة والوضوح عبر التأكيد على ثوابت الموقف الاردني من الازمة والتي اثبتت وقائع الاحداث الدموية في سوريا صحتها ودقتها عندما اعلن بلدنا وقيادتنا الحكيمة منذ بداية الازمة ان لا حل لما يجري هناك سوى الحل السياسي الأمر الذي يجب استغلال فرصة انعقاد مؤتمر جنيف 2 وعدم اضاعة هذه الفرصة بهدف وضع هذا الحل السياسي على مساره الصحيح، ما يتطلب العمل المباشر والفوري لوقف القتال والوصول الى اتفاق سوري، خالص وشامل، يحقق التسوية السياسية من خلال التنفيذ الكامل لمقررات مؤتمر جنيف1 الذي عقد في اواخر حزيران من العام 2012.
ولئن ذكّر الاردن بضرورة ان يحقق الانتقال الى واقع سياسي جديد وفوري من خلال التوافق بين الاطراف جميعها في سوريا على انشاء هيئة الحكم الانتقالية والتوافق على شخوصها واعضائها بما ان تلك هي المقررات الاساسية لمؤتمر جنيف1 والقاعدة الاساسية التي بنيت عليها الدعوة الى هذا المؤتمر، فإنما لإعادة التأكيد على المعاني والاهداف التي انطوت عليها مقررات جنيف1 وهي ضرورة ان تكون الهيئة العتيدة جامعة وممثلة لكل الاطياف في سوريا وتتمتع بصلاحيات كاملة تمكنها من تولي زمام المسؤولية الكاملة وبما يسمح لها العمل في شكل فوري لاستعادة الوئام المجتمعي في سوريا وتحقيق بسط سلطتها على كل الاراضي السورية على النحو الذي يضمن ويمتّن وحدة سوريا الترابي واستقلالها السياسي وفي الاساس تمكينها من انهاء فوضى السلاح والميليشيات الاجنبية والتدخل الخارجي وبسط السيطرة على حدودها وضبطها..
وضوح الطرح الأردني ودقة تشخيصه واضاءته على مختلف زوايا الازمة وعناصرها عكسته الاشارات اللافتة إن لجهة ما يجب ان تؤسس له الهيئة التنفيذية التي جاءت في اطار مقررات جنيف1 وما سيخرج عن مؤتمر جنيف2 من تصور لنظام سياسي تعددي وديمقراطي يعبر عن ارادة الشعب السوري ويكون نتاجاً لهذه الارادة السورية الخالصة أم لجهة اهمية وحيوية ان يفضي ذلك الى تعزيز البيئة التي تشجع على عودة المهجرين داخلياً في سوريا واللاجئين في دول الجوار وفي المقدمة منها الأردن الذي يستضيف مليوناً وثلاثماية الف مواطن سوري لجأ الى الأردن منهم ومنذ ثلاث سنوات هي عمر الازمة ستماية الف، بكل ما تعنيه هذه الاعداد الضخمة من اعباء وضغوط هائلة على مواردنا المحدودة واستنزاف لمرافقنا الخدمية المختلفة والكلفة المتصاعدة لاستضافتهم التي ستقترب من ثلاثة مليارات دولار هذا العام بعد ان وصلت في العام المنصرم الى نحو ملياري دولار..
جملة القول ان الاردن أمام المؤتمرين في مدينة مونترو كان حاسماً وصادقاً في دعوته الاطراف السورية كافة الى النهوض بمسؤولياتها التاريخية امام الشعب السوري والعالم اجمع لانقاذ سوريا وشعبها عبر العمل الدؤوب والمخلص والصادق والجاد.
رد مع اقتباس
المفضلات