لا اعرف من اين أبدا وكيف أبدا فالقصة قصة أم تجاوزت السبعين عاماً حملت على امتداد سنوات عمرها الشقي أحلاما وأمالا وأنجبت وربت وزوجت فوجدت عقوقا ليس بعده عقوق وصداً ليس مثله صد.
الحكاية بكل تفاصيلها مؤلمة فهذه السبعينية التي افنت عمرها وهي تنظر الى أبنائها يكبرون وبعد وفاة زوجها أصبحت تتعرض لألم لا يقاس ليس من وجع برغم ما في جسدها المنهك من أمراض إنما من بناتها اللاتي اعتقدن ان الأمومة
انتهت حين كبرن وتزوجن.
سمعتها تتجه بالدعاء على بناتها ورأيت ان دعوتها كانت تخرج من قلب مكلوم لا يتسع لعذابه احد جفلت وخفت وتأثرت واقسم بالله لو كانت الدعوة على نفسي لربما انهرت من وقعها وشدتها وصدقها.
اخذني الفضول نحو هذه الأم السبعينية الممتزجة بالتنهيدات والخوف وسألتها يا حجة ما الذي دفعك للدعاء بهذا الشكل
على بناتك وهن فلذات كبدك ورهن يمينك

قالت : وكل حسرات الزمان تخرج من عينيها تعبت وربيت حتى أجد من يحترم شيبتي ويأويني في كبري ويزيح عني
هم العجز والسنين
كبرت بناتي وزوجتهن

الأولى من رجل ثري فاعتقدت انها بثراء زوجها يمكن ان تهين امها

والثانية من طبيب معروف فكانت كالخنجر المسموم في خاصرتي ....

اما الثالثة فتنهدت الحاجة وسكتت وكل ما يعنيهن البرستيج امام الناس وتمثيل الحب والعطف باتقان ومهارة لا تضاهى وخلق الاكاذيب وبث الفتن بين الاخوة.

ثم تابعت كلماتها المغرورقة بالعذاب ...

الاولى يا بني تهيننيي وتسبني بأبشع الكلمات واذا ما اعطتني من مال زوجها الذي هو مال الله ارهقتني بالاستمنان
حتى انها وصفتني بأبشع الاوصاف وسبتني فاعتقدت انها اذا ما امتلكت المال يمكن لها ان تهدر كرامة الناس حتى امها.

وعرجت حجتنا للحديث عن الثانية فقالت هذه شر مؤطر تضربني وتسبني ولو كان بامكانها ان تأخذ مني روحي لما تأخرت وتطالبني ان احضر اليها عند كل مناسبة حتى لو كان المرض يأخذ مأخذه مني حتى وصل بها الامر لان تطلب مني ان اطبخ لها وابعث طبختها لمسافة 30 كيلو مترا دون رحمة او شفقة او حتى دون انسانية من بنت تجاه امها .

ولما ارادت الحديث عن الثالثة سكتت .

وعادت لتتكلم :
احتاج لعلاج يومي وكلي أمل بالله وحين يزداد مرضي يقمن بالاستعراض بانهم الخائفات على صحتي ويدعين الحب والاحترام لي امام الناس ولكن ما في القلب شيء وما على اللسان شيء اخر احداهن قالت لي موتي اريح لك والاخرى قالت عن البيت الذي يأويني وصفا لا يمكن ان اقبله او يقبله ضمير او عقل او دين بالرغم من ان اجازتها تقضيها عندي وتنام بالايام وانا لها مثل الخادمة التي ما عليها الا ان تطيع الامر والا فان الاهانة جاهزة.
اخذت الحديث عنها سالتها عن اولادها زادت الحسرة واغرورقت عيناها بالدمع شعرت باني أحرجها وكانت تحاول ان تهرب من الاجابة ولكنها تجرأت في القول فقالت الكبير لا يكلم الصغير والبنات عثن فسادا بين الاخوة فلا احد يأتي اذا كان الاخر موجودا ولكنهم بكل المقاييس افضل وارحم واكثر عطفا وحنانا من بناتي فان احتجتهم لا يتأخرون وان
قصدتهم لا يتمنعون ... وان استجرت بهم فأنهم مجيرون ..

وتكلمت الحجة بابتسامة ملؤها الاسى
« مصيبتهن ادعاء البر وحفظ آيات من القرآن الكريم والاحاديث النبوية ويقلن هذا امام الناس
ولكن خلف الاكمة ما وراءها ».

فقلت ولما لا تسكنين عندهم (الاولاد) فقالت اخشى من البنات ان يزدن فسادا بين الاخوة فأبقى لاحافظ على اخر ما تبقى من روابط اسرية وكما يقول المثل يا بني» الام بتلم » واقسمت انها تخشى الذهاب لبيت ابنها خوفا من شتمها من بناتها.

اتوقف هنا ولا اريد ان اخوض في تفاصيل اكثر فالحديث مفعم بالشقاء وبالنكران وبعقوق الام وما هي الا حكاية بسيطة
من امرأة كانت العيون تتجه اليها ذات يوم ولا احد ينكر عطفها وحنانها
وإذا كان ما سمعناه منها مجرد سطر اول في حكاية عذابها فعلينا ان نذكر انهن وكلما ذكرت أمهم امام الناس تلوا الآية القرآنية

(وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا)

واذا مرضت خرجن امام الناس بالحديث النبوي الذي يذكر الام ثلاثا ويبتدعن من عندهن احاديث واذا شد الكمد على
الام رأينا دموع التماسيح وقد انهالت وما هي الا لحظات حتى يبدأ النهش والافتراس.
لن اخوض في آيات منزلات تتكلم عن البر بالوالدين منهن امام الناس اناء الليل واطراف النهار ولا بأحاديث نبوية ففي مثل حالتنا يعرفونها ويحرفون عنها يأخذون الكلام ويتركون التطبيق فتراهن يسرن على برنامج (ولا تقربوا الصلاة).
حين امر الله تعالى بالبر بالوالدين وقضى بذلك فلأن رب العزة يعلم مكانة وتعب الابوين وحين قال رسول الله امك ثم
امك ثم امك ثم أبوك ، ولأن الأم جمل المحامل وما البنات الثلاث الا امهات ولا اعرف ان كن يقبلن ان يهينهن الابناء
او يعاملوهن كما يعاملن امهن ولكن في المحصلة هناك واحدة رأت ان المال والبرستيج والمظاهر الخادعة خير من الام فكانت كمحدثة النعمة
وهناك الثانية رات ان الوجاهة لا تتم الا اذا كانت امها خادمة لها ليس عليها الا اطاعة الاوامر اما الثالثة فما فهمته ان جرح الام عميق منها ولذا لم تبح به خشية من زيادة نزف العذاب.
يا الله ... اهكذا تعامل الام في كبرها ... اهكذا يقابل التعب والصبر والاحسان وهل هكذا يكون بر الوالدين وبر الام !
كيف لمثل هؤلاء ان يتحملن دعوة ام خرجت من جراح القلب بكل صدق وعفوية وما اخرجها الا الألم والتعب والضيم وكيف لهن ان يجدن متعة في اهانة ام اضاغت عمرها ساهرة عليهن تبكي معهن وتفرح لفرحهن وكيف لامراة تنوح في عتمة الليل وتبكي ظلم الابناء ان تغفر لهن وهي التي دعت الله عليهن دعوة تخر لها الجبال لو دعت على تلك الجبال.
ويبرز السؤال الذي لا بد ان نبحث له عن اجابة .... أين أواصر الاخوة والقرابة بين الناس وكيف طمست حتى
أصبحت الام مثل الخادمة وفقط لفش الغل دون رأفة او رحمة بها وبتعبها وهل أصبح المال المحدث أخير واكبر من دمعات ام أصابها البؤس فقط لانها نطقت بكلمة حق.
أخيراً واذكر ما قالته الحاجة لي وانا اعرف انها صادقة طهور لا يأتيها الباطل في تلك الأحاديث وما اثبت صدقها تعبها وعيونها البائسة واحلامها الممتدة بان تبقى الام التي تلم برغم كل السب والشتم والوضاعة التي وجدتها من بناتها.
قالت اقسم بالله حين تأتي ارادة الله ليسترد امانته ستجد البكاء والعويل منهن والصراخ والتمثيل سيتجلى ببراعة منقطعة النظير
وسوف اصبح نعم الام وسيقلن بأنهن البارات التائبات اللاتي احترمن امهن وحملناها على اكف الراحة وبعد ايام سيكون الدمع قد نضب وسأكون تحت التراب بين يدي رب كريم فاني اشهدك فاشهد اني غير مسامح لأي بنت من بناتي ولن
اسامح من تطاولت علي بيديها ومن سبتني ومن لعنت شيبتي واهانتني في كبري وبعد تعب عمري وشقائي.

يا رب رحماك يا رب رضاك رب اغفر لي ولوالدي ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا.

ايتها الام « ليس بوسعي ان اقدم لك شيئا ولكني اقول لك وانت اطهر من الطهر «واذا خاطبك الجاهلون فقولي سلاما» رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين.
علي الشريف

نقلاً عن الرأي