عمان - بترا - تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني، امس، خلال رعايته حفلا أقيم في قصر الثقافة في عمان، ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التنفيذية، مؤكدا «أن مسؤولية تنفيذ هذا الجهد الوطني وترجمته على أرض الواقع هي مسؤولية مشتركة بين جميع السلطات، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمواطنين لترسيخه نهجا ثابتا وأسلوبا وممارسة في حياتنا العامة».
ووجه جلالته السلطات الثلاث «لتبني هذا الميثاق، وتنفيذ خطته ضمن الإطار الزمني المحدد».
وقال جلالته، في كلمة له خلال الحفل بحضور كبار المسؤولين وممثلي الفعاليات الرسمية والمنظمات غير الحكومية،
«إن اللقاء اليوم يكرس جهدا وطنيا جماعيا، لمعالجة تحد وهم شغلا بال الأردنيين، خلال الفترة الماضية، هذا الـجهد الوطني الجماعي، الذي تمثل بإنجاز ميثاق وطني، وخطة تنفيذية لمأسسة وتعزيز وإدامة منظومة النزاهة الوطنية،
ومكافحة الفساد».
وشدد جلالته على أن «شعبنا اليوم يقدم نموذجا فريدا وملهـما، لجهد تم بمشاركة جميع مكونات مجتمعنا، من خلال الحوار البناء والهادف، واحترام الرأي الآخر، وهذه كلها مقومات نجاح عملية التحول الديموقراطي، الذي هدفه الأساس تمكين المواطن من المشاركة الفعلية في صناعة القرار، ورفعة وازدهار هذا الوطن الغالي».
وقال جلالته «إن هذا الإنجاز يجسد قدرة الأردنيين، على مواجهة التحديات، ومعالجتها بروح وطنية عالية وشعور بالمسؤولية، وبالاعتماد على الحقائق والموضوعية. وهذا الأسلوب هو سبب نجاح الأردن والأردنيين، في مواجهة التحديات، وفي التميز والريادة. وهذا مصدر فخري واعتزازي بأهلي الأردنييـن».
وأضاف جلالة الملك أنه تابع بكل الحرص والاهتمام على مدار السنة الماضية عمل اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة، التي كلفت بوضع ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التنفيذية وحواراتها التي شملت جميع المحافظات، ومع مختلف مكونات المجتمع، «والتي أسفرت عن توصيات تمت مناقشتها والتوافق عليها وتبنيها، خلال المؤتمر الوطني الذي عقد الأسبوع الماضي. وهذا إنجاز وطني كبير ومتميز، فكل الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجاز هذا الميثاق، والخطة التنفيذية التي ستساهم بتحويله إلى واقع ملموس».
وقال جلالته «إن تكريس مفاهيم النزاهة، كمنظومة للعمل الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني، هو من المرتكزات الرئيسة لعملية التحول الديموقراطي، وهو مؤشر على جدية وواقعية عملية الإصلاح لتطوير العمل المؤسسي والحفاظ على المال العام، وإرساء مبادئ الحوكمة الرشيدة، خصوصا مكافحة الفساد بكل أشكاله ومحاربته حتى قبل وقوعه».
وأوضح جلالة الملك أن «تطوير منظومة النزاهة الوطنية ركن أساسي لتحقيق الثورة البيضاء، التي دعونا إليها، وللبناء على ما تراكم من إنجازات، والاستمرار في تعزيز ثقة المواطن بدولته ومؤسساتها، وتطمينه على مستقبل أبنائه وبناته».
واختتم جلالته كلمته بالتأكيد على أنه ولضمان تحقيق نتائج حقيقية وملموسة، «سيتم تشكيل لجنة لتقييم العمل ومتابعة الإنجاز خلال المرحلة المقبلة، على أن يتم إطلاع المواطنين على جميع مراحل سير العمل والإنجاز».
وقال رئيس اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، في كلمة له خلال الحفل «إن ميثاق النزاهة الوطنية نبراس نجتمع إليه في بناء دولة قوية معاصرة، مبنية على تراث الأمة وتتنور قيم الإسلام ومعطيات الحضارات الإنسانية عبر العصور، وتحقق حضورا مشهودا لقيم الحرية والعدالة والمساواة، وتقيم انموذجا للسلم المجتمعي، الذي أصبح اليوم غاية منشودة في مشرقنا العربي الإسلامي وفي جميع أنحاء المعمورة على حد سواء».
وأكد النسور أنه منذ تشكيل اللجنة الملكية؛ لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية بإرادة مليكة سامية، «تلك الرسالة التي خطت لنا في اللجنة منهاجا اهتدينا به في عملنا، أدركت وزملائي بأن المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا هي مسؤولية جسيمة، وأن طموحات سيد البلاد وشعبنا الوفي وتطلعاته إلى مخرجات عمل هذه اللجنة ونتائج أعمالها، تستحق منا كل التضحية والتقدير، والعمل المتواصل؛ لنكون عند حسن ظن قائدنا المفدى وشعبنا العزيز وتطلعاته نحو استكمال مسيرة بناء وطن يفخر به الآباء ويعتز به الأبناء والأجيال المقبلة».
وقال إن اللجنة استمعت إلى مختلف الآراء والطروحات ورصدتها ووثقتها، وبعد أن انتهت اللجنة، وحسب توجيهات جلالة الملك، من استكمال عقد 24 اجتماعا التقت خلالها عددا من رؤساء الهيئات والجهات الرقابية؛ لتشخيص المشكلات والتحديات التي تواجه كلا منها، وكذلك عقد 17 لقاء تشاوريا مع مختلف أطياف المجتمع، وذلك بهدف تجويد محتوى ومضمون الميثاق والخطة التنفيذية وتحقيق أعلى درجات التوافق عليهما.
ولفت إلى أنه تم خلال الأسبوع الماضي عقد المؤتمر الوطني العام الذي ناقش الاقتراحات والملاحظات من المشاركين والمواطنين ووسائل الإعلام، وتم تضمين ما حظي منها بموافقة الأغلبية، في الصيغة النهائية للميثاق والخطة التنفيذية.
وأضاف أن الميثاق تضمن مرتكزات للنزاهة في السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، والقطاع الخاص، والأحزاب والهيئات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، والإعلام، على شكل مبادئ أساسية ومعايير أخلاقية تعمل على تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية والحوكمة الرشيدة فيها.
وبين النسور أن الخطة التنفيذية تضمنت 20 محورا أساسيا تحاكي المرتكزات الواردة في الميثاق كافة، وكل محور منها يتكون من عدة مشروعات ومبادرات ومضامين تطبيقية ترتبط بإطار زمني محدد، تم فيه تحديد مسؤولية التنفيذ لكل منها.
وقال إن المحاور شملت تعزيز دور الجهات الرقابية ووحدات الرقابة الداخلية وجهات التنظيم والرقابة القطاعية، بالإضافة إلى مراجعة البنية التشريعية والتنظيمية والإجرائية لآلية إعداد الموازنات وإحالة عطاءات اللوازم والأشغال الحكومية، وتطوير معايير تقديم الخدمات الحكومية ونشرها، ومراجعة وتوحيد الأنظمة المالية المعمول بها في الجهاز الحكومي، وتطوير الإدارة العامة وتعزيز مبادئ وممارسات الحوكمة الرشيدة في القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
كما اشتملت المحاور على تطوير الأطر التي تنظم العلاقة التشاركية بين القطاعين العام والخاص، ومراجعة آلية إعداد التشريعات ومراجعة الحالية منها وفق سلم أولويات، إضافة إلى إرساء ثقافة الشفافية في العمل العام وتقنين منح صفة الضابطة العدلية وتدعيم عمل هيئات النزاهة والرقابة المدنية، وتعزيز اللامركزية والحكم المحلي وإصلاح وتطوير منظومة التعليم والتنمية السياسية والبرلمانية، وتعزيز ثقافة النزاهة وسيادة القانون لدى المواطن.
وقال النسور «لقد تعلمنا منكم يا مولاي المفدى بأن الحديث عن النزاهة والشفافية لم يعد أدبا وبلاغة، إنما باتت واجبا وغاية يجب تطبيقها بالممارسة العملية والقدوة التي يجب أن يتحلى بها كل مسؤول ومواطن أيا كان موقعه، فتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وخلق البيئة الاستثمارية المناسبة، وتحسين مستوى ونوعية حياة المواطن، وتعزيز ثقة المواطن بسلطات الدولة ومؤسساتها، لا يتأتى إلا من خلال العمل الجاد والملتزم والمستند إلى معايير عادلة وواضحة وشفافة».
وأكد أن ما ورد من مرتكزات للنزاهة في الميثاق، ومن محاور عمل في الخطة التنفيذية، تعد متطلبات أساسية للتحول الديموقراطي، وقواعد متينة لنهج إصلاحي، تتكامل فيه أدوار السلطات والمؤسسات، تحت مظلة الدستور الجامع الذي يستظل به الأردنيون كافة.
وشاهد جلالة الملك والحضور فيلما قصيرا استعرض مراحل إصدار ميثاق النزاهة الوطنية والخطة التنفيذية لها، منذ تشكيل اللجنة الملكية؛ لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية بإرادة ملكية سامية، والتي اشتملت على اجتماعات ولقاءات تشاورية مع مختلف مكونات المجتمع ومؤسساته في جميع محافظات المملكة، مرورا بطرح الوثيقة واستقبال الملاحظات حولها من قبل المواطنين.
وكان جلالة الملك وجه رسالة ملكية إلى الدكتور عبدالله النسور رئيس اللجنة في الثامن من كانون الأول 2012؛ لتحديث وتطوير منظومة النزاهة الوطنية؛ لتبني على ما تراكم من إنجازات، وتمضي للأمام؛ لتعزيز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها، وترسخ الطمأنينة في نفوسهم على حاضرهم ومستقبل أبنائهم من الأجيال المقبلة.
وحدد جلالته مرتكزات عمل اللجنة، التي تتمحور حول ضمان إدارة المال العام وموارد الدولة ووضع الضوابط التي تمنع أي هدر فيها، وتعزيز إجراءات الشفافية والمساءلة في القطاع العام، وتمكين أجهزة الرقابة وتعزيز قدراتها لردع ومكافحة الفساد، وتعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة في القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، وتطوير الأطر التي تنظم العلاقة التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
وحضر حفل إطلاق ميثاق النزاهة الوطنية والخطة التنفيذية، كبار رجالات الدولة والوزراء والمسؤولون، والأعيان والنواب، وأعضاء اللجنة الملكية؛ لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، والسلك الدبلوماسي، وإعلاميون، وقيادات حزبية ونقابية وممثلو القطاع الخاص، والمجالس التنفيذية في المحافظات ورؤساء المجالس البلدية، وأكاديميون وتربويون، وعلماء الدين الإسلامي والدين المسيحي، والقطاع النسائي واتحادات الطلبة.

نقلاً عن الرأي