احباب الاردن التعليمي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

  1. #1
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    تاريخ مكة المكرمة عبر العصور

    ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125]

    فحسب مكَّة أنَّ من رَحِمِها خلق الله الأرض ومنها دُحيت[2]، وكعبتها المشرَّفة التي تقع في وسط العالم هي سُرَّة الأرْض ومركزُها، هذا يعني: أنَّ مكَّة هي أُمُّ الدُّنيا بحواضرها ومدنها وقراها وكل معمور منها، والعاصمة العالميَّة للأرض، وهي بالتَّالي أم الثقافات الإنسانية جميعًا، هي بَحرها ومحيطها، ضحى شمسها وقمر ليلها، نجوم سمائها وأبجديَّة أرضها، والثَّقافة بكلِّ ما تَعنِيه الكلمة من إرثٍ حضاري تراثي معنوي ومادي بدَأت خُطاها الأولى من مكَّة، وآية ذلك كلِّه ما تشهد به المأثورات التاريخيَّة القديمة القائلة بأنَّ أبانا آدم - عليه السلام - يومَ هبط الأرض خارجًا من الجنَّة، تملَّكه خوفٌ شديد، فرَفَع بصرَه إلى السَّماء وتوسَّل إلى ربِّه قائلاً: ربِّ ما لي لا أسمع صوت الملائكة ولا أحسُّ بهم؟! فكان الجواب: "إنَّها خطيئتُك يا آدم... اذهب وابنِ لي بيتًا، وطُفْ به، واذكرني حولَه، فطَفِق يبحَث عن مكانٍ يَبنِي فيه الذي أمَرَه ربُّه أن يبنيه، فانتَهَى به المطاف إلى وادي مكَّة، وبنى البيت العتيق، الذي أصبَحَ منذ ذلك الزَّمن وإلى يومنا هذا وحتَّى يرث الله الأرض وما عليها، مكانًا مباركًا يحجُّ إليه النَّاس من كلِّ فجٍّ عميق؛ طلبًا للرَّحمة والغفران.

    أوَّلاً - مكَّة المكرمة:
    1/1 - الجذور التَّاريخيَّة - قداسة المكان والزَّمان:
    تذهَب الرِّوايات التي تتحدَّث عن الجذور التاريخيَّة لمكَّة إلى أبعد من ذلك؛ فتذكر أنَّ الملائكة هم الذين بنَوْا بيت الله في هذا الموقع (مركز الأرض)؛ لتكون مَزارًا ومَطافًا لهم فيه، لا جرم أنَّ مكَّة المكرَّمة تعدُّ واحدة من أعظم وأكثر مدن الأرض وعواصمها مكانةً وشهرة، ولم تَحْظَ أيُّ مدينةٍ في العالم بِمثل ما حَظِيَتْ به مكَّة من تكريم، ويَكفِيها أنَّ الله بارَكَها وجعَلَها أوَّل مكانٍ يُعبَد فيه من أبي البشَر آدم - عليه السلام - من ثَمَّ آثَرَها - جلَّ وعلا - على غيرها من بِقاع العالم طهرًا وقدسية، وجعَلَها بعد حينٍ من الدَّهر، قبلةً للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بعد أنْ أوحى الله لسيِّدنا إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام - أن يُقِيمَا بِناءَ البيت مرَّة ثانية؛ ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96].

    مهْما اختَلَف المؤرِّخون والرُّواة وأهل العلم والدين حولَ تاريخ ظهور مكَّة إلى الوجود، يَبقَى هناك اتِّفاق بينهم على أنَّ مكَّة المكرَّمة ليست عريقةً في القِدَم فحسب، بل من أقْدم مدن المعمورة - ما كان معلومًا منها ومجهولاً - وأنَّ البيت الحرام الَّذي يعدُّ اليوم واحدًا من أعظم المساجد وأكبر دُورِ العبادة على وجه الأرض - هو أوَّل بيت وُضِع لأهْل الأرض ليَعبُدوا الله - عزَّ وجلَّ - فيه، وليهتَدُوا بفضله إلى صراط الحقِّ، الصراط المستقيم، وأنَّ واضِعَ حجر الأساس لمدينة مكَّة الصغرى هو النَّبي إبراهيم - عليه السلام - لتُصبِح مدينةً مأهولة في عهد قُصَي[3] بن كلاب[4] بن مرَّة بن كعْب[5] بن لؤيّ، وفي عهد قُصَيٍّ شهدت مكَّة تَوسِعة كبيرة، وعُنِي بتنظيمها خيرَ عناية، حتَّى أضحت في زمانه مدينةً عامرة مستطيلة المساحة ذات شعاب واسعة.

    2/1 - مكة: موقعًا:
    تقع مكَّة المكرَّمة في الجانب الغربي من جزيرة العرب، في بطن وادٍ ضيِّق طويل، من أودِيَة جبال السَّراة، غير ذي زرْع، يسمِّيه المكيُّون وادي إبراهيم، وعمرانها بيوتها منتشرة على امتِداد هذا الوادي على شكل هلالٍ يَمِيل إلى الاستِطالة - حيث يتَّجِه جانباه نحو سفوح جبل قعيقعان غربًا، وجبل أبو قبيس شرقًا، ومن محلَّة المعابدة طولاً إلى محلَّة المسفلة جنوبًا - تُحِيط به الجبال والتلال الجرداء والصخور الصلبة من كلِّ جانب؛ لتشكِّل حول مكَّة وكعبتها دائرة، ومن أضخم جبال مكة وأعظمها أبو قبيس، ويقع إلى الجهة الشَّرقيَّة منها، ويطلُّ على المسجد الحرام، ومن جبالها المعروفة قعيقعان، وفاضح، والمحصب، وثور، والحجون، وحراء، وتفاحة، والفلق.

    وكانت المناطق المنخفضة نسبيًّا من ساحة مكَّة تسمَّى البطحاء، وكلُّ ما نزَل عن الحرم المكي يسمُّونه "المسفلة"، وما ارتَفَع عنه يسمُّونه "المعلاة"، ومكَّة تقع عند خط تقاطع درجتي العرض 21/28 شمالاً، والطول 37/54 شرقًا، وترتَفِع عن سطح البحر بنحو 280مترًا، هذا يعني أنَّها تقع ضمن سهل تهامة السَّاحلي الذي يمتدُّ على طول ساحل البحر الأحْمر من أقصى شماله عند خليج العقبة إلى نهايته الجنوبيَّة عند باب المندب، أضِف إلى ذلك أنَّها تمثِّل نقطةَ التِقاء بين تهامة وجبال السروات[6].

    3/1 - مكَّة: مناخًا:
    أمَّا مناخ مكَّة وجَوُّها فهو حارٌّ جافٌّ، تَتفاوَت حرارته بين 18 درجة في شهور الشِّتاء وبين 30 درجة إلى ما يَزيد على 40 درجة في شهور الصيف، حيث ترتَفِع الحرارة فيها ارتِفاعًا شديدًا، وتكون دافئة في الشتاء؛ لوقوعها ضمنَ المنطقة المداريَّة الشماليَّة، ولتأثيرات مناخ البحر المتوسط والمناخ الموْسمي الانتِقالي وتأثير البحر الأحمر على مناخها نسبيًّا، رياحها في الشتاء شماليَّة غربيَّة وفي الصيف شماليَّة شرقيَّة جافَّة، ولموقع مكَّة في وادٍ غير ذي زرعٍ لجأ أهلُها إلى الاعتِماد على غيرهم في حياتهم المعيشيَّة وفي أقواتهم، الطَّائف والسَّراة بخاصَّة[7].

    4/1 - مكة: أسماءً:
    عُرفت مكة - وللدَّلالة على شرف مسمَّاها وسموِّ مكانتها - بأسماء كثيرة، فمِن أسمائها التي ورَدتْ في القرآن الكريم "مكَّة" و"بكَّة"، و"البلد الأمين"، ومِن أشهر أسمائِها "أم القرى"، ولها أسماء أخرى منها "أم رحم"، و"الحاطمة"؛ لأنَّها تحطم مَن استَخَفَّ بها، و"البيت العتيق"؛ لأنَّه عتق من الجبابرة، و"الرَّأس"؛ لأنَّها مثل رأس الإنسان، و"الحرَم الأمين"، و"القرية"، و"الوادي"، و"البلدة"، و"البلد"، و"معاد"، و"صلاح"، و"العرش"، و"القادس"؛ لأنَّها تقدس من الذنوب؛ أي: تُطهِّر، و"المقدسة"، و"الناسة" و"الباسة" بالباء الموحَّدة لأنَّها تبسُّ؛ أي: تحطم الملحِدين.

    ويُروَى أنَّها سميت مكَّة لقلَّة مائها، من قول العرب: "امتَكَّ الفصيل ما في ضرع أمِّه"؛ أي: امتصَّه مصًّا شديدًا، وقيل أيضًا: لأنَّها تمكُّ الذنوب؛ أي: تذهب بها، وقيل: سميت مكَّة لأنَّها تمكُّ الظَّالم (الجبَّار) فيها؛ أي: تنقصه وتُهلِكُهُ، وقيل: إنَّما سُمِّيت "بكَّة" لأنَّ الأَقدام تَبُكُّ بعضها بعضًا، كذلك لأنَّها تَبُكُّ - أي: تَدُقُّ - عنق الفاجر ورقاب الجبابرة الذين يبغون فيها، وفي اللسان العربي: "مكَّة" هي "بكَّة"، والميم بدلٌ من الباء مثل: "ضربة لازم" و"ضربة لازب"، ورُوِي أنَّ بكَّة موضع البيت، ومكَّة هي الحرم كلّه، وقيل أيضًا: إنَّ بكَّة الكعبة والمسجد، ومكَّة هي ذو طوِيِّ، "الطَّوِيُّ" وهو البئر المطويَّة بالحجارة، (بطن الوادي) بأعلى مكة، وفيه قيل:
    إِنَّ الطَّوِيَّ إِذَا ذَكَرْتُمْ مَاءَهَا
    صَوْبُ السَّحَابِ عُذُوبَةً وَصَفَاءَ

    وهناك قول: إنَّ العمالقة عندما سكنوا مكَّة أطلَقُوا عليها اسم "بكا" "بكَّة" وهي كلِمةٌ بابليَّة معناها البيت، وسمَّاها الله - كما تقدَّم - بـ"أمِّ القرى"، فقال: ﴿ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الأنعام: 92]، وسمَّاها - تعالى - "البلد الأمين" في قولِه - جلَّ وعلا - : ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1 - 3]، وقال - عزَّ مِن قائل - : ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1 - 2]، وقال - عزَّ وجلَّ - : ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29]، وقال - تعالى - : ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ [المائدة: 97]، وقوله - تعالى - على لسان إبراهيم - عليه السلام - : ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقال - تعالى - أيضًا على لسان إبراهيم - عليه السلام - : ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ [إبراهيم: 37]، ولعلَّ اسم "مكَّة" كان يُعرَف باسم "مكرب"؛ أي: مقدَّس، ثم تحوَّل الاسم إلى مكَّة[8].

    5/1 - مكة: اقتصادًا وثروات:
    لا ريب أنَّ العرب حتى في جاهليَّتهم، كانوا يرَوْن مكَّة - منذ نشأتها - بقعةً مقدَّسة، يشدُّون إليها الرِّحال من كلِّ أرجاء جزيرة العرب، كما أنَّ وادي مكَّة احتَفَظ بمكانته الحيويَّة كمحطَّة مهمَّة لمرور قَوافِلهم التجاريَّة - بين اليمن وبلاد الشَّام خاصَّة - وسوق رئيسة لهم لوقوعه وسط الطريق بين شمال الجزيرة العربيَّة وجنوبها من ناحية، فضلاً عن غِناه بعيون الماء الوفيرة الَّتي تحتاج إليها القوافل التجاريَّة في حلها وترْحالها بين اليمن جنوبًا والشام شمالاً من ناحِيَة أخرى، ومن المعروف أنَّ قريشًا احتَكرَتْ منذ نهاية القرن السَّادس الميلادي، تجارة الهند بفضْل جهود زعيمِها هاشم بن عبدمناف[9]، جَدِّ عبدِالله والد النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الَّذي يُعَدُّ أوَّل مَن سَنَّ رحلة قريش، (الإيلاف)[10] رحلة الشتاء إلى اليمن (والحبشة والعراق) ورحلة الصَّيف إلى الشَّام، ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4].
    يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُحَوِّلُ رَحْلَهُ
    هَلاَّ نَزَلْتَ بِآلِ عَبْدِ مَنَافِ
    الآخِذُونَ العَهْدَ مِنْ آفَاقِهَا
    وَالرَّاحِلُونَ لِرِحْلَةِ الإِيلاَفِ

    لا ريب أنَّ مكة أدَّتْ - قبل الإسلام - دورَ الوسيط الناجح والمُحايِد بين عالمين، فموقعها الجغرافي من ناحية، وحفاظها على حياديَّتها من ناحيةٍ أخرى - حقَّق لها مكانةً عظيمة في هذا الميدان الاقتصادي، ويَكفِي دليلاً على ذلك أنَّ الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الشرقيَّة (بيزنطة) استَعانت بتجَّار مكَّة الكِبار من القرشيِّين، كوسطاء أُمَناء للتجارة، بنقْل مُنتَجات الهند والصين إلى أسواقها - كما تقدَّم - أنَّ القرشيِّين عقَدُوا المعاهدات التجاريَّة مع أُمَراء العرب في الجزيرة العربيَّة؛ مثل: شيوخ قيس، وأقيال[11] اليمَن، وأمراء اليمامة، وملوك غسَّان والحيرة، هذا فضلاً عن الأتاوى التي كانت تَفْرِضُها قريش على التجَّار الأجانب، وعلى العرب الَّذين لا يرتَبِطون معها بحلفٍ، من أهمِّ هذه الضَّرائب ضريبة العشور، وفي الوقْت الَّذي كان يقوم فيه تجَّار بلاد الشَّام يحملون معهم إلى مكَّة القمح والزُّيوت والخمور ومصنوعاتهم المتنوِّعة، كان لِمُتْرفِيهم مجالس للسَّمر ينصبون لها الأرائِك، ويمدُّون فيها الموائد، ويَتَفكَّهون بما طاب من ثِمارهم ويتلذَّذون بفَواكِه الطَّائف الطَّازجة أو مجفَّفات الشَّام وفلسطين المستوردة لمتاجرهم، ويعرفون طعام الفالوذج (حلوى فاخرة تُخلَط مع العسل) نقلاً عن الأمم المجاورة[12]، كان تجَّار الجنوب يَحمِلون معهم حاصِلات الهند: من ذهَب، وأحجار كريمة، وعاج وخشب الصندل، والتوابل، والمنسوجات الحريريَّة والقطنيَّة والكتانيَّة، والأرجوان والزعفران والأواني الفضيَّة والنُّحاسيَّة، هذا إلى جانب ما كانوا يَحمِلونه معهم من منتجات إفريقيا الشَّرقيَّة واليمن؛ كالعطور والأطياب، وخشب الأبنوس، وريش النعام، واللبان والأحجار الكريمة، والجلود[13].

    وقد وَشَتْ هزيمة القرشيِّين في بدرٍ بأثْرِيائها المتْخمين بالثَّراء، بدَفعِهم مبالغ كبيرة فديةً لأسْراهم في بدر، وقد عُرِفَتْ أسرة بني مخزوم[14] من الأسرات المكيَّة المشهورة بالثَّراء الفاحِش، ولعلَّ الوليد بن المغيرة[15] (ت 1هـ/ 622م) كان أثْرى شخصيَّات هذه الأسرة.

    وكان لتجَّار مكَّة في الوقت نفسه تجارةٌ رابحة مع الحبشة والصومال، تتمُّ بواسطة طريقٍ بحري، حيث كان لمكَّة ميناء على البحر الأحمر يُعرَف بميناء الشعيبة، أمَّا العملة الَّتي عرفَتْها مكَّة والحجاز عمومًا فكانت الدِينار والدِرْهم[16].

    ولعلَّ من أهمِّ الصِّناعات التي اشتَغَل بها أهل مكَّة صناعة الأسلحة من سيوف ودروع ورماح ونبال وسكاكين، كذلك صناعة الفخار من أباريق وصحاف وقدور، فضلاً عن صناعة الأَسِرَّة والأرائك، ولصِلات أهل مكَّة التجاريَّة بالشُّعوب والقبائل والأُمَم القريبة والبعيدة، ازدادوا فهمًا بأهميَّة التجارة البينيَّة والدوليَّة مع تأثُّرهم واقتِباسهم للمَظاهِر الحضاريَّة، من اجتماعيَّة وثقافيَّة التي عرَفُوها من الرُّوم والفرس[17].

    يتبع




  2. #2
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة المكرمة عبر العصور

    ثانيًا - مكَّة المكرَّمة:
    2/ 1 - فضائلها ومكانتها الدينيَّة والتاريخيَّة - قصَّة بناء الكعبة المشرَّفة
    لا غرْو في أنَّ مكَّة المكرَّمة كانت عند العرب قبلَ الإسلام من أبرز الأماكن الثَّقافيَّة والتِّجاريَّة، وأهم مدنهم قداسةً وعراقةً، وهي اليومَ عند المسلمين من كلِّ جنسٍ ولون، إلى جانب المدينة المنوَّرة والمسجد الأقصى المُبارَك بالقدس - ثالث المساجد في الإسلام من حيث القداسة[18] - أعظم مدينة وأهم الديار قدسيَّة في أرجاء المعمورة كافَّة[19].

    ونقرأ في تاريخ مكَّة المُوغِل في القِدَم أنَّ إبراهيم - عليه السلام - الذي هاجَر من "أور" في العراق في رحلةٍ طويلة ليَصِل أرضَ كنعان في فلسطين، من ثَمَّ ليُواصِل الرِّحلة إلى مكَّة المكرَّمة تُرافِقُه زوجتُه هاجر وولَدُه إسماعيل؛ حيثُ أسكنَهُما عند بيت الله الحرام أو الكعبة التي اشتَرَك مع ابنه إسماعيل في بنائها؛ ليُصبِح من يومئذٍ أوَّلَ مسجدٍ عُرِف في تاريخ البشريَّة، وهو البقعة نفسُها التي انفَجرَتْ منها عين زمزم؛ ليُحيي الله بها من جديدٍ هذه البقاع المقدَّسة ولتهوي أفئدة من الناس إليها من كلِّ المعمورة؛ استجابةً من الله - سبحانه وتعالى - لدعاء إبراهيم - عليه السلام - الذي سأل ربَّه - عزَّ وجلَّ - قائلاً: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37].

    من وحْي ما تقَدَّمَ فإنَّ بعضَ المحدِّثين والمؤرِّخِين القُدَماء يتَّفِقون على أنَّ إبراهيم - عليه السلام - قال لابنه إسماعيل: "إنَّ الله - تعالى - قد أمرَنِي أنْ أبْني له بيتًا هاهنا"، فوق الرَّبوة الحمراء القائمة قربَ بئر زمزم (بئر إسماعيل)، وطلَب من ابنِه أنْ يُعينَه في بناء البيت، فلم يزلْ إبراهيم يحفر حتَّى وصَل إلى القواعد، في ذلك يقول الله: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ [الحج: 26]، وفي هاتَين الآيتين الكريمتَين - عند المفسِّرين - خيرُ دليلٍ على أنَّ قواعد البيت كانت مبنيَّة قبلَ إبراهيم - عليه السلام - وقد هَداه الله إليها وبُوِّئ لها؛ أي: إنَّ الأساس الأوَّل للبيت كان موجودًا، والبناء الأوَّل له كانت قواعده قائمةً بوضوحٍ على عهْد إبراهيم - عليه السلام[20].

    كما ترى هذه المصادِرُ في الوقت نفسه أنَّ إبراهيم - عليه السلام - رفَع هذه القواعد بعد طوفان نوح - عليه السلام - وقد وقَى الله قواعد بيته وأساسه الأوَّل من هذا الطوفان المُغْرِق، يستدلُّ من هذا أيضًا أنَّ الكعبة كانت موجودةً قبل عهد نوح - عليه السلام - الأمر الَّذي يُرجِّح - كما سبق ذكره - أنَّ واضع حجر الأساس في بناء البيت العتيق آدم - عليه السلام - أو الملائكة، ومهما يكن من أمر فإنَّ إبراهيم - عليه السلام - هو رافِعُ القواعد من البيت، وعندما ارتَفَع البناء أتى إبراهيمُ - عليه السلام - بحجَرٍ ليقِف عليه أثناءَ بناء الكعبة، فسُمِّي الحجر (مقام إبراهيم) وبعد أنْ أَتَمَّ إبراهيم وابنه إسماعيل البناءَ - منذ أكثر من أربعة آلاف سنة - أمَر الله - عزَّ وجلَّ - نبيَّه إبراهيم - عليه السلام - فقال: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، فلم يزَل منذ رفَعَه الله معمورًا[21].

    2/2 - المرَّات التي أُعِيد فيها بناء الكعبة:
    في هذا السِّياق ذكَر الأزرقي: بأنَّ الكعبة بُنِيَتْ عشر مرَّات:
    (الأولى) بناية الملائكة.
    (الثانية) بناية آدم.
    (الثَّالثة) بناية شيث ابن آدم.
    (الرَّابعة) بناية إبراهيم وإسماعيل.
    (الخامسة) بناية العمالقة.
    (السادسة) بناية جُرهُم[22].
    (السابعة) بناية قصي.
    (الثامنة) بناية قريش.
    (التاسعة) بناية ابن الزبير.
    (العاشرة) بناية الحجَّاج.

    ممَّا يجدر ذكرُه في هذا السِّياق أنَّ الكعبة بُنِيَتْ للمرَّة الحاديةَ عشرةَ عام (1039هـ/1629م) في عهد السلْطان العثماني مراد الرَّابع (1032 - 105هـ/1623- 1640م)، وللمرَّة الثانية عشرة عام (1417هـ/1996م) في عهد خادم الحرَمَين الشَّريفين الملك فهد بن عبدالعزيز (1402 - 1436هـ/1982 - 2005م)؛ أي: بعد مرور حوالي 375 عامًا على بِناء السلطان العثماني مراد الرَّابع[23].

    3/2 - مكة: المنزل والمسكن البشري الأوَّل في حِقَبٍ زمنيَّة مختلفة، وكشف بئر زمزم:
    وترى هذه المصادر أيضًا أنَّ أوَّل مَن سكَن مكَّة في غابِر الأزمان هم من العَمالِقة، ثم خلَفَتْهم قبائل جُرْهُم اليمنية، وبقايا من الأمم البائدة، وفي عهد جُرْهُم قدِم إلى مكَّة - كما رأينا - إبراهيم - عليه السلام - مع زوجته هاجَر وابنهما إسماعيل الذي تَرعرَع وسطَ قبيلة جُرهم، فعرف لغتهم وتَزوَّج منهم، واحتَلَّ مكانة مَهِيبة بينهم، وبقيت لقبيلة جُرهم الزَّعامة على مكَّة والكعبة (البيت الحرام) نحوًا من ثلاثمائة سنة، حتَّى تغلَّبت عليهم قبيلة خزاعة اليمنيَّة، ثمَّ تنتزع قريش التي قوِيَت شوكَتُها - حوالي منتصف القرن الخامس الميلادي - السيادةَ من خزاعة على البيت الحرام، ليصبح زعيم قريش قصي بن كلاب الرَّئيس الديني بانتقال حجابة (سدانة) الكعبة إليه، وهو نفسه الذي بنى دار الندوة (دار الشُّورى)؛ لتكون مركزًا لاجتِماع القُرشيِّين للتَّشاوُر في شؤونِهم العامَّة[24].

    بعد وفاة قُصَيٍّ انتقَلَت الرِّئاسة إلى ابنه عبدالدار، إلى أنْ تفرَّقت الرِّياسة في أبناء عبدمناف (شقيق قصي) فتصدَّرها هاشم بن عبدمناف، وانتهت الزعامة في قريشٍ بعد وفاة هاشِمٍ إلى ابنه عبدالمطلب[25] المعروف باسم شيْبَة الحَمْد الذي آلَتْ إليه الرفادة (إطعام الحجاج أيَّام الموسم وسقايتهم) ظَلَّتْ سدانة الكعبة في بني عبدالمطلب يَتوارَثونها في الجاهليَّة والإسلام إلى اليوم[26].

    ومن أبرَزِ أعمال عبدالمطلب كشْفُ بئر زمزم (بئر إسماعيل)، وإعادةُ حَفْرِه سنة (540م) بعدَ أنْ رأى في مَنامِه أنْ يحفر زمزم في المكان الذي هي فيه[27]، وكانت زمزم طُمِسَت أيَّام جُرْهُم؛ بَيْدَ أنَّه كان لوجودها بجوار الكعبة حافِزٌ لجذب القبائل، وسكنهم حول البيت الحرام منذ زمنٍ قديم، وتتَّفِق الرِّوايات في الحديث عن معجزة زمزم، أنَّه لمَّا نفِد الماء والطعام وبدأ بكاء - ابن هاجر - إسماعيل يَتعالَى، طفقت هاجر تُهَروِل بين جبلي الصفا والمروة، حتى إذا عادَتْ تتفقَّد ولَدَها إسماعيل وجدَتْه يُصارِع الموت عطشًا، وما أنْ أتمَّت هرولتها (السعْي) سبعَ مرَّات، إذا بجبريل - عليه السلام - أمامَها يَضرِب الأرض بقدمه.

    وقيل: إنَّ إسماعيل ضرَب الأرض بقدمه، فنبع الماء العذب من الأرض؛ لتظهر إلى الوجود بئر زمزم أو (بئر إسماعيل)، وهنا سَقَتْ هاجر طفلَها، لكنَّها في الوقت نفسه تملَّكها الخوف من طغيان الماء على طفلها، فأخَذَت تقول: "زمِّي يا مباركة، زمِّي"، وجعَلَت تَحُوطُه - أي: طفلها - بالتراب؛ لئلاَّ يَذهب سيلُ الماء المتدفِّق به، ويعتقد أنَّ تسمِيَة هذا البئر (العين) بزمزم جاءت من هذه الكلمات لهاجر[28].

    قد جاء عن زمزم في الحديث الشريف: ((خَيرُ ماء عَلى وَجْهِ الأَرضِ مَاءُ زَمْزَم، فيه طَعامُ طُعمٍ وشفاءُ سُقم))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((إِن شَرِبْتَ من ماءِ زَمْزم تريد الشفاء شفاك الله، وإن شربتَه لظمأٍ رواك الله، وإنْ شربته لجوعٍ أشبعك الله)).

    وفي حديثٍ أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يَرفَع المياه العذبة قبلَ يوم القيامة وتغور المياه غير مياه زمزم، وإنها في كتاب الله - سبحانه - شراب الأبرار...[29].
    يتبع



  3. #3
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة المكرمة عبر العصور

    ثالثًا - مكة: المشاهد التاريخية الكبرى:
    1/3 - عبدالمطلب وأبرهة الأشرم:
    مِن الأحداث التاريخيَّة الكبرى في عهد عبدالمطلب محاولةُ أبرهة الأشرم أبو يكسوم حاكم اليمن من قِبَل النجاشي ملك الحبشة - هدْم الكعبة سنة (570م) أو في (571م)[30] قاصِدًا أن يجذب الحجَّاج العرب إلى القُلَّيْسِ - كنيسة كبيرة بَناها أبرهة نفسُه بصنعاء - فحشَد لهذا الغرَض جيشًا كبيرًا تتقدَّمَه الفيلة الضخمة، اختَلَف المؤرخون في عددها؛ فمنهم مَن قال: إنَّ عددها اثنا عشر فيلاً، أو: ثلاثة عشر فيلاً، وأوصَلَها بعضهم إلى الألف فيل، على أيِّ حال وصَل أبرهة بجيشه وفيله وعسكَر على مَشارِف مكَّة، فأبى الفيل الرئيس الذي كان يَمتَطِيه أبرهة بالتقدُّم، وحاوَل الأحباش جُهدَهم مع الفيل المتقدِّم إلى الأمام، وكلَّما وجَّهوه نحوَ الكعبة تَوقَّف وبرك، وإذا وجَّهوه نحو اليمَن أسرع مُهَروِلاً باتِّجاهها، وفي اللحظة الحاسمة تدخَّلت العناية الإلهية؛ فأرسَلَ الله - سبحانه وتعالى - دِفاعًا عن بيته الكعبة المشرفة الطيرَ الأَبابيل؛ لتمني الحملةَ بهزيمةٍ نكراء مشهودة، ولتظلَّ مكة ولتَبقَى عذراء عصيبة على الغُزَاة من قُوَى الشر، وهي التي لم تَخضَع يومًا - ولن تخضع - لأيِّ مُعتَدٍ غاشم، لن يستطيع أبدًا - بإذن الله - أن يخرق أرض مكة أو يبلغ جبالها طولاً، وقد ذكَر القرآن الكريم هذا الحدث التاريخي في سورة الفيل: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].

    لقد زاد هذا الحدثُ التاريخي في تقديس العرب وإجلالهم لمكة و"كعبتها المشرفة"، وأصبحت عندهم رمزًا لاستقلالهم وعزَّتهم وقوَّتهم، في الوقت نفسِه ارتَفَع شأنُ قريش وزعيمها "سيد مكة" عبدالمطلب، بعد إخفاق هذه الحملة الهالِكَة... ومن مكرور القول: إنَّ لقاءً تَمَّ بين بعدالمطلب وأبرهة، فسأل أبرهة عبدالمطلب عن حاجته، فقال عبدالمطلب: "حاجتي أن تَرُدَّ إلى مائتي بعيرٍ أصبتَها لي"، فردَّ أبرهة: "كنتَ أعجبتَنِي حين رأيتُك، ثم زهدت فيكَ حين كلَّمتني، تكلِّمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه لا تكلمني فيه!"، قال: عبدالمطلب: "إني أنا ربُّ إبلي، وإنَّ للبيت ربًّا يَحمِيه"، وهكذا كان وسيكون... وخرَج عبدالمطلب من عند أبرهة غاضبًا يردِّد شعرًا:
    يَا رَبِّ لاَ أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا
    يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا
    إِنَّ عَدُوَّ البَيْتِ مَنْ عَادَاكَ
    امْنَعْهُمُ أَنْ يُخْرِبُوا قُرَاكَ[31]

    2/3 - مكة: ولادة المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وانبلاج نور الإسلام - نور الحق والهداية:
    في وسط أحداثٍ جِسام وفوضى عارِمَة، وجهالة جهلاء، وظلمات فوقها ظلمات أحاطت بجزيرة العرب من كلِّ جانب - انبَلَج نورُ الحق والهداية، بمولد سيِّد الخلق محمد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت ولادته على الأرجح في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول الموافق للعشرين من شهر نيسان "أبريل" 570 أو 571م، ليَصُوغ للبشريَّة تاريخًا مشرقًا جديدًا، حامِلاً رسالةَ التوحيد، على غير مثالٍ سابقٍ أو لاحق، مبلِّغًا عن ربِّ العالمين الأمانةَ، ناصِحًا الأمَّة، وكان وما زال وسيبقى في عظيم خلقه، وحكمته، وشجاعته، وصدقه، وأمانته، وسموِّ أدبه، ورفيع ذوقه، ومناقبه الشريفة التي لا تُحصَى - المثلَ الأعلى، والقدوة الأسمى، والأسوة الحسنة للناس كافَّة:
    مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأَعْرَابِ وَالعَجَمِ
    مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ
    مُحَمَّدٌ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ مِنْ مُضَرٍ
    مُحَمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ اللهِ كُلِّهِمِ

    مع ظهور دعوة الحق والهداية الإلهيَّة، ارتقت مكة وتربَّعت على قمَّة المجد وذروته، وحازَتْ إلى الأبد المرتبةَ الأولى مكانةً، ولا أقدس في العالمين العربي والإسلامي، وفي كلِّ صقعٍ من أصقاع الأرض فيه مسلم، بعد أنْ أصبحت قبلة المسلمين يُولُّون وجوههم إليها خمسَ مرَّات في اليوم والليلة عند أداء كلِّ صلاة، ويشدُّون الرحال إلى حرَمِها الشريف "الكعبة المشرفة" من شتَّى أرجاء المعمورة، وقد جعَل الله من هذه المعجزة رابطةً وعروةً وُثقَى لا انفِصام لها بين بيته الحرام بمكة والمسجد الأقصى بالقدس[32]، عندما أَسرَى بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث عَرج منه إلى السموات العُلاَ، وقد خلَّد هذا الحدثَ التاريخي الخارق - الذي تَمَّ قبلَ الهجرة في السابع والعشرين من رجب - القرآنُ الكريم، في قوله - تعالى - : ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

    عن هذه المعجزة الخالدة جاء في قصيدة البُردة للبوصيري (محمد سعيد شرف الدين) (ت 695هـ/ 1295م):
    سَريْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إِلَى حَرَمٍ
    كَمَا سَرَى البَدْرُ فِي دَاجٍ مِنَ الظُّلَمِ
    وَبِتَّ تَرْقَى إِلَى أَنْ نِلْتَ مَنْزِلةً
    مِنْ قَابَ قَوْسيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ
    وَأَنْتَ تَخْترِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بِهِمْ
    فِي مَوْكِبٍ كُنْتَ فِيهِ صَاحِبَ العَلَمِ
    بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسْلاَمِ إِنَّ لَنَا
    مِنَ العِنَايَةِ رُكْنًا غَيْرَ مُنْهَدِمِِ
    لَمَّا دَعَا اللهُ دَاعِينَا لِطَاعَتِهِ
    بِأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ

    وجاء عن هذه المعجزة في قصيدة "نهج البُردة" التي نظَمَها أمير الشعراء أحمد شوقي (ت 1351هـ/ 1932م) على نهج بُردة البوصيري:
    أَسْرَى بِكَ اللهُ لَيْلاً، إِذْ مَلاَئِكُهُ
    وَالرُّسْلُ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى عَلَى قَدَمِ
    لَمَّا خَطَرْتَ بِهِ التَفُّوا بِسَيِّدِهِمْ
    كَالشُّهْبِ بِالبَدْرِ، أَوْ كَالْجُنْدِ بِالعَلَمِ
    صَلَّى وَرَاءَكَ مِنْهُمْ كُلُّ ذِي خَطَرٍ
    وَمَنْ يَفُزْ بِحَبِيبِ اللهِ يَأْتَمِمِ
    جُبْتَ السَّمَاوَاتِ أَوْ مَا فَوْقَهُنَّ بِهِمْ
    عَلَى مُنَوَّرَةٍ دُرِّيَّةِ اللُّجُمِ
    مَشِيئَةُ الخَالِقِ البَارِي، وَصَنْعَتُهُ
    وَقُدْرَةُ اللهِ فَوْقَ الشَّكِّ وَالتُّهَمِ
    حَتَّى بَلَغْتَ سَمَاءً لاَ يُطَارُ لَهَا
    عَلَى جَنَاحٍ، وَلاَ يُسْعَى عَلَى قَدَمِ

    عندما هاجَر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من مكَّة إلى المدينة كان يتَّجِه في صلاته - في أوَّل الأمر - إلى بيت المقدس (المسجد الأقصى) بفلسطين، وكان - عليه الصلاة والسلام - راضيًا كلَّ الرِّضا بأمر الله، بالاتِّجاه في صلاته إلى المسجد الأقصى، على الرغم من ذلك ظلَّت الكعبة المشرفة (مكة) أحبَّ بِقاع الأرض إلى قلبه، نبض فؤاده، وهدأة وجدانه؛ لكونها البيت الأوَّل الذي أُقِيم لعباده الله، ينسَجِم هذا الشعور الفطري الصافي مع قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((والله إنَّك لَخَيْرُ أرض الله، وأَحَبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منك ما خرجت))[33].

    وفي شعبان من السنة الثانية بعد الهجرة أكرَمَ الله أكرَمَ الخلق أخلاقًا، فولاَّه قبلةً يَرضاها، عندما نزَل قوله - تعالى - : ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144]، من وقتئذٍ صارت الكعبة قبلةَ المسلمين السرمديَّة، حتى يرث الله الأرض ومَن عليها[34].

    3/3 - مكة: الفتح المبين:
    عندما دخَل الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكَّة فاتحًا مُردِّدا قول الله - عزَّ وجلَّ - : ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح: 1 - 2]، قام بتَطهِير الكعبة من الأصنام والأوثان والصُّوَر، وتَسابَق المسلمون إليها فطرَحُوها أرضًا تحطيمًا وتهشيمًا، وقصَد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صنَمًا بجانب الكعبة فأخذ يطعن في عينه ويقول: ﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، وبعد أنْ صلَّى - عليه السلام - في الكعبة خطَب في قريش التي مَلأت المسجد صُفُوفًا تنتَظِر ماذا يَصنَع بها (النبي الكريم) - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((لا إله إلا الله وحدَه، لا شريك له، صدَق وعدَه، ونصر عبدَه، وهزم الأحزاب وحدَه... ألاَ كلُّ مآثرة أو مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج))، ثم أضاف - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((يا معشر قريش، ما ترون أنِّي فاعلٌ بكم؟))، قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: ((فإنِّي أقول لكم كما قال يوسُف لإخوته: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92]، اذهَبُوا فأنتم الطُّلَقاء))[35].

    يتع .. منقول



  4. #4
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

    رابعًا - مكة:
    1/4 - الحرم الشريف موقع القلب منها - وقصة الحجر الأسود:
    يحتلُّ الحرم الشَّريف موقعَ القلب من مكَّة، ومركزها الرَّئيس، وهو أوَّل الحرمين وثاني القبلتين، والكعبة المشرَّفة (بيت الله) تقع وسطَ الحرَم المكِّي أرض الله الحرام، وهي عبارةٌ عن بيتٍ صغيرٍ مُكعَّب (مربَّع) البنيان تقريبًا، ومن هنا جاءَ اسمُ الكعبة، وهو مبنيٌّ بالحجارة الزَّرقاء الصلبة المائلة إلى اللون الرمادي، تُغطَّى بستارٍ من الحرير الأسود، مُوشًّى بإزارٍ من آيات القرآن الكريم، وله أربعة أركان:
    (الأول): ركن الحجر الأسود أو الأسعد[36]، ويقع ما بين الشرق والجنوب، يرتَفِع مترًا واحدًا عن الأرض، ومنه يبتَدِئ الطواف بمثابة تحيَّة للمسجد.
    (والثاني): الركن الشامي بين الشرق والغرب.
    (والثالث): الركن الغربي ما بين الشمال والغرب.
    (والرابع): الرُّكن اليماني ما بين الغرب والجنوب.

    ومن معالم الحرم الباقية حائط البيت (الكعبة) حِجْرُ إسماعيل، أمَّا "الملتزم" وهو مَوضِع استِجابة الدُّعاء فيقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة المشرَّفة[37].

    من اللافت أنَّ الكعبة ظَلَّتْ على البِناء الذي رفَعَه إبراهيم - عليه السلام - حتى آلَتِ السِّيادة على البيت إلى قُصَيِّ بن كلابٍ فبَناها من جديد، وأَذِنَ لطوائف قريش أن يبنوا بيوتًا حولَ الكعبة من جهاتها الأربع، وقال لهم: "إنَّكم إنْ سكنتم الحرم حولَ البيت هابَتْكُم العرب ولم تستحلَّ قتالكم، ولا يستطيع أحد إخراجكم"[38]، وقبلَ الهجرة النبويَّة الشريفة بثمانية عشر عامًا ولخمسٍ وثلاثين سنة من مولد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعرَّضت مكَّة إلى حريق مدمِّر تَزامَن مع سيل عرم نالَ من الكعبة المشرَّفة، وزادَ في وهن حجارتها وتصدُّع جدرانها؛ ممَّا جعَلَها آيِلَةً للسقوط، فقامت قريش بهدمها وإعادة بنائها، وشارَك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قريشًا وهو شابٌّ في نقل الحجارة[39].

    عندما ارتَفَع البناء وجاء رفْع الحجَر الأسود (الأسعد) لوَضْعِه في مكانه من الكعبة المشرَّفة، اختَلَف القرشيُّون فيمَن يكون له شرف وضع الحجر الأسْود في مكانه (في ركنه الشرقي الجنوبي)، وتطوَّر الخِلافُ حتى وصَل الأمر إلى الاحتِكام إلى السِّلاح (الحرب)، حينئذٍ خرَج أبو أميَّة بن المغيرة المخزومي ليعرض عليهم حَلاًّ بالاحتِكام - فيما نشب من صراعٍ بينهم - إلى أوَّل داخِلٍ عليهم من باب المسجد، فارتَضَتْ قريش رأيَه، فكان - بمشيئة الله - أوَّل داخل هو رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا رآهُ المُختَصِمون، هتَفُوا: هذا الأمين، هذا محمد، وقد رضيناه، فاقتَرَح الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليهم - وكان يومَذاك كما تقدَّم في الخامسة والثلاثين من عمره - بوَضْعِ الحجر الأسود في ثوب، وقال - عليه السلام - : ((لتأخذ كلُّ قبيلةٍ بناحية من الثوب، حتى إذا أوصَلُوه إلى موضعه، أخَذَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده الشريفة، فوضَعَه في مكانه، ليَكون آخِر نبيٍّ يضعُه في موضعه هذا[40]، وجاء في حديثٍ لابن عبَّاس مرفوعًا: ((نزَل الحجر الأسود من الجنَّة))، وفي رواية أخرى: ((الحجر الأسود من الجنَّة))، وقيل: إنَّه من الأحجار الكريمة، وقيل: إنَّه نوعٌ من النيازك، وأنَّ السَّبب في تَقدِيسه هو ارتِباطُه بشيءٍ مقدَّس، وآيَةُ ذلك أنَّ إبراهيم - عليه السلام - عندما وصَلَ بالبناء إلى الرُّكن الجنوبي، طلَب من ابنِه إسماعيل - عليه السلام - أنْ يأتيه بحجرٍ صلب، فأخَذ يَبحَث في الأرجاء، وإذا بجبريل - عليه السلام - يَهبِط من السماء بحجرٍ أسود فحمَلَه إسماعيل - عليه السلام - إلى أبيه، وأعلَمَه بما حدَث، فوضَعَه إبراهيم - عليه السلام - بالكعبة المشرفة - حيث مكانه حتى الآن - علامةً على بداية الطواف حولها تنفيذًا لأمر ربه[41].

    روى البخاري ومسلم أنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف عند الحجر الأسود فقال: ((إنِّي لأعلَمُ أنَّك حجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفَع)) وقبَّله، وعندما حجَّ أبو بكرٍ الصدِّيق - رضِي الله عنْه - وقَف عند الحجر وقال: "والله إنِّي لأعلَمُ أنَّك حجرٌ لا تضرُّ ولا تَنفَع، ولولا أنِّي رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقبِّلك ما قبَّلتك، وفعَل مثلَه عمر بن الخطاب - رضِي الله عنْه[42].

    بعد أن استَقَرَّ الحجرُ الأسود في ركنه، بنَى عليه القرشيُّون حتى أتمُّوا البيت في ارتِفاع (8,46م)؛ أي: بزيادة (4,32م) عمَّا كان بَناه إبراهيم - عليه السلام - والآن في ارتِفاع (14م)، وكان القرشيُّون بعد أن أتمُّوا بِناءَ الكعبة من جديدٍ عشيَّة دعوة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الناسَ إلى الإسلام - نشَرُوا الأصنام والأوثان في مكَّة، على صُوَرٍ وأشكالٍ مختلفة، حتى قيل: إنَّه كان حول الكعبة أكثرُ من ثلاثمائة وستين صنمًا[43].

    2/4 - مفتاح الكعبة وأقفالها:
    في هذا اليوم التَّاريخي سلَّم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مفتاح الكعبة إلى سدنتها الأوائل - قبل الفتح - وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((خذوها يا بني عبدالدار - وكان أخذ المفتاح ساعتئذٍ من عثمان بن أبي طلحة، وأخذ السقاية من العباس بن عبدالمطلب - خذوها خالدةً تالدةً، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إنَّ الله أستأمَنكُم على بيته، فخُذُوها بأمانة الله، فكُلُوا ممَّا يَصِلُ إليكم من هذا البيت بالمعروف))[44].

    ومفتاح الكعبة حظي على الدَّوام بالاحتِرام والتَّقدِيس، وكان منصب السدانة أو الحجابة، في العصور الجاهليَّة من أشرف المناصب التي يَتنافس عليها القرشيون، فهو المنصب الذي يحجب صاحبُه الكعبة، ويحمِل مفتاحها، ويفتَح بابها للناس ويُغلِقه، ولعلَّ أشهر مَن تولَّى أشرف المناصب الرَّفيعة من سدانةٍ (حجابة) وسقايةٍ ويُغلِقه - قصي بن كلاب - كما سبق الإشارة إليه - وورثها من بعدِه أبناؤه عبدالدار وعبدمناف وعبدالعُزَّى، ومن أبناء عبدمناف: عبدشمس وهاشم والمطب ونوفل، وما زالت في أعقابهم إلى اليوم.

    بالجملة: ظلَّ لمفتاح الكعبة مكانتُه الخاصَّة من الأهميَّة والاحترام الفائق، فمنذ أقدَمِ العصور وحتى وقتِنا الحاضر عُنِي كثيرٌ من خُلَفاء وسَلاطِين وأُمَراء وملوك المسلمين بتَطوِير وتحديث صناعة أقفال باب الكعبة ومفاتيحها وزخرفتها وتصاميمها بأساليب فنّيَّة رائعة.

    وتجدر الإشارة إلى أنَّ ارتِفاع باب الكعبة متران ورُبع من الأرض، ويُوضَع سُلَّم للصعود إليه لفتح الكعبة، وهذا يَتِمُّ عند فتحها للزَّائرين أو في المناسبات أو الاحتِفالات المهمَّة الكبرى[45].

    يتبع

  5. #5
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

    خامسًا - تَوسِعة الحرم المكي:
    1/5 - في العهد النبوي والخلفاء الرَّاشدين:
    لم يكن للمسجد الحرام في عهد الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - (51 ق هـ 11هـ/ 571 - 632م) جدران، فكانت البيوت والأزقَّة مفتوحةً عليه تُحيط به كالمعصم، متجاورة مع حدود المطاف الآن، وعندما تولَّى عمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْه - الخلافة (13 - 23هـ/ 634 - 644م) قام بأوَّل توسعةٍ في صدر الإسلام سنة (17هـ/638م) من ثَمَّ بنى حولَه جدارًا (سورًا) كان أقلَّ ارتِفاعًا من القامَة، وفي عهد عثمان بن عفان - رضِي الله عنْه - (23 - 35هـ/644 - 656م) جرَت التَّوسِعة الثانية سنة (26هـ/647م)، وقد أضاف عثمان - رضِي الله عنْه - أَروِقةً للمسجد، فكان أوَّل مَن اتَّخذ للمسجد الحرام أروقةً[46].

    2/5 - في عهد ابن الزُّبير والخليفة عبدالملك بن مروان وابنه الوليد:
    لا يمكننا في هذا السياق التاريخي أيضًا إغفالَ الإصلاحات والتوسُّعات الكبيرة الَّتي أجراها عبدالله بن الزبير (1/73هـ/622 - 692م) في المسجد الحرام والكعبة المشرَّفة، بعد ما أصاب الكعبة المشرفة من هدم وخَراب، نتيجةَ الصِّراعات السياسيَّة والحربيَّة في عهد خِلافة يزيد (25 - 64هـ/645 - 683م)، خاصَّة بعد أنْ رفَض ابن الزُّبير الاعترافَ بخِلافة يَزِيد، وأيَّدَه في ذلك أهلُ الحجاز، وجرى ما جرى من أحداثٍ مُؤسِفة، نالت من البشر والحجر ولم تنجُ الكعبة المشرَّفة من هذه الفتنة الأليمة، فنالَها هي الأخرى إصاباتٌ هادِمة حارِقة، لم يجد ابن الزُّبير إثرَها بُدًّا من هدم الكعبة، فشرع بالهدم سنة (64هـ/683م)، حتى وصَل إلى أساسها، وأعاد بِناءَها على (قواعد إبراهيم - عليه السلام)[47].

    عندما باشَر ابنُ الزبير بناءَ الكعبة أجرَى إضافاتٍ جديدةً عليها بأنْ جعَل بابَيْن للكعبة بدَلاً من باب واحد: أحدهما في الشمال الشرقي، والآخَر في الجنوب الغربي، على مستوى سطح الأرض، بدلاً من الأبواب المرتفعة التي يستَدعِي الصعودُ إليها وجودَ درجٍ أو سُلَّمٍ، معتَمِدًا في هذا وغيره على أحاديث نبويَّة روَتْها له خالَتُه عائشة أمُّ المؤمنين - رضِي الله عنْها - (ت 58هـ/ 678م) إذْ يَروِي أنَّها أخبرَتْه بأنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لها: ((لولا أنَّ قومَك حديثو عهدٍ بالجاهليَّة لهدمتُ الكعبة، ولأدخَلتُ فيها الحِجْر، ولجعلتُ لها بابًا شرقًا وبابًا غربًا يَدخُل النَّاس من أحدهما ويخرج من الآخَر، ولألصقت بابَها بالأرض، ولزدت ستَّة أذرع من الحجر في البيت، فإنَّ قريشًا قصرت بهم النَّفقة لما بنت البيت))[48].

    لكن ما لبثت أن تجدَّدت النِّزاعات مع ابن الزُّبير في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (65 - 86هـ/ 685 - 705م) الذي كلَّف الحجَّاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ/ 714م) بالقضاء على حركة ابن الزُّبير المناهضة للبيت الأُموي، من ثَمَّ إرْجاع السِّيادة الأُمويَّة على الحجاز، ونجَح الحجَّاج في مهمَّته، وقضى على ابن الزُّبير وأنصارِه، ثمَّ شرع الحجاج نفسه سنة (74هـ/693م) بعد استئذان الخليفة عبدالملك في إرجاع الكعبة إلى ما كانت عليه قبلَ عمارة ابن الزُّبير لها، فأخرج منها الزيادة التي كان أدخَلَها ابن الزبير من الحجر، واكتَفَى ببابٍ واحد يرفَعُه عن الأرض كما هي عليه اليوم.

    تجدر الإشارة إلى أنَّ المؤرِّخين ذكَرُوا أنَّ الخليفة الأموي عبدالملك عندما بلغه حديث النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ندِم على سماحِه للحجَّاج بتغيير عمارة ابن الزُّبير، وقال: "ودِدْنا لو تركنا الكعبةَ وما فعَل ابن الزُّبير بها"[49].

    في حقيقة الأمر ظَلَّ بناء الكعبة - بعد عمارة ابنِ الزُّبير والحجَّاج - على ما هو عليه حوالي عشرة قرون، بدون تغْييرات نوعيَّة، لكن لا يمكن تَجاهُل ما أَجراه الخليفة الأُموي الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ/ 705 - 715م) بالمسجد الحرام من تَجدِيدات وإضافات كبرى، انحصَر مُعظَمُها في تَكمِيلات وتَجمِيلات وإصلاحات باهِرَة، وحسب الخليفة الأُموي الوليد أنَّ عهده كان من أَبْهَى عهود الخلافة الأُمويَّة وأزهاها تراثًا حيًّا باقيًا في تاريخنا العربي والإسلامي، فحسب الوليد فخرًا الولوع بالبناء والعُمران أنَّه أعادَ بِناء جامع المدينة "الحرم النبوي الشريف" وشَيَّد الجامع الأموي في دمشق، والمسجد الأقصى في القدس وهو أوَّل مَن أحدث المستشفيات بالإسلام... وأعماله العمرانيَّة التي شيَّدها وزيَّن بها عاصمة الأمويين "دمشق" وشتَّى مدن الدولة وربوعها - تُعتَبَر من رَوائِع وآيات الفن المعماري العربي الإسلامي الأصيل[50].

    3/5 - في العهد السعودي:
    في الحقيقة لقي المسجدُ الحرام والمسجدُ النبوي في العصور الإسلاميَّة التَّالِيَة: العبَّاسيَّة والمملوكيَّة والعثمانيَّة كلَّ الاهتمام والرِّعايَة الفائِقَة، وهو الاهتِمام نفسه والرِّعايَة نفسها اللذان شهدهما في العهد السعودي؛ حيث نال المسجد الحرام منذ العام (1356هـ/1936م) عنايةً عظيمة استثنائيَّة وصَلَتْ ذروتها سنة (1406هـ/1986م) على نحوٍ غير مسبوق، وما زالت ورشة البناء الهائلة التي تُعرَف بمشروع تَوسِعَة الحرمين الشريفين - تَعمَل بلا تَوقُّف مُحَقِّقة إنجازات ضَخمة تَمَّ فيها تجديدٌ شامل للكعبة المشرَّفة، من تجميلٍ وتزيين وزخرفة وتوسعات وتحسينات وترميمات وإصلاحات واسعة، داخل الحرم المكي الشريف وخارجه، رُوعِي فيها إبراز الطابع العمراني الأصيل للعمارة العربيَّة الإسلاميَّة بأروع سماتها.

    وتتجلَّى أهمُّ مظاهر تَوسِعة الحرم المكي الشَّريف من زيادة الطَّاقة الاستيعابيَّة لزُوَّار المسجد الحرام إلى الضِّعْف؛ حيث أصبَح المسجد يستَوعِب أكثر من ستمائة ألف مُصَلٍّ، وأصبحت مساحته بعد إضافة مساحة جديدة إلى المبنى الرَّئيس 165 ألف متر مسطَّح، بعد أنْ كانت سابقًا تزيد قليلاً على 29 ألف متر مسطَّح، تبدأ هذه المساحة من غرب الحرم، بحيث تصبح الإضافة الجديدة مُتمِّمة لمبنى الحرم، من ثَمَّ تحسين الجِهات الشرقيَّة والشماليَّة والغربيَّة المُحِيطة بالحرم ورصفها بالبلاط؛ من أجل توفير مساحة إضافيَّة تستَوعِب المزيد من أعداد المصلِّين المُتَعاظِمة.

    وفي إطار هذه التَّوسِعة السعودية تَمَّ إزالةُ جَميع المباني القديمة المحيطة بالحرم، ممَّا أَتاحَ تَوسِعة طول المسعى من الدَّاخل 394 مترًا ونصف المتر وعرضه 20 مترًا، كما تَمَّ تشييد دور علوي له على ارتفاع 12 مترًا، وتميَّز المسعى الجديد بثمانية أبواب رئيسة تُشرِف على واجهة الشارع العام من جهة الشرق، هذا بالإضافة إلى إقامة سقفٍ مُستَدِير مُقبَّب فوق الصفا، بجواره منارةٌ يصل ارتفاعُها إلى 29 مترًا، كما جعلت للمسجد 9 مآذن جديدة[51].

    ونتيجةً لتزايد الحجيج كلَّ عام؛ لكون حجِّ البيت ركنًا من أركان الإسلام، وفرضًا لِمَن استطاع إليه سبيلاً، ولاستيعاب تَنامِي عدد الحُجَّاج الذين فاقَ عدَدُهم في السنوات الأخيرة ثلاثة ملايين حاجًّا، حشَدت المملكة كُلَّ إمكاناتها من ماديَّة وبشريَّة لتَطوِير مَشاعِر الحج، وتَوفِير كافَّة التَّسهِيلات اللازمة لخدمة ضيوف الرحمن، فالمَرافِق العامَّة من شبكات مياه الشرب المتطوِّرة والإضاءة الشامِلَة، وإنشاء دورات المياه الكثيرة، وإقامة شبكة من الطُّرُق والشوارع الفسيحة التي تتخلَّلها الجسور والمعابر والأنفاق الضَّخمة لتَخفِيف الازدِحام الشديد خلالَ مَوسِم الحج، ولتَنظِيم حركة المرور بين مكَّة والمشاعر المقدَّسة في عرفة ومنى ومزدلفة - لهو خيرُ شاهدٍ على هذه الإنجازات الكبرى[52].

    4/5 - المنبر في المسجد الحرام:
    أمَّا المنبر في المسجد الحرام فلم يكن موجودًا على عهد الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذلك في عهد الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - (11 - 40هـ/ 632 - 661م)، وكان خُطَباء المسجد يَقِفون على الأرض في وجْه الكعبة وفي الحِجْرِ "حجر إسماعيل - عليه السلام"، وبقي الأمر على هذا النَّحو إلى عهد الخليفة الأُموي معاوية بن أبي سفيان - رضِي الله عنْه - (41 - 60هـ/ 661 - 680م) الَّذي كان أوَّل مَن أدخَلَ منبرًا في المسجد سنة (44هـ/ 664م) من ثلاث درجات، وتَنافَس الخلفاء والسلاطين في عهود الأمويين (41 - 132هـ/660 - 750م)، والعباسيين (132 - 656هـ/750 - 1258م)، والفاطميين (297 - 567هـ/909 - 1171م)، والأيوبيين (582 - 658هـ/1186 - 1260م)، والمماليك (754 - 923هـ/1253 - 1517م)، والعثمانيين (700 - 1343هـ/1300 - 1924م) - على العِنايَة في المسجد الحرام والكعبة المشرَّفة بالقِيام بإضافات وإصلاحات جوهريَّة فيهما، مع تجديدٍ لعمارة الكَعبة غير مَرَّة، وكان أيضًا للمملكة العربيَّة السعوديَّة بصْمتِها في تحديث وتجديد المنبر في بيت الله الحرام[53].

    يتبع


  6. #6
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة المكرمة عبر العصور .. جـ 4

    سادسًا - كسوة الكعبة المشرَّفة:
    1/6 - من العهد الرَّاشدي إلى نهاية الدَّولة العثمانيَّة:
    في هذا السِّياق لا يَفُوتُنا الحديثُ أيضًا عن كسوة الكعبة المشرَّفة، التي يُقال: إنَّ إسماعيل - عليه السلام - أوَّل مَن كسا الكعبة أثوابها، وظلَّت كسوتها مُستَمِرَّة في الجاهليَّة[54]، وفي العصور الإسلاميَّة المختَلِفة حافَظ الخُلَفاء الأوَّلون بدءًا على كسوة الكعبة، بَيْدَ أنَّ أوَّل مَن ابتَكَر فكرة عرض الكسوة على هودج (عُرِف بالمَحْمَل) هي الملكة شجرة الدُّرِّ (ت 655هـ/ 1257م)، زوجة السلْطان الصَّالح نجم الدين أيوب، وحاكَتْ بعضُ الأقْطار العربيَّة مصرَ لتصبح كسوة الكعبة بهذا الأسلوب سُنَّة مُتَّبَعة سنويًّا حتى مُنتَصَف القرن (13هـ/19م)، وظلَّ حُكَّام العالم الإسلامي طوال العهود الإسلامية المختلفة يَتسابَقون لنَيْلِ هذا الشَّرَف العظيم؛ حيث كسوا الكعبة بالأقمشة الحريريَّة ذات الألوان الزاهِيَة من بيضاء وسوداء وحمراء وخضراء وصفراء، واستَمرَّ التَّنافُس على هذا الشَّرَف، الذي حازَتْ مصرُ فيه - لقرونٍ عدَّة - قصب السَّبْقِ في الاستِئْثار بشرَف كسوة الكعبة المشرَّفة، وحتى سقوط الدَّولة العثمانيَّة في أعقاب الحرب العالميَّة الأولى (1333 - 1337هـ/ 1914 - 1918م)[55]، وخروج مصر العثمانية من عباءتِها؛ لتستجدَّ أجواء سياسيَّة قلِقة عكَّرت صفوَ العلاقات بين مؤسِّس الدَّولة السعوديَّة الحديثة المغفور له الملك عبدالعزيز (1319 - 1372هـ/ 1901 - 1953م) والسلطات المصريَّة، التي تَوقَّفت سنة (1345هـ/ 1926م) عن إرسال الكسوة[56].

    2/6 - كسوة الكعبة المشرَّفة في العهد السعودي:
    نتيجةً لتَوقُّف مصر عن إرسال الكسوة، أمر الملك عبدالعزيز سنة (1346هـ/ 1927م) بإنشاء دارٍ خاصَّةٍ لعمَل كسوة الكعبة في مكَّة المكرَّمة، واستمرَّت الكسوة تُصنَع في مكَّة المكرمة حتى سنة (1357هـ/1938م)، حيث عادت المياه إلى مَجارِيها بين الحكومة السعوديَّة والحكومة المصريَّة، بعد أن استجابت الحكومة السعوديَّة لطلَب مصرَ في رغبتها في استئناف إرسال كسوة الكعبة، ولم يَمضِ زمنٌ طويل على تحقيق هذه الرَّغبة المصريَّة حتى تغيَّرت الحالة السياسيَّة مرَّة أخرى؛ ممَّا جعَل الحكومة السعوديَّة تتَّخِذ قرارًا سنة (1382هـ/1962م) يُعِيد العملَ في المصنع نفسه الذي كان قد توقَّف خِلالَ هذه المدَّة عن تصنيع كسوة الكعبة، بعد أنْ أُعِيدَ بناؤه من جديد على أُسُسٍ تقنيَّة حديثة بعد أنْ وضَع خادِمُ الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حجر الأساس للمصنع الجديد سنة (1392هـ/ 1972م)، وكان وقتذاك نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوُزَراء ووزيرًا للداخليَّة، ثم افتَتحَه وهو وليُّ العهد سنة (1397هـ/ 1977م)، ولم يَتوقَّف المصنع من يَومِها عن صناعة كسوة الكعبة المشرَّفة وتجهيزها سنويًّا في حُلَّة قَشِيبة مَهِيبة لا تُضاهَى[57].

    خاتمة البحث
    خلاصة ما تقدَّم:
    إنَّ هذا غيضٌ من فيضٍ من تاريخ مكَّة المكرَّمة، المدينة المقدَّسة، المدينة الفاضلة، سيِّدة المدن والعواصم العالميَّة، التي تَلقَّى فيها خيرُ عِباد الله كلِّهم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآنَ الكريم والنورَ المبين؛ ليكون الدِّين عند الله هو الإسلام، في ضوء هذه الحقيقة الأزليَّة فإنَّ عظمة البيت العَتِيق الذي تَهوِي أفئدةُ المسلمين إليه من كلِّ جنسٍ ولون، يأتون إليه من كافَّة أرجاء الدنيا، تتجلَّى في وحدة المسلمين المؤمنين بالله، المتمثِّلة في تَلبِيتِهم بنداءٍ واحد: لبيك اللهم لبيك... مُتَراصِّين في صُفوف سواسِيَة كأسنان المشط من طواف القدوم إلى طواف الوداع، لا فرقَ بين غنيٍّ وفقيرٍ، ولا عظيم وحقير، ولا عربي وأعجمي؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
    وَلسْتُ أَدْرِي سِوَى الإِسْلاَمِ لِي وَطَنًا
    الشَّامُ فِيهِ وَأَرْضُ النِّيلِ سِيَّانِ
    وَكُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ فِي بَلَدٍ
    عَدَّدْتُ أَرْجَاءَهُ مِنْ لُبِّ أَوْطَانِي

    يَكفِي الحاج إلى بيت الله الحرام أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يَغفِر له ما تقدَّم من ذنوبه وأوزاره وخَطاياه، بشرط ألاَّ يرفث ولا يفسق ولا يُجادِل في الحج، وصَدَق رسولُ الله القائل: ((مَن أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجَع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة))[58].

    ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].

    أنتهى ... منقول


  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Sep 2012
    المشاركات
    9,714
    معدل تقييم المستوى
    21474857

    رد: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

    بارك الله فيك اخي ابو زيد ع توثيق معلم من اهم المعالم الاسلاميه والتي هى اول الحرمين وتاني القبلتين

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon May 2011
    الدولة
    الأردن
    العمر
    54
    المشاركات
    12,037
    معدل تقييم المستوى
    21474862

    رد: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4


    جزاك الله تعالى خيرا أخي على جهدك

    يثبت الموضوع لأهميته

    بارك الله تعالى فيك

  9. #9
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

    اختي اردنيه

    جزاكِ الله خيراً وفي ميزان حسناتكِ الى يوم الدين

    بارك الله بكِ

    تحياتي


  10. #10
    Senior Member
    تاريخ التسجيل
    Sat Mar 2009
    الدولة
    الزرقاء
    العمر
    65
    المشاركات
    22,550
    معدل تقييم المستوى
    21474874

    رد: تاريخ مكة عبر العصور .. جـ 4

    اخي ابوعبدالله محمود .. بارك الله فيك

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً ... ومكة المكرمة هي أولى بالبحث والتقصي وذلك لانها البيت العتيق والحج اليها به الخير

    الكثير والحمد لله .

    وقال الحبيب محمد , صلى الله عليه وسلم , في الحديث الشريف ...

    مَن حَجَّ للهِ ، فلَمْ يَرفُثْ ، و لَم يَفسُقْ ، رَجَعَ كَيومِ ولَدْتُهُ أُمُّهُ

    الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6197
    خلاصة حكم المحدث: صحيح


    ومن هنا لا بد وان نحب مكة المكرمة لحب سيدنا محمد , صلى الله عليه وسلم , وجاء في الحديث الشريف ...

    قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لمكَّةَ ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سَكَنتُ غيرَكِ

    الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3926
    خلاصة حكم المحدث: صحيح


    جزاك الله خيراً وفي ميزان حسناتك الى يوم الدين

    تحياتي اخي


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. معلومات عن النسر الملتحي, حقائق عن النسر الملتحي
    بواسطة ريحانة الوادي في المنتدى صور الحيوانات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-12-2017, 10:59 AM
  2. وصفات طبيعية لعلاج سواد المرفق والركبة
    بواسطة just smile في المنتدى منتدى جمال المرأة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20-04-2012, 10:48 PM
  3. إسرائيل تسمح بتسليح الأونروا في غزة
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-11-2010, 07:09 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك