الحرب والغلاء يجبران السوريين على تغيير تقاليدهم في العيد




دمشق - د ب أ - مع اقتراب عيد الأضحى،اضطر الكثير من السوريين إلى التخلي عن تقاليد اعتادوا ممارستها خلال فترة الأعياد ، وذلك بسبب الحرب،التي تعصف بالبلاد بالدرجة الأولى وأيضا بسبب غلاء الأسعار الذي حال دون شراء ملابس جديدة أو حلويات العيد أو حتى مساعدة بعضهم البعض.

ويقول مازن الحمادي،وهو محام إن "الحرب في البلاد لم تترك مكانا للبسمة فالعديد من العائلات فقدت أحد أفرادها فهو إما قتل أو اعتقل أو خطف أو فقد أو سافر،فلا مجال لا لفرح أو احتفال"، مبينا أن "هموم العائلات أكبر من أي فرح بسيط،لاسيما من توفي أحد أبنائها أو بناتها".

ويؤكد مواطن آخر،يدعى عبد القادر أبو الجود:"كما أن الحرب أجبرت العديد من السوريين على النزوح من منازلهم في الداخل أو الهجرة إلى الخارج،فقد أصبحت الحاجات الضرورية من مأكل ومشرب،إضافة إلى أجرة المنزل والمواصلات أهم من أي اعتبارات أخرى يمكن إلغاؤها وإن كانت من طقوس وعادات الاحتفالات في العيد أو باقي المناسبات،خاصة مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في الآونة الأخيرة".

ويضيف عبد القادر الذي يملك محلا للملابس الرجالي في سوق الصالحية أن "غلاء الأسعار أكمل باقي عناصر المصيبة،فمن كان يستطيع أن يوفر شيئا من دخله لشراء ملابس أو حلويات،لم يعد يستطيع أن يوفي بهذه المتطلبات جراء ارتفاع الأسعار الذي يفوق التصور بالمقارنة مع مداخيل السوريين".

أما ليلى الخضر،وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال،فقالت إن زوجها الذي يعمل في مشغل للخياطة،لم يستطع شراء ملابس جديدة بمناسبة العيد،لأن "مرتبه يغطي فقط تكلفة قطعة جديدة واحدة فقط لكل فرد،لكن المشكلة أنه بذلك لن يبقى معه ما يستكمل به مصاريف باقي أيام الشهر،لذلك عيدنا هذا العام متشح بالحزن من جهة على شهدائنا وجرحانا الذين نعرفهم مباشرة أو الذين لا نعرفهم".

وتقول بتهكم والحرقة بادية على وجهها :"زوجي خياط لا يستطيع أن يكسي أسرته بشكل كامل للعيد.. أريد أن أبكي على حالنا جميعا كسوريين".

وقالت أم محمود،وهي في عقدها الخامس :"اعتدت أن أحضر لأسرتي في كل عيد حلوى العيد من عجوة ومعمول بجوز أو فستق،وفق طقس عائلي نتشارك فيه كل أفراد العائلة،بناتي وأزواجهن وأبنائي وزوجاتهم.. سأضطر في عيد الأضحى المبارك هذا إلى عدم فعل ذلك،غلاء أسعار هذه المواد لعدة أضعاف جعل زوجي يستغنى عن هذا التقليد بشكل كامل.. سنقضي هذا العيد شاكرين لله أننا لا نزال على قيد الحياة مستورين في منازلنا".

وتابعت أم محمود أن لها أربعة أبناء وبنتين بقي منهم اثنان بلا زواج ولا عمل وأن الضيافة ستقتصر على الشاي والقهوة رغم أن "سعريهما ارتفع بشكل كبير أيضا مع احتمال شراء نوع متواضع من السكاكر في حال سمحت الميزانية بشرائهم".

وفي أسواق دمشق،هناك نشاط حيث يتوافد عدد من الناس على الأسواق إلا أن مستويات الشراء في أدنى حالاتها،فأصحاب المحال يشكون دخول نحو مئة زبون في اليوم إلا أن من يشتري لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة كما يقولون.

ويقر محمد مسعود،العامل في أحد متاجر الملابس في سوق الشعلان الشهير في قلب العاصمة دمشق،بأن الأسعار مرتفعة بشكل كبير هذا الموسم وبشكل يزيد 100% عن العيد الماضي،إلا أنه يبرر ذلك بأن سعر التكلفة عليهم ارتفع أيضا بشكل مضاعف أيضا وكل شيء باتت أسعاره خيالية.

وارتفعت الأسعار في سورية عدة أضعاف لنقص في المواد وعدم توفرها أو ارتفاع التكلفة الأساسية لها،فضلا عن صعوبة نقلها بسبب الظروف الأمنية المتدهورة،إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار،الذي يعتبر "شماعة" يعلق عليها التجار كل أسباب رفع أسعار بضائعهم.

كما أدت الأوضاع إلى صعوبة تقديم المساعدة في الأعياد،حيث اعتاد العديد من السوريين،ومنهم أبو أحمد الجبان،الذي يعمل في مهنة النجارة،بتوزيع "خرجية" العيد على بعض أقاربه المحتاجين،إلا أن هذا العيد لن يستطيع أبو أحمد تنفيذ ما اعتاد القيام به أو حتى تقديم الأضاحي بالشكل المطلوب.

وأشار أبو أحمد إلى أن "العمل تراجع،وبالتالي انخفضت الإيرادات ما أدى إلى قلة الدخل الذي بالكاد يكفي تغطية مصاريف العائلة".

ويقول :"مع انخفاض الدخل زاد حجم الأعباء المالية المترتبة بسبب غلاء الأسعار ومضاعفتها عدة مرات"، ويأسف أبو أحمد على الحال الذي وصلت إليه البلاد،متذكرا أيام "الزمن الجميل"، حيث "كان الخير يكفي الجميع،الله لا يسامح من كان السبب".

من جهتهم،يصر مسؤولون حكوميون على أن الحكومة تعمل على ضبط الأسعار وإعادتها إلى مستواها الطبيعي،وخاصة قبل حلول عيد الأضحى،لكن الأرقام لا تذهب إلى ما تعلن عنه الجهات الرسمية.

وأدت الحرب الأهلية في سورية المستمرة منذ عامين ونصف العام ، وما صاحبها من انعدام الأمن وصعوبة التنقل في العديد من المناطق،إلى تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد مع انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار،وارتفاع الأسعار ونسب التضخم والبطالة،فضلا عن فرض عقوبات اقتصادية دولية على البلاد.