كتب - المحرر السياسي - منذ أن أسس الشيخ حسن البنا جماعة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928، وهي تتبنى مفاهيم اصلاحية شاملة في مناحي الحياة كافة بما يتوافق والشريعة الاسلامية السمحة، والتي تراعي المجتمعات غير الاسلامية وتنظم طبيعة العلاقة معها وفق اسس العدالة والحق .
الى هنا تبدو المفاهيم مقبولة، وهو ما أدى الى سرعة انتشار هذه الجماعة في اكثر من 72 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست، الا ان ما نشهده هذه الايام في جمهورية مصر العربية، يتناقض تماما مع ما تم طرحه ابتداء, من شعارات ومنهج، وهو ما يشكل خروجا واضحا بل فاضحا، يهدف الى الاستئثار بالحكم ولو بالدم .
فقد كشفت تجربة حكم الاخوان المسلمين في مصر والتي استمرت لعام كامل الفشل الذريع في ادارة الدولة داخليا وخارجيا، وتفاقم المشاكل واحراج البلاد عالميا، لتنفجر الثورة الثانية في وجه حكمهم، وتطيح بهم الملايين من الميادين.
ان فشل الرئيس السابق محمد مرسي، في توحيد الشعب المصري خلال فترة حكمه، وزيادة الانقسام، جاء نتيجة سياستهم التي لا تتواءم وتطلعات الشعوب بكافة الوانها ومعتقداتها، فعندما يجلس مرسي على كرسي الحكم في مصر، فمن المؤكد انه رئيس للمصريين كافة، لا رئيس لفئة على حساب فئة، مما زاد الكراهية والغضب تجاه حكمه، وهو ما ينم عن قلة خبرة وجهل في السياسة .
كما واجهت، سياسة «الاخونة» المتسارعة لمؤسسات الدولة ، رفضا شعبيا واسعا، حتى ممن ووقف معهم بالامس ، بل اقرب حلفائهم المتمثل بحزب النور الاسلامي السلفي ، آثر الوقوف الى جانب الشعب وخارطة الطريق التي اعلنها الجيش بالاتفاق مع الشعب المصري .
وتعتبر دعوة الرئيس مرسي مؤخرا الى الجهاد في سوريا، وقطع العلاقات مع دمشق، القشة التي قصمت ظهر البعير، لان هذه الدعوة مثّلت دعما واضحا لجبهة النصرة التي تستمد فكرها ونهجها من تنظيم القاعدة التكفيري،وأحرجت الجيش المصري، الذي سارع بإصدار بيان توضيحي الى ان مهمة الجيش هي الحفاظ على امن وحدود الوطن، في اشارة ضمنية للتنصل من تصريحات رئيس الدولة.
ان ما تعرضت له جماعة الاخوان الام في مصر ، ترك اثرا كبيرا على فروعها في العالم الاسلامي خاصة في الاردن، حيث سارعت قيادة الجماعة في المملكة الى اصدار بيانات صحفية تؤيد مرسي، وتشبهه بأحد الصحابة رضوان الله عليهم، وكأن الاسلام ينحصر في الجماعة فقط، وما دون ذلك خارج عن الملة، وان تطبيق الشريعة، والمنهج الاسلامي ينحصر بهم وحدهم، مما عزز سياسة الاقصاء في منهجها، وسلوكها.
انتفاض جماعة الاخوان في الاردن واصطفافها قلبا وقالبا، مع اخوان مصر، يكشف بوضوح، مدى الترابط الاداري والسياسي، بين الجماعتين، ولطالما نفت جماعة اخوان الاردن هذا، وان « كتاب الاستغاثة» الذي تلقاه قادة في اخوان الاردن من اشقائهم المصريين ويدعوهم فيه الى التظاهر بزخم في الساحة الاردنية لنقل المشهد من القاهرة الى عمان، دليل اخر على الارتباط السياسي والاداري بين الجماعتين .
لم تعط الاحداث المتسارعة جماعة الاخوان في الاردن الوقت الكاف لدراسة « كتاب الاستغاثة» والنزول الى الشوارع الاردنية، فقد كان غضب الشارع المصري سريع وحاسم، في استعادة الحق وتحقيق العدالة وانهاء صفحة الاقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة .
من الخطأ الفادح الاعتقاد ان ما يتعرض له الاخوان هو هجوم على الاسلام، فديننا شامل وللناس كافة، ولا يقتصر على فئة، فالشعب المصري بل العربي اغلبه مسلمون وان كانوا لا ينتمون الى جماعة الاخوان، فمن المعيب ان تخطف الرسالة السماوية وتنحصر بفئة، ويهمش المجتمع،فلم يتورع الاخوان باقصاء العلمانيين فقط بل اقصوا من خالفهم في المنهج ونتحدث هنا عن حزب النور السلفي الذي ضاق ذرعا بسياسة الاقصاء التي انتهجها الاخوان واثر الانضمام الى الشعب المصري وتأييد ثورته.
وبات من المؤكد ان «الكرسي» غايتهم، ولو كان بالدم، كما اعلنوا في مصر ، وبات اخوان الاردن يرددون ذات الشعارات في الوقفات الاحتجاجية المؤيدة للرئيس المعزول مرسي، فقد اختلفت المبادئ التي رفعت عام 1928 لتستبدل ب « الحكم اسمى امانينا»، ولو كلف ذلك اندلاع حروب أهلية تطيح بالبلاد والعباد .
وأخيرا، ان ما جرى في مصر ، هو سقوط ذريع لتجربة الاخوان في الحكم، نتيجة قصور برنامجهم السياسي والاصلاحي، غير الناضج، ولا يصلح للشعوب العربية، فكان الاولى على تلك الجماعات، ان تتجنب الحكم، وتنتهج منهج الدعوة بالموعظة الحسنة، فان اصلحت فردا صلحت الاسرة ، وبالتالي المجتمع، الا ان واقعهم بعيد عن الحكمة والحنكة السياسية، مما سارع بوقوعهم في مستنقع الفشل منذ اللحظة الاولى
رد مع اقتباس
المفضلات