استرد المصريون ثورتهم..عادت اليهم آمالهم واحتفظوا للشهداء بمكانتهم في الصدارة، والذين اختطفوا ثورة 25 يناير وظنوا انهم فازوا بالجائزة الكبرى وراحوا يؤسسون لدولة الاقصاء والاستئثار والاستحواذ، وطبقوا نظرية مرشدهم السابق الشهيرة طز في مصر، باتوا الآن أمام ساعة الحقيقة، فلا يمكن ان تكون الديمقراطية بالنسبة اليهم سُلمّاً يصعدون به الى السلطة ثم يركلونه ويعيشون على وهم «الشرعية» المزعومة، فيما يزداد بؤس الذين فجّروا الثورة تطحنهم البطالة ويسحقهم الفقر والتهميش وتتآكل اجورهم امام غلاء الاسعار وانهيار الخدمات والمرافق العامة، ولا يعود همّ مدعي الشرعية سوى المضي قدماً في اخونة الدولة والتنكيل بالذين فجروا الثورة، وعندما التحقوا بها في ساعات انتصارها بعد أن كانوا قد عادوا من اجتماع خاص وسرّي مع عمر سليمان ( وما ادراك ما عمر سليمان)، كان برنامج التمكين قد وضع موضع التنفيذ وتولى مكتب الارشاد اخراج الخطة المعروفة من الادراج ولم يكن ساكن مقر الاتحادية إلاّ الصوت والصدى للذين اعتبروا ان الديمقراطية كالراكب في حافلة تنتهي علاقته بها من أول محطة..
استعاد شباب مصر وضميرها الحيّ والمعطاء ثورته، والملايين التي خرجت في ميادين مصر وساحاتها قالت قولتها ولم تكن المؤسسة العسكرية المصرية إلاّ كما كانت وفيّة لشعبها منحازة بدمائها وتراثها المجيد الى شعب مصر وترابها..
لن يتمكن الاخوان المسلمون بعد الآن من الادعاء بأنهم لم يأخذوا فرصتهم، بل ان احداً في تاريخ مصر لم يتوفر على فرصة كتلك التي سنحت للاخوان لكنهم عاشوا لحظة الانبهار ولم يصدقوا انهم خرجوا من كهوف المعارضة الى فضاء السلطة بعد ان خدعوا البسطاء بأنهم ظلموا وانهم دفعوا الثمن الافدح وانهم الاوسع شعبياً حتى اذا ما وصولوا الى سدة الرئاسة، فانخرطوا في عملية انتقام وتصفية حسابات مع الذين فجروا الثورة واداروا ظهورهم للشهداء وراحوا يفصلون دستوراً على مقاسهم بعد ان حصن الرئيس المعزول قراراته وحال دون اي اعتراض او مقاضاة ولم يلبث ان اوعز لانصاره بمحاصرة المحكمة الدستورية وجلب المزيد من بلطجية الجماعة والحزب ومن اصطف الى جانبهم من الجماعة الاسلامية ذات الجذور التكفيرية والجهادية التي سفك اعضاؤها دماء المصريين وضيوفها، كي يهتفوا «اقتل واحد.. اقتل مية مش حنسيبها للحرمية»...
اكتشف المصريون بعد سنة كاملة من الفشل والاوهام والادعاءات المزيفة باحتكار الدين وتوظيفه لمصالحهم ومشروعهم الاقصائي، سوء ادارة الاخوان المسلمين لبلدهم فخرجوا الى الميادين كي يقطعوا الطريق على الرئيس المخلوع للبقاء ثلاث سنوات اخريات لن تزيد سوى معاناتهم وفقرهم فكانت الصرخة التي ترددت اصداؤها في العالم اجمع ارحل وهي الصرخة التي قالوها لحسني مبارك فدخلت «ارحل» المصرية فضاء الاعلام والسياسة والدبلوماسية والعمل الجماهيري السلمي..
يخطئ الاخوان المسلمون اذا ما واصلوا الظهور بمظهر الضحية والزعم بان ما جرى هو انقلاب على الشرعية، بل هم الذين نقضوا العهد مع المصريين وارادوا تحويل المحروسة الى مزرعة لمكتب الارشاد وصفقات اثريائه وتجاره وكأنهم ارادوا فقط وضع خيرت الشاطر محل احمد عز .
خريطة المستقبل التي عرضها وطنيو مصر، شبابها وسياسيوها حظيت بدعم الازهر والكنيسة حرّي بأن يجمع ابناء مصر ويسهم في عبورها المرحلة الانتقالية التي شرح تفاصيلها وزير الدفاع المصري، اما محاولة افشالها او ادخال مصر في دوامة العنف والعرقلة على ما دأبت عليه حركات الاسلام السياسي التي لا تؤمن بثقافة الحوار والتعددية والشراكة بل هي في الاساس ودائماً تتبنى مقولة المغالبة وهذه بضاعة باتت فاسدة وغير قابلة للتداول في مصر الجديدة التي بزغ فجرها في الثلاثين من حزيران الماضي واشرقت شمسها هذا اليوم المجيد الرابع من تموز.
حمى الله مصر وعاش شعبها العظيم..