جاءت محاضرة جلالة الملك عبدالله الثاني التي القاها يوم امس في الكلية الملكية البريطانية الدفاعية شاملة وصريحة وواضحة تقرأ جيداً وعميقاً في الكتاب الأردني وتضيء على دبلوماسية فاعلة ونشطة يقودها جلالته بهمة واقتدار يراهن فيها على وعي الأردنيين وارادتهم الصلبة ويدافع عن الحقوق العربية والاسلامية بمبدئية وثبات ولا يترك مستقبل الشعوب في المنطقة رهينة للمصالح الضيقة.
كذلك استقطبت زيارة العمل التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني الى المملكة المتحدة وسلسلة اللقاءات والمباحثات التي عقدها مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزير الخارجية وليم هيغ وعدداً من رؤساء واعضاء اللجان في مجلسي اللوردات والعموم البريطاني اضافة الى لقاءات يوم امس والتي شملت قيادات سياسية وفكرية واكاديمية بريطانية اهتمام الدوائر السياسية والدبلوماسية والاعلامية وبخاصة في شأن ما اكد عليه جلالته بوضوح وصراحة حول مواقف الاردن الثابتة والمعلنة من قضايا وملفات المنطقة وعلى رأسها الازمة السورية التي اعاد فيها جلالته ما كان اعلنه الاردن منذ اندلاع الازمة وهو ضرورة ايجاد حل سياسي انتقالي شامل للازمة اضافة بالطبع الى الجهود المتصلة باتجاه عملية السلام وحشد المزيد من الدعم لهذه الجهود الرامية الى كسر الجمود في العملية السلمية ومساعدة الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي باستئناف المفاوضات المباشرة لحل قضايا الوضع النهائي وصولاً الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتي تعيش بأمن وسلام الى جانب اسرائيل وفق حل الدولتين - الأمر الذي يعني وبالضرورة كما اكد عليه جلالته وقف اسرائيل سياستها الاحادية الأمر الذي سيساعد على تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق دفع في العملية السلمية لأن الاستمرار في هذه السياسة يقوض مساعي وفرص تحقيق السلام ويرتب عواقب وخيمة على المنطقة.
ولئن حرص جلالته على ان تكون زيارة العمل الى بريطانيا مباشرة بعد انتهاء قمة الثماني التي استضافتها المملكة المتحدة خصوصاً ان لندن هي التي ترأس مجموعة الثماني اضافة الى ان جلالته كان بعث برسالة الى رئيس الوزراء البريطاني بالتزامن مع انعقاد القمة، فإنما للفت انظار الثمانية الأغنى في العالم الى ضرورة العمل في شكل جاد وعملي لمساعدة الأردن على تحمل الاعباء والمعاناة التي يتعرض لها جراء تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين وما تتحمله الخزينة الاردنية المستنزفة والمرهقة جراء هذه الاعباء لأن الأردن يقف في مقدمة الدول المتضررة من تدفق اعداد كهذه تستهلك وتستنزف موارده وامكاناته المحدودة اصلاً في ظل استضافته لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري على اراضيه..
في السياق ذاته جاء تحذير جلالته من اضاعة فرصة تحقيق السلام في المنطقة بعد ان كادت الامور ان تصل الى نقطة اللاعودة ما يعني ان الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ووزير خارجيتها جون كيري لتقريب وجهات النظر بين الطرفين والعودة الى طاولة المفاوضات يجب ان تستمر بالاضافة الى الاهمية التي توليها الدبلوماسية الاردنية لهذه الجهود وبالتوازي مع اهمية دعم المجتمع الدولي لها بما في ذلك بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي وعلى الجميع في اميركا واوروبا والعالم اجمع ادراك الحقيقة التي لن يستطيع احد اخفاءها والطمس عليهاوهي مركزية القضية الفلسطينية ووجوب ايجاد حل عادل ودائم وشامل لها..
زيارة العمل الملكية اسهمت في تعزيز علاقات الصداقة الاردنية البريطانية والارتقاء بها في مختلف المجالات وخصوصاً المجالات الاقتصادية ناهيك عما شكلته من فرصة للاضاءة على المشهد الوطني الأردني والتحولات الديمقراطية التي تحدث فيها بفضل مسيرة الاصلاح الشامل التي يعمل الاردن على تنفيذها بما يعزز النهج الديمقراطي ويسهم في تطوير الحياة السياسية - وهو ما اكد عليه جلالته في محاضرته الشاملة أمام نخبة من اساتذة وطلبة الكلية التي تحظى بسمعة عالمية كونها تعنى باعداد قادة المستقبل وتزويدهم بقدرات معرفية وتحليلية عالية عندما قال قائد الوطن ان الربيع العربي شكل فرصة للاردن للمضي قدماً في اصلاحاته وتسريع وتيرتها ما يحقق آمال الاردنيين في مستقبل افضل من خلال تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار وترسيخ دولة القانون..
جملة القول ان محاضرة جلالة الملك ابرزت ما تم تحقيقه من انجازات سيتم استكمالها بعد ان قطعنا شوطاً مهماً وحيوياً في هذا الاتجاه وبخاصة بعد تعديل الدستور واقرار القوانين الناظمة للحياة السياسية وانشاء المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب وما تلا ذلك من اجراء انتخابات نيابية في الثاني والعشرين من كانون الثاني الماضي حظيت باشادة دولية ومحلية عكست شفافيتها ومدى نزاهتها..
ثم تم تتويج ذلك بطرح جلالته رؤيته للاصلاح عبر الاوراق النقاشية التي لقيت ترحيباً شعبياً وسياسياً وحزبياً نظراً لما انطوت عليه من افكار اصلاحية وارادة صلبة بالمضي قدماً في مسيرة الاصلاح.