الحمد لله الدائم وحده, والمحمود فضله, والباقي اسمه, والصادق وعده, والكل عبده, والصلاة والسلام على هازم الكفر, و إمام التقى والبر, وأشكر الناس على الخير, وأصبرهم على الضر سيدنا و حبيبنا محمد وعلى آله و صحبه عدد ما نزل مطر و ما نبت شجر.
أما بعد..
فإن الدوام لله وحده سبحانه, والفناء لسواه..و لا يسلم من الموت أحد, لا نبي مرسل, و لا ملك مبجل, ولا فقير مذلل..قال سبحانه وتعالى لحبيبه و سيد أنبياءه<إنك ميت و إنهم لميتون>..وقد تتعدد الأسباب لكن الموت قادم, لا يعرف السن فإنه ينال الصغير و الكبير,ولا يعرف المنزلة فإنه ينال الوزير و الفقير, ولا يعرف الحالة فإنه ينال الصحيح و السقيم, ولا يعرف المكان فإنه ينال أهل الشرق و الشمال كما ينال أهل الغرب و الجنوب ..وكل ذلك بتقدير الله و قضاءه, ولا حول ولا قوة إلا بالله..قال سبحانه<قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم>, ولا ريب أن موت الأحبة و رحيلهم يدمي و يؤلم القلوب , و يدمع العيون , ويضعف النفوس..فما لذة الحياة إلا مع من نحب ومن نرتاح لهم,أولئك الذين نسعد إذا حضروا و نشتاق إذا رحلوا ..لكن قد يسلبهم منا الموت, ويغيبهم عنا القبر بلا حس و لا صوت.. فما العمل? و ما الحل? ..أنعيدهم للحياة-أستغفر الله-فذلك لا لأحد إلا لله سبحانه و قد حكم سبحانه أن الموتى لا يعودون إلا يوم القيامة قال سبحانه<كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون>.. أنتسخط من قضاء الله وقدره ?-أستغفر الله-فذلك لا يفعله إلا ضعيف الإيمان الذي أضله الشيطان,ثم ما فائدة السخط?..لا شيء سوى الألم المتكرر,و اصابة الذنب بالسخط من قضاء الله ..فما الحل إذا?
الحل هو أولا: الرضى..!!
ماذا?! الرضى بموت الحبيب?
الرضى بموت القريب?
* أقول: (الرضى بقضاء الله)
نعم نرضى بقضاء الله و قدره, فقد قضى الله سبحانه الموت لهذا الإنسان الذي أحببنا وكل إنسان و هو في بطن أمه كما ثبت في صحيح مسلم عن رسولنا _صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_يأمر الله سبحانه الملك الموكل به أن يكتب له رزقه و أجله ¤ أي مدة عمره متى يولد و متى يموت¤..فهذا أمر الله قد حل بهذا الإنسان فيجب الرضى به , فما نحن إلا عبيده , والعبد يرضى دوما بما يكتبه مولاه عليه..ونتنبه إلى أمور:
1- قضاء الله على العبد كله خير وإن كرهه العبد , قال تعالى<عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم>..فالله سبحانه قد يبتلي عبيده بأمور و أحوال فيها حكمة تجلب لهم الخير عاجلا أم آجلا
2- الرضى بقضاء الله يزيل الهم و الغم من القلب و يجلب السعادة للحياة و يطهرها
..فالرضى الرضى بما قضاه الله و اختاره, لينالكم الأجر , و يغفر لكم الوزر..وإياكم والسخط فإنه لن يعيد الغائب و لن يزيد الناقص و لن يجلب إلا التعب , وقولوا <ربنا آمنا فاغفر لنا> وقولوا<الحمدلله >..فمن الناس من هم أشد مصيبة منكم وأشد بلآءا فصبروا و احتسبوا..فاستحوا من الله سبحانه أن لا تكونوا مثلهم واعلموا أن الله لن يضيع أعمالكم.
والحل ثانيا -رحمكم الله- لهذه المصيبة هو : الصبر.. قال سبحانه<ولنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين> ¤البقرة/155¤ وقال_صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_<الصبر ضياء>.
و ما أدراكم ما الصبر!..لقد صبر أيوب_عليه السلام_على موت أولاده, و مرض جسمه , و فقد ماله .. فرد الله عليه ذلك بل أفضل منه, وصبر يعقوب _عليه السلام_على فقد يوسف _عليه السلام_غلاما صغيرا,فرده الله إليه كبيرا وزيرا, وصبر محمد_صلى الله عليه و آله و صحبه و سلم_على موت خديحة و عمه و أولاده وأصحابه و إيذاء قريش و اليهود والكفار,فنصره الله حتى مكنه وأيده وثبت به دينه الحق..أفلا تصبرون على فقد حبيب?! ثم ألا تعلمون أن الذي يفقد حبيبه و صفيه من الدنيا ثم يصبر يجزل الله سبحانه ثوابه دنيا و آخرة..قال _صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_<يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة>رواه البخاري..فهاهي الجنة تزف لمن إتقى ربه و صبر على فقد حبيبه و قريبه فلا تضيعوها بالجزع و التسخط من قضاء الله..فاصبروا رحمكم الله,واعلموا أن الصبر إنما يكون عند أول المصيبة .. وحينها يزيد ثوابه و تبرد الالام و تنشرح النفس وأهم من ذلك فإنه يرضي الله سبحانه و يجلب رحمته و توفيقه و مغفرته..قال_صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_ للمرأة التي كانت تبكي عند قبر ولدها:<إنما الصبر عند الصدمة الأولى>..فأطيعوا الله جل شأنه,ورسوله_صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_ واصبروا صبرا جميلا ينالكم ثوابه و يخفف عنكم مصيبتكم.
والحل ثالثا هو الإحتساب.. أي إحتساب ما أصابكم عند الله وأن تنالوا الأجر عليه و كذلك يناله بإذن الله ميتكم-رحمه الله- وقد أرسلت إحدى بنات رسولنا الحبيب _صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم_تطلبه لأن إبنها يحتضر أي في ساعة الموت فكان من ما أرسل إليها <..فلتصبر و لتحتسب>متفق عليه, واحتساب الفقيد يشعر المصاب بفقده بالراحة إذا أنه يحس أنه كسب لا فقد , فهو مأجور في مصيبته, ولم يذهب فقده له هبآء..فاصبروا واحتسبوا-غفر الله لنا ولكم-.
والحل رابعا هو الإيمان بالإبتلاء.. فالله سبحانه جعل البلاء مكفرا لذنوب عباده, و مقويا لهم على الصدمات, ودافعا لهم على تحمل مشقات الدنيا..وأشد الناس بلآءا هم أنبياء الله_عليهم الصلاة و السلام_ فكيف بنا نحن ?! فاعلموا أن هذه المصيبة هي إبتلاء و إختبار من الله فيها إن شاء الله كفارة لميتكم و لكم..فابشروا بالخير, وأحسنوا التعامل مع هذه البلية بالصبر و الرضى و الإحتساب...وأنتم لستم أول و لا آخر من أبتلي ولا بليتكم هي أكبر البلايا..بل البلية الكبرى هي معصية الله و من معصيته عدم الرضى بقضاءه و التسخط من بلاءه فأحسنوا الظن بالله وأكملوا اليقين بفضله و توكلوا عليه.
والحل خامسا: الإيمان بقدر الله خيره و شره, و من الإيمان بذلك الإيمان أن ما أصابكم كان لابد من حدوثه, ولا مفر من وقوعه ويلزم الصبر عليه وإحتسابه..واعلموا-يرحمنا و يرحمكم الله-أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يقوم الدين إلا بها و في الحديث:<أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره>رواه مسلم..فما أصابكم من قدر الله فآمنوا به بالرضى و الصبر و الإحتساب.
والحل سادسا هو الإيمان باليوم الآخر أي يوم القيامة الذي هو ركن من أركان الإيمان..وفي يوم القيامة يجزي سبحانه عباده الصابرين و يجمعهم بأحبابهم في جنات النعيم حسب أعمالهم, فاعلموا أن فقيدكم لابد أن تلقوه, وأن بعد الموت حياة فيها سعادة لمن أطاع الله..فإن كان فقيدكم ممن رضي الله عنهم -وعسى أن يكون-فعلام تجزعون و تحزنون و قد أقدم إلى خير مكان و خير رفيق بقي عليكم العمل للحاق به وما عليكم له إلا فعل الخير و الدعاء..فاتقوا الله تنالوا رضاه..
وأخيرا..لا بأس بإظهار الحزن على فقد الأحبة و لا بأس بالبكاء دون صراخ و شق ثياب و نواح, وقد سالت الدموع من عينه_صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم_على موت ابنه لكنه قال<ولا نقول إلا ما يرضي ربنا>..فلا تعيشوا في الحزن دائما, ولا تنظروا إلى الأمر بنظرة سوداوية مليئة بالتشاؤم و التعب..فما هو آت خير إن شاء الله مع الرضى بقضاء الله و الصبر عليه و إحتساب ما أصابكم عند الله و الإيمان أنه مقدر لا مفر منه وأن يوم القيامة ستجزون عليه بإذن الله و من رحمته أحسن الجزاء.
المفضلات