وليد سليمان - من المعروف ان أشغال السمكرة يعود تاريخها لمئات السنين , وقد عاشت كمهنة وفن يأبى الاندثار ، مثلها في ذلك مهنة الحدادة ،والخط العربي، و محلات الطعام والشراب وغير ذلك .
ومن يتذكر جولات « السمكري» في حواري عمان ، حاملا معداته وادواته البسيطة ، يطرح سؤال الطفولة :
- هل هناك فرق بين السمكرة والحدادة ؟.
إن مهنة الحدادة تُستعمل فيها مادة الحديد .. بينما مهنة السمكرة تُستعمل فيها ألواح الصاج المجلفن وكذلك ألواح الستانلس ستيل .
هناك الكثير من أدوات الاستعمال المنزلي المصنوعة من الصاج ومنها ما زال حتى الآن مستعملاً في حياتنا .. حيث لا غنى عن تلك الادوات رغم التقدم التقني الحاصل هذه الأيام .
و حدثنا أحد المشتغلين بمهنة السمكرة « احمد مقبل « قائلاً :
إن خالي محمود يوسف حمام يُعتبر من أحد أقدم السمكرية في مدينة عمان منذ بداية الخمسينات.. فقد عمل بداية في محل رشيد البابا الشهير بشارع الملك طلال .. لكنه وفي العام 1957 أفتتح أول محل للسمكرة في منطقة شارع مأدبا _ الوحدات , وكان خالي يصنع في تلك الفترة القديمة - من ألواح الصاج - العديد من صوبات الحطب وأباريق الماء الخاصة بالوضوء ، ثم تصليحها مثلاً إذا ما بدأت تسرب الماء، حيث كان يستعمل الادوات التقليدية القديمة في عمله مثل المطارق المعدنية والخشبية والمقصات اليدوية والملازم والسندان ومكاوي النحاس القديمة وماء النار والنشادر والقصدير للحام قطع الصاج ، ويستخدم مسامير التبشيم وبالذات عندما يصنع أيدي سخانات الماء وأبواب تنكات الماء الصغير أيضاً , حتى انتقل بمحله الى شارع الثلاثين .

أهمية السمكرة
وإذا ما نظرنا من حولنا في البيت مثلاً فإننا سوف نلاحظ ورغم هجمة مادة البلاستيك بشكل كبيرفي حياتنا الحاضرة الذي غزا الكثير من الأدوات.. إلا انه ظل لمادة « ألواح الصاج « مكانتها .. وإن تراجعت قليلاً أو كثيراً .. فلا بد مثلاً من وجود سخانات الماء اليدوية , وصوبات السولار وبواري الأدخنة , وكوانين الفحم للشواء وملاقط الفحم , وصناديق ساعات الماء والكهرباء وهياكل السخانات الشمسية على أسطح المنازل , وبعض هياكل صوبات الغاز , وأوعية رش أزهار الحدائق , وأفران الغاز بشتى أحجامها .

في المحلات التجارية
أما خارج البيت فهناك أيضاً العديد من استعمالات منتوجات وأشغال السمكرة التي تصنعها مشاغل السمكرة في عمان والتي يبلغ عددها اكثر من خمسين مشغلاً متفرقة هنا وهناك .
وأشار احمد مقبل _ وهو يقوم بصنع صناديق من ألواح الصاج وهي صفائح حديدية رقيقة حتى يسهل ثنيها وتشكيلها كما يريد بواسطة أدوات وآلات عديدة وحديثة لديه ومنها التي تعمل باليد ومنها بالكهرباء _ ان عالم الصاج كبير ومتعدد التصنيع والفوائد والاستعمالات البشرية .
فالصاج في بعض مجالات العمل والحياة لا يمكن الاستغناء عنه أبداً , ومن أمثلة ذلك :
تدخل تلك الادوات التي نصنعها من الصاج في مزارع الدجاج : معالف ومشارب ومبايض الدجاج ،ومداخن المخابز وبواري والتدفئة المركزية وتمديداتها والعزل الحراري، وكذلك خزائن العدة وخزانات الماء الصغيرة الخاصة للشاحنات الكبيرة حيث يستفيد منها السائق في رحلاته وسفراته البعيدة للشرب وغسل الاشياء .
السمكري الفني مقبل اوضح : ان هذه المهنة فيها من الفن والذوق الكثير... فلا يستطيع أي شخص إتقانها لأنها تحتاج إلى تدريب وخبرة طويلة من السنين .. فمن يستطيع ان ينتج دلة قهوة كبيرة أو صغيرة وبشكل جميل ومزخرف هو اقرب إلى الفنان المبدع ،وكذلك
فوانيس الإضاءة بالكاز مثلاً .
أدوات أخرى
وعالم السمكرة مدهش ومتعدد المنتوجات ذات الشكل الجميل والمفيد للاستخدام التجاري.. فالسمكري مثلاً يصنع أيضاً مختلف أحجام المحاقين ( الاقماع ) لتسكب من خلالها السوائل المختلفة و لصنع سخانات الماء في محلات البوفيه الخاصة بعمل الشاي والقهوة والمشروبات الساخنة ,وصناديق لحفظ الوثائق والصكوك الهامة كما في بعض البنوك. والأغراض و الادوات المصنوعة من الصاج والستانلس ستيل، لا تصدأ أبداً كالأدوات المصنوعة من الحديد مثلاً ومشاغل السمكرة في عمان دخلت فيها الاجهزة الكهربائية والآلات الحديثة التي تنجز الادوات والأعمال بشكل اكثر إتقاناً وسرعة مثل اللحام الآلي والكبس الكهربائي والتبشيم الآلي السريع والمقصات الكهربائية الضخمة .. كذلك اللي والثني بواسطة الأجهزة الضخمة الخاصة , وهناك أيضاً المناشير والمبارد الآلية الحديثة . كل ذلك له ذكرياته في حارات عمان ،اهلها وتجارها وكل من كان يزورها.