عمان - منال القبلاوي - يحرص (أبوعلاء) 40 سنة حين يدخن الارجيلة في المنزل يوميا ان يفعل ذلك على البرندة صيفا وفي المطبخ شتاء بعيدا عن أطفاله كي لا يتسبب بالضرر الصحي لهم إلا انه يوزع مهام إعداد وتجهيز الارجيلة على أبنائه الثلاثة .
فـ(علاء) البالغ من العمر عشر سنوات عليه تجهيز الارجيلة ووضع الفحم على النار فيما المطلوب من (محمد ) ست سنوات تعبئة وتجهيز الرأس بالمعسل ويبقى على (عمار ) 4 سنوات ان يثقب القصدير الموضوع على الرأس ثقوبا صغيرة بشكل صحيح .
فيما اشترى (أبوسيف) ارجيلة صغيرة لابنته( زينة) البالغة من العمر سنتين كي تلعب بها وتكف عن المطالبة باللعب بارجيلته حينما يؤرجل ليلا يوميا كي لا تزعجه.
أما(أبو فيصل) 50 سنة فانه يمرر بكيت الدخان بينه وبين زوجته وابنهما البالغ 18 سنة مبررا ذلك بقوله «ان يدخن ابني أمامي خيرا من ان يدخن من ورائي» .
ويعد فتح المجال أمام مساهمة الأبناء في إعداد الارجيلة أو إحضار نفاضة للسجائر أو السماح لهم بالتدخين مرفوض من حيث المبدأ انطلاقا من( النموذجية أو الملاحظة أو التقليد ) وفقا لأخصائي تربية الطفل في الجامعة الأردنية الدكتور رمزي هارون ، حيث ان هنالك نموذجا في حياة كل طفل للشخص الذي يتم ملاحظة سلوكه مرارا وبعدد مرات الملاحظة يصبح مقلدا لذلك السلوك ،
وفي حياة الطفل عدد كبير من النماذج يقتدي بها أولها على الإطلاق نموذج الوالدين في أول ست سنوات فيميل الطفل الذكر لتقليد أبيه فيما تميل الطفلة لتقليد أمها كل حسب جنسه ثم يأتي تقليد نموذج الرفاق لغاية 9 سنوات .
وبحسب هارون فان العادات تكتسب بالنمذجة ( الوراثة الاجتماعية )ولذلك فان احتمالية إقبال الأطفال عندما يكبرون على التدخين تكون اكبر في حالة نشأتهم في اسر مدخنة .
وتزيد الخطورة عندما يقدم الأب أو الأم كل التفاصيل المتعلقة بالتدخين وكأنها أمور عادية ويمكن للأطفال المساهمة فيها .مقدمين دليلا قويا وغير معلن للأطفال على ان التدخين مسموح وبذلك تتحول العادات السلبية إلى أمور عادية وتنخلق الألفة بين الطفل وعادة التدخين فيصبح الطفل أكثر جرأة على التدخين بطريقة غير مباشرة .
وبحسب هارون فعلى الأهل (التوقف عن التدخين) كي لا يكونوا ( نماذج سلبية أمام الأبناء ولا يطلبون منهم أية مساعدة في إعداد التدخين وتحضير الارجيلة ليحموا أبناءهم من هذا الشر .
ويتعدى موضوع إشراك الأطفال في عملية إعداد وتحضير الارجيلة وجلب السجائر من دائرة التأثير الاجتماعي و التقليد والمحاكاة إلى دائرة التأثير الصحي الخطير .
فالطفلة ( مايا ) خمس سنوات ورغم مراجعتها طبيب الأطفال أكثر من مرة وتناولها أدوية المضادات الحيوية و السعال كاملا إلا أنها تعاني من الالتهاب الحاد والمزمن للأذن الوسطى و السعال المستمر وتراكم البلغم في حلقها بكثرة الأمر الذي حير أسرتها إلى أن سأل الطبيب الوالدين هل أحدكما مدخن ليجيب كلا الوالدين بالإيجاب .
وبدأت حالة (مايا) بالتدهور نتيجة تعرضها للتدخين السلبي من خلال تدخين كلا والديها بشكل يومي داخل غرفة المعيشة البالغة مساحتها 4في 3 متر مربع دون تهوية تذكر .
وتعد فئة (الأطفال) الأكثر تضررا بالتدخين السلبي نظرا لصغر رئاتهم مقارنة مع الكبار وعدم اكتمال نمو جهازهم المناعي وعدم قدرتهم باتخاذ قرار ترك الغرفة المعبأة بدخان الآخرين أو الاعتراض. ووفقا لتصريح سابق لمدير الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الدكتور بسام حجاوي فان تأثير التدخين يبقى في الغرفة مدة عشر ساعات بعد إطفاء السيجارة الأمر الذي يظهر حجم خطورة التدخين السلبي على الآخرين وتحديدا الأطفال .
الأمر الذي تحذر معه وزارة الصحة من ازدياد خطر التدخين غير المباشر على الأطفال في حالة تعرضهم بشكل يومي للتدخين السلبي في البيت مطالبة الوالدين بالتوقف عن التدخين في البيوت والسيارات الخاصة حول الأطفال إضافة إلى الطلب من الزوار والأقارب بعدم التدخين داخل البيت من اجل سلامة الأطفال حيث يستنشقون مواد كيميائية وسموما ضارة ناتجة من الدخان أكثر بالنسبة لكل كيلوغرام من وزنهم مقارنة ما يتنفسه الكبار في الوقت نفسه . ووفقا لدراسة الجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين بعنوان (دراسة أجيال صاعدة بلا تدخين ) فان التدخين السلبي ينتج عن استنشاق الشخص غير المدخن الدخان المنبعث من طرف السيجارة المشتعلة في فترة عدم الشفط أو الدخان الكثيف المنبعث من فم المدخن وأنفه بعد ترشيحه في رئتيه وخروجه مع الزفير والدخان المتبقي في المكان المغلق الذي تم فيه التدخين .
وبحسب الحجاوي فان التدخين غير المباشر يحتوي على مزيج من( 4000 ) مادة كيميائية وغازات تحتوي على مهيجات ومواد سامة و مسرطنة ومسببة للطفرات الوراثية .
وللتدخين السلبي نوعان من الآثار على الصحة (طويلة المدى ) وأخرى (حادة ) والمتمثلة بـتهيج الأغشية المخاطية في العين والأنف والحنجرة , الحساسية في العيون ,الصداع ,الغثيان والدوخة. إضافة إلى أضرار حادة في وظيفة القلب والدورة الدموية نتيجة استنشاق أول أكسيد الكربون الموجود في دخان التبغ ,وهو غاز سام يلتصق بهيموجلوبين الدم مما يؤدي إلى انخفاض قدرة الدم على تقبل الأكسجين اللازم لحيويته .
فيما تتمثل الآثار طويلة المدى بـقصور في الوظيفة التنفسية , زيادة نسبة الإصابة بسرطان الرئة, زيادة نسبة الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية ,ازدياد حدة المرض عند المدخنين المصابين بأمراض الربو والجيوب الأنفية والأمراض القلبية الوعائية ونزلات البرد والحساسية.
وعن أثر التدخين غير المباشر على صحة الأطفال تبين الدراسة انه يجعلهم أكثر عرضاً للإصابة بالتهابات القصبة الهوائية وذات الرئة وأمراض تنفسية أخرى , الالتهاب الحاد والمزمن للأذن الوسطى ,التسريع في إحداث نوبات الربو عند الأطفال المصابين بالربو و التسبب بالإصابة بالربو عند الأطفال الأصحاء.
إلى ذلك بين مدير مكافحة التدخين في مركز الحسين للسرطان الدكتور فراس الهواري ان الأردن يعد من أعلى دول المنطقة استهلاكا للسجائر بعد تونس واليمن . الأمر الذي يعد مقلقا وينذر بمواجهة مستقبلية لموجة من الأمراض المزمنة عام 2030 في الأردن .
وأكد ان الارجيلة تعد أكثر خطرا من السجائر بسبب طقوس إعدادها وتقبلها اجتماعيا و تجمع العائلة حولها.إلى جانب ان راس الارجيلة الواحد يماثل تدخين( 20-100 ) سيجارة
إضافة إلى أنها تحتوي الكثير من السموم والجراثيم التي تنتقل بين الأشخاص المستخدمين للارجيلة الواحدة .إلى جانب تأثيرها على الكلى والقلب ووظائف الرئة .
ويعد مرضي القلب والسرطان حاليا من أكثر الأمراض المسببة للوفاة محليا بنسبة 45-50% معا .
فيما تشير دراسات المجلس الأعلى للسكان انه في حال استمرار تعرض الأطفال في الأردن للتدخين السلبي بنسبة تزيد عن 60% فان أمراض القلب والسرطان والسكري والضغط والتنفس في ازدياد .الأمر الذي سيتحول معه شباب الأردن خلال العشرين سنة القادمة نتيجة تعرضهم المزمن للتدخين إلى عبء صحي واقتصادي ملموس .
و رغم حملات وسائل الإعلام التوعوية حول أضرار التدخين ورغم استبدال وزارة الصحة صورة الرئة المصابة بالسرطان بصورة أخرى أكثر رعبا وهي لشخص ميت ومكفن وممدد على رزم سجائر و تطبيقها قانون حظر التدخين في الكثير من الأماكن العامة والمولات والمطاعم وأماكن العمل الرسمية ودعوتها لوزارة المالية لمنع خفض أسعار السجائر . إلا ان غياب دور الأسرة والبيت في التنفير من الدخان والارجيلة وغياب ثقافة المجتمع ووعي المواطن يبقى هو الأهم والأكثر خطرا على الأجيال المقبلة .فالأب والأم هما القدوة للأبناء .
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمير محمود ابوزيد
المفضلات