في اشارة لا تخلو من دلالة دعا جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تسلمه نسخة من التقرير الذي اعدته الهيئة المستقلة للانتخاب الى ان تقوم الهيئة باطلاع جميع مكونات المجتمع الأردني على تجربتها والاستماع الى ملاحظاتهم وأخذها بعين الاعتبار..
هنا يضع جلالة الملك الامور في سياقها الطبيعي والذي يجب ان تسير وفقه عملية الاصلاح والتحول الديمقراطي الجذري والمؤسسي والحقيقي الذي كرسته رزمة قوانين الاصلاح التي تم اقرارها في العام الماضي وما سبقها من تعديلات دستورية تعكس جدية في الاصلاح ورغبة عميقة في المشاركة الشعبية كقانون المحكمة الدستورية والاحزاب والهيئة المستقلة للانتخاب التي شكل قيامها نقطة تحول حقيقية وميدانية هيأت الاجواء والمناخات لاجراء انتخابات نزيهة وشفافة وحيادية في الثالث والعشرين من كانون الثاني الماضي حظيت باشادة محلية ودولية..
ولعل ما انطوى عليه التقرير من تفصيلات ومعلومات ووقائع انتجتها الممارسة الفعلية للعملية الانتخابية على أرض الواقع قد وضعت الأردن على سلّم الدول التي تمارس الديمقراطية بوعي وإدراك عميق بأن التزام افضل الممارسات والمعايير الدولية الذي جسده عمل الهيئة قد أسهم في ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات والتي وصلت الى مستوى جيد رغم بعض الدعوات المعزولة للمقاطعة من قبل بعض الاحزاب التي كان بمقدورها ان تُسمع صوتها وان تطرح وجهة نظرها عبر المنابر والمؤسسات الشرعية المنتخبة على نحو يجعل لرأيها ومواقفها قيمة وأثراً لدى الجمهور.
وإذ جاء قيام الهيئة بتسليم جلالة الملك تقريرها المفصل والمدعم بالارقام والرسوم البيانية حول سير العملية الانتخابية والملاحظات التي تقدم بها المراقبون الدوليون بهذا الشأن وفقاً لقانون الهيئة الذي الزمها اصدار تقرير نهائي تفصيلي كهذا وعن كل عملية انتخابية نيابية بجميع مراحلها كما يجب التنويه الى ذلك، فإن من المهم هنا بل والضروري التوقف عند ما لفت اليه جلالته في ضرورة استفادة السلطة التنفيذية والتشريعية من تقرير الهيئة عن الانتخابات بهدف تطوير الأداء بشكل مستمر الأمر الذي يعني ايضاً ان التجربة الاولى هذه في الخطوة النوعية التي شكلها قيام الهيئة المستقلة للانتخاب لن تتوقف عند 23 كانون الثاني 2013 بل ستشهد عمليات تطوير وتجديد واستخلاص للدروس والعبر التي اسفر عنها انجاز الهيئة المستقلة للانتخاب مهمتها بنجاح وبخاصة انها بدأت من الصفر بمعنى ان المهمة التي انيطت بها حملت معنى التحدي وان المطلوب هو اقناع الاردنيين بأن صوت كل فرد منهم هو الذي سيحسم وهو الذي سيقرر ولن يكون هناك من يقرر عنه او يسلبه حقه في التعبير عن رأيه عبر الصندوق الزجاجي الذي يتم فرز اصواته في مقر المركز الانتخابي وأمام الجميع..
لهذا كله ومن أجله عملت الهيئة المستقلة التي تضم كفاءات وخبرات وطنية مشهوداً لها بالنزاهة والكفاءة والمسؤولية كما حظيت بثقة جلالة الملك في رسالة وجهها جلالته الى رئيس واعضاء الهيئة، كي يكون تقريرها شاملاً ودقيقاً ومدعماً بالأرقام بعيداً عن الاستفاضة أو الاطالة او المبالغة او محاولة الطمس على اوجه القصور او غياب الخبرة لدى بعض اعضاء اللجان او من المراقبين او المتطوعين..
الحال كذلك فإن الوقت قد حان لمن يهمه الأمر في هذا الشأن سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية أن تستفيد من تقرير الهيئة المستقلة وملاحظاتها وتوصياتها كذلك في تنفيذ دعوة جلالة الملك في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الامة السابع عشر الى مراجعة قانون الانتخاب بناء على تقييم التجربة ومراجعة نظام الانتخاب بحيث يحظى بالتوافق ويعزز عدالة التمثيل ويمكن الاحزاب من التنافس بعدالة ويرسخ تجربة الحكومات البرلمانية وهي قضايا وملفات ومهمات يجب ان تحظى بالاولوية وتأخذ صفة الاستعجال، لتكريس الأردن دولة ديمقراطية تعددية تحترم فيها حقوق الانسان والحريات ويشكل نموذجاً يحتذى في المنطقة بأسرها.
رد مع اقتباس
المفضلات