يأتي اهتمام جلالة الملك عبد الله الثاني بنشر ثقافة ريادة الاعمال وفق رؤية مستقبلية ، بهدف تحفيز الشباب على إقامة مشروعات ريادية ناشئة تسهم في بناء اقتصاد نوعي قادر على دخول الأسواق العربية والعالمية.

ويرى مهتمون بريادة الاعمال ان وجود الطاقات الشبابية الريادية يسهم في ايجاد سبل للتقدم الاقتصادي والمهني ، حال توفر بيئة صحيحة ضمن منظومة رواد الأعمال وتوجيهها باتجاه هذه الرؤية المستقبلية التي تسهم بتحويل الافكار إلى مشروعات تعود على المملكة والمنطقة بالفائدة والتنمية الاقتصادية.

الرئيس التنفيذي لصندوق (أويسيس500) الدكتور أسامة فياض يرى ان الاهتمام الملكي بالريادة ينبع من ادراك جلالته بضرورة احداث حركة نوعية لايجاد مجالات أعمال جديدة في نطاق تكنولوجيا المعلومات التي يتميز بها الأردن .

ويبين لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) ان أفضل طريق لتوفير الوظائف العالية النوعية هي عبر ايجاد شركات جديدة تستغل فرص النمو الكبيرة المتوفرة في حقل تكنولوجيا المعلومات خاصة الانترنت والجوال، فهذه المجالات لا تحتاج الى استثمارات كبيرة، بل لموارد بشرية وابداع فكري.

ويضيف ان أهمية نشر هذه الثقافة تأتي لدورها الكبير بتعريف الشباب بوجود فرص أخرى متاحة غير المتعارف عليها، بحيث يكونوا جزءا من ايجاد بيئة جديدة للأعمال في الأردن بدلا من انتظار فرص عمل قد لا تأتي، بينما الفرص في نطاق تكنولوجيا المعلومات الذي يمثل الابداع والابتكار هي فرص نمو اقتصادي حقيقي له مجالات جديدة.

ويبين اننا بحاجة الى دعم حاضنات الاعمال عن طريق العمل على تسويق هذه الأفكار للشباب الأردني وتعريفهم بمدى أهمية الحاضنات لدعم المشروعات الصغيرة حيث تقدم معظمها خدماتها لرواد الأعمال بأسعار زهيدة من اجل المضي قدما في توفير بيئة مناسبة للشباب الريادي وتنظيم ندوات ومحاضرات تساعدهم على البدء في أعمالهم، اذ ان ريادة الأعمال عبارة عن مجموعة من عادات وثقافات يمكن لأي شخص أن يكتسبها ويتقنها عن طريق التدريب المناسب .

ولتعميم التجارب الريادية على جميع المحافظات يقول الدكتور فياض: قمنا (بأويسيس 500) بعقد ندوات في محافظات الشمال من خلال حاضنات الأعمال الموجودة فيها والجامعات على حد سواء لتعريف الشباب الأردني بالمشروعات والخدمات التي نقوم بها وتحفيزهم على بدء شركاتهم الخاصة اضافة الى استقطاب واستهداف المؤهلين في جميع محافظات المملكة .

ويشير الى انه تم اطلاق برنامج سفرائنا في المحافظات ابتداء من اربد وقريبا في البلقاء ومادبا وباقي المحافظات .

ويرى ان الفوائد المرجوة من الريادة تتمثل بتوجيه الاقتصاد الأردني نحو فرص نمو في نطاق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والعمل على ايجاد فرص عمل جديدة والحد من البطالة عبر ايجاد شركات جديدة وخطط نمو مستمرة وليس فقط وظائف واستقطاب استثمارات خارجية للشركات الأردنية لتوسعة أعمالها ومساعدتها على المنافسة على صعيد دولي ، وانشاء شركات ذات مستوي عالمي يفتخر الأردن بها .

وحول مستقبل الريادة يشير فياض الى ان مستقبلها واعد حيث أنها ذات مجالات جديدة ولا تحتاج إلى استثمارات كبيرة , انما تعتمد بشكل رئيسي على الموارد البشرية التي يتمتع الأردن بوفرتها في مجال تكنولوجيا المعلومات .

ويقول مسؤول التحالف الوطني للريادة ليث القاسم ان أهمية نشر ثقافة الريادة مرتبطة بدورها بمواجهة التحديات الاقتصادية من خلال معالجة العجز التجاري، والعجز في موازنة الدولة ، مبينا انه بدعم فئة الرواد لتطوير شركات جديدة منافسة دولياً، ستنمو شركاتهم تلبية للاستهلاك الخارجي وتزيد فرص عمل المواطنين وبالتالي فإن ثقافة الريادة تكمن بالقول " إذا لم يكن المواطن جزءا من الحل , فنحن جزء من المشكلة" .

وينظر القاسم الى حاضنة الأعمال كمكان لاقامة الرواد (الافراد والشركات) حيث يمكنهم تطوير افكارهم الجديدة بالتخفيف من المصاريف على الرواد عن طريق إشراك عدد منهم بالبنية التحتية ذاتها وفي تحمل التكاليف الإدارية المشتركة ، ويسهم وجود الرواد بمكان واحد في زيادة التعاون فيما بينهم من حيث الاستثمار المشترك وبناء سلسلة القيم .

ولتعميم التجارب الريادية على جميع المحافظات يرى انه يجب تحديد الرواد الناجحين وعرض قصص نجاحهم على الرواد العاملين في المحافظات المختلفة، إذ يوجد في الأردن عدة تجارب خاضها الرواد بنجاح بحيث ستكون مثالا يحتذى به من قبل الرواد الموجودين في المحافظات لتشجيعهم على السير في طريق النجاح ذاته وتمكينهم من مواجهة التحديات.

ويشير القاسم الى ان الحركة الريادية الناجحة تؤدي إلى تطور الحركة الاقتصادية من خلال ايجاد فرص العمل، وتطوير المنتجات والخدمات المنافسة القابلة للتصدير من خلال بناء سلسلة القيم (القيمة المضافة المحلية) بين الشركات والمؤسسات المتعاونة في إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي زيادة إيرادات الحكومة وتخفيف العجز المالي وإيجاد وتنويع فرص للعمل في القطاع الخاص .

ونجاح الريادة في المملكة يعتمد على بيئة الأعمال في الأردن، ممثلة بالقوانين والتشريعات المنافسة، وطموح وتصميم الرواد في تطوير شركاتهم , وتطوير الخدمات الداعمة لدخول الأسواق التصديرية كما يقول .

وعن مدى مساهمة المشروعات الريادية في الاقتصاد الاردني يضيف ان نسبة الشركات الميكروية (الصغيرة والمتوسطة الحجم) المسجلة حاليا في وزارة الصناعة والتجارة تبلغ 6 ر99 بالمئة وجميعها بدأت كمشروعات ، ولذلك ينبغي مواجهة تحدي إقناع فئة الشباب للدخول في تجربة ريادية اولا، وثانياً مساندة الشركات الموجودة حالياً لتنمو .

المدير التنفيذي لمركز الملكة رانيا للريادة المهندس فرحان الكلالدة يقول ان الاهتمام الملكي بريادة الاعمال والتركيز على الرياديين يمثل احد الادوات والحلول التي من الممكن ان تسهم في توفير فرص عمل عبر اقامة مشروعات مفيدة تسهم في جذب الاستثمارات.

ويضيف أننا يجب ان نكون معنيين بريادة الاعمال بشكل ايجابي بحيث ننشر ثقافة ريادة الاعمال، للتقليل من هجرة الشباب المتعلم للخارج للبحث عن فرصة عمل مناسبة وهو ما يعرف بهجرة الادمغة، مبينا ان خسارة هذه الطاقات البشرية خسارة للمملكة، وريادة الاعمال تستطيع ان توفر فرص عمل لهم في مجالات متعددة ومنها التكنولوجيا.

ويبين ان الاردن يعتبر من الرواد في القطاع التكنولوجي , ففي السنوات العشر الماضية ظهر العديد من البرامج التي تشجع على ريادة الاعمال في هذا القطاع، كما ان هناك حاضنات للأعمال متميزة على مستوى الشرق الاوسط ، بالإضافة الى وجود صناديق استثمارية في الشركات الناشئة وبرامج ارشاد وتوجيه وتدريب.

ويبين ان هناك 40 شركة في هذا القطاع ساهمت بتوفير الف و600 فرصة عمل في قطاع التكنولوجيا , ووصل تقييم هذه الشركات الى مئة مليون دينار.

ويشير المهندس الكلالدة الى ان برامج ريادة الاعمال في معظم دول العالم مدعومة من قبل الحكومة او من الجامعات كونها مصنفة كاقتصاد مباشر واثرها بعيد المدى , فالقطاع الخاص يأخذ المخرجات ويبني عليها ويستثمر فيها عبر الحاضنات والمسابقات والبرامج التدريبية.

ويرى ان ثقافة ريادة الاعمال قادرة على منع تسرب الكفاءات الاردنية الى الخارج وهجرة الكوادر البشرية المدربة، بالإضافة الى قدرتها على جذب استثمارات للاردن في الشركات التي تنشأ لهذه الغاية، مضيفا ان تقديم الدعم الحقيقي للبرامج التي تعمل على تطوير ثقافة ريادة الاعمال وتطوير مهارات الرياديين يسهم في زيادة اعداد المهتمين في الريادة وجودة المشروعات التي تنبثق عنها بالإضافة الى قدرتها على المنافسة.

ويطالب المدير التنفيذي لمركز الملكة رانيا بان تأخذ الريادة مساحة كبيرة في الاقتصاد وان لا تكون متاحة فقط لعدد محدود من الشباب بل يجب ان تكون من أجل الجميع خاصة لشباب المحافظات، موضحا انه اذا استطعنا تحقيق هذه الجزئية فاننا نسهم في وجود تنمية اقتصادية شاملة.

وينصح الشباب الاردني الذي يريد اللحاق بركب الريادة والرياديين بالاستفادة من دراستهم الجامعية وان يكون لديهم التفكير في انشاء مشروع ريادي ، موضحا "ان رائد الاعمال هو الذي يتبنى الكل، ولا احد يبني رائد الاعمال".

أحد الداعمين للريادة والرياديين في المملكة سعد المعشر يقول: ان جلاله الملك عبد الله الثاني يؤمن بأهمية تطوير ريادة الأعمال لدورها في توفير فرص عمل مستدامة ترسخ مفهوم الاعتمادية على الذات وبهدف تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.

ويرى ان نشر ثقافة الريادة والابداع يهدف الى تنمية الفكر الريادي والابداعي بين فئة الشباب وتشجيعهم على المشاركة في تنمية الاقتصاد الوطني عبر تأسيس وتطوير مبادرات وشركات ريادية في جميع المحافظات تشارك في توفير وظائف وترفع مستوى المعيشة من خلال ايجاد مصادر دخل ذاتية.

ويضيف المعشر ان التجارب الريادية يجب ان تصل للمحافظات عن طريق تسليط الضوء على قصص النجاح للشركات الصغيرة للاستفادة من خبراتهم ونجاحاتهم واخذ قصص نجاحهم كمثال يحتذى به ، وتشجيع القطاعين الخاص والعام على التعاون فيما بينهم من اجل تنمية الريادة في المملكة من خلال توفير المتطلبات اللازمة لتشجيع البيئة الريادية المناسبة.

ويطالب الشباب بالخروج من اطار الاعتمادية وان يصبح مستقلا فكريا وماليا وان يشارك في المؤتمرات والدورات التي تنظمها المؤسسات التي تدعم الريادة في الاردن وتحضير دراسات جدوى ومشاركة الرياديين الاخرين من خلال العمل معهم والاستفادة من خبراتهم, والتوجه للعمل في الشركات الصغيرة لدى القطاع الخاص لتطوير الخبرات العملية .

ويرى المدير التنفيذي لشركة مجلاتي للنشر والإعلام الرقمي هيثم مسعود ان تأهيل بنية تحتية لرواد الأعمال خطوة لاستقطاب الاستثمارات التي تدعم رواد الأعمال للانطلاق من الأردن ما يسهم بزيادة اعداد الشركات الناشئة والفرص الوظيفية ونسبة نمو الأموال المتدفقة للمملكة وهذا ما يحرص عليه جلالة الملك عبد الله الثاني.

ويقول ان المملكة تعتبر من الدول العربية التي تملك أساسيات تؤهلها لاستقطاب رواد الأعمال واستثماراتهم لموقعها الجغرافي ومستوى التعليم والثقافة .

وهنا تأتي كما يضيف أهمية نشر ثقافة دعم الريادة على جميع المستويات في القطاعين الحكومي والخاص لزيادة إيمانهم بالريادة ما ينعكس إيجابا على جميع القرارات والتشريعات لدعم رواد الأعمال وتأهيل بنية تحتية تستوعب آلية عملهم واحتياجاتهم واستمراريتهم، وبث روح الريادة لديهم ليتمكنوا من الاندماج في قطاع الأعمال بطريقة مبتكرة غير تقليدية.

ويشير مسعود الى ان حاضنات الأعمال بحاجة إلى دعم مباشر من القطاع الحكومي لوضع استراتيجيات تضمن توجيه التشريعات والقرارات لصالح دعم المشروعات الناشئة لاستقطاب الاستثمارات وتأسيس هذه المشروعات في الأردن بضمانة استمراريتها وتطورها، واكتشاف الطلبة ذوي المواهب والقدرات الفردية والذين لديهم بوادر تشير إلى قدرتهم ليكونوا من رواد الأعمال بعد سنوات.

ويبين ان الخطوات الأولى لتعميم التجارب الريادية على المحافظات تتمثل بإطلاق مبادرات ومشروعات تعريفية تظهر التجارب التي أثبتت فعاليتها وساهمت في التنمية.

أما الفوائد المرجوة من الريادة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فتبدأ من تقليل هجرة الكفاءات من أبناء الوطن، وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية وزيادة الطلب على البضائع والخدمات وبالتالي يزيد الإنتاج كما يمكن من خلال الريادة الخروج بأفكار وحلول تسهم بدعم الاحتياجات المحلية التي تخص الطاقة والماء والزراعة كما ان وجود استثمارات محلية يسهم بتدفق أموال المستثمرين ضمن القطاع المالي , ما يمكن هذا القطاع من تحقيق قفزة تؤثر ايجابا على نمو القطاعات الأخرى.

وحول مستقبل الريادة يقول مسعود هناك فرصة ذهبية لنقل الأردن إلى مرحلة جديدة تسهم في تحقيق نمو متسارع على المستوى الاقتصادي عبر ايجاد بيئة ذكية لاكتشاف المبدعين وتأهيلهم كرواد للأعمال، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية في هذا القطاع، مشيرا الى ان هذا التوجه سينعكس على الفرد والمجتمع وقطاعات اخرى مختلفة ما يسهم في ايجاد منتجات محلية بجودة عالية ونوعية مميزة.

ويدعو الشباب الى المساهمة في تحقيق نهضة اقتصادية عبر الدخول الى عالم ريادة الأعمال، واستغلال الوقت المتاح لهم خلال الدراسة لتطوير إمكاناتهم وتوسيع افاقهم التجارية بشكل عملي عبر متابعتهم للمبادرات الريادية والتواصل مع الجهات التي تعنى بها، مضيفا ان التواصل مع الريادين قادر على دفع الشباب على السير بطريق ريادة الأعمال بخطى ثابتة من اجل تجربة الريادة على أرض الواقع بعين (رائد الأعمال ) .