كتب - راكان السعايدة - إشكاليتان أساسيتان تواجههما قوى حزبية واجتماعية قررت الانخراط في الانتخابات النيابية، الأولى، ترتيب الأسماء في القائمة، والأخرى، البرنامج الذي بمقدوره أن يسندها ويقنع الناخب بمنحها صوته.
وهاتان الإشكاليتان، على اختلاف مستوى تأثيرهما في سياق الاستعداد للانتخابات تعدان الأبرز في مناقشات القوى وأطرها المنهمكة في البحث عن حلول ممكنة تجنبها هز هياكلها وانفراط عقد كثير من البناءات الحزبية والاجتماعية.
وبدرجة أعلى، وأساسية، تعتبر إشكالية ترتيب الأسماء عاملا تأزيميا حقيقيا داخل الهياكل الحزبية باعتبارها ستخلق خلافات جدية قد تدفع إلى استقالات احتجاجية وربما تكون سببا في إنتاج قوائم أخرى منافسة ومناكفة.
هذا لا يعني، أن إشكالية ترتيب الأسماء في القوائم، مأزق للاحزاب فقط، بل يطال تكتلات يتم تجميعها وتسعى لمنافسة القوائم، غير أن الضرر السياسي والإعلامي المحتمل سيكون أقل طالما قواعد التجميع لا تقوم على أساس حزبي أو برامجي عميق.
لهذه الاعتبارات، وغيرها، تتراخى مختلف القوى في إعلان الانتهاء من إعداد قوائمها لخشية أكيدة من بروز الخلافات وتبعاتها، وهي تركز على إيجاد آليات ومعايير تحقق حولها أكبر قدر من التوافق بين مجاميعها لتقليل من التداعيات الممكنة.
وهي إلى الآن لم تستطع الاستقرار على معايير محددة لتحديد نمط اختيار محكم ومقبول لمرشحي قوائمها وتراتيبة الأسماء فيها، وتمضي وقتها الراهن في تفحص سلسلة من الممكانات وتدقق في احتمالاتها.
وسط قلق من معطيات أولية تشي أن أقوى القوائم ليس بمقدورها الحصول على أكثر من خمسة أو ستة مقاعد، وأغلبها في حدود المقعد أو الاثنين.
ما يعني أن ترتيب الأسماء مسألة حيوية لمن يرغب في الترشح على القائمة، فالجميع يريد أن يكون من أول ثلاثة أو أربعة أسماء على الأكثر لان فرصه تصبح ضعيفة أو تكاد تكون معدومة إن تعدى ترتيبه عددأصابع اليد الواحدة.
ونظام احتساب حصة كل مقعد في القائمة المفترض أن تقره الهيئة المستقلة للانتخابات، لا يأخذ الكثير من الجدل، على أهميته وتأثيره في نتائج القوائم، وإن كانت المؤشرات تذهب إلى احتمال اعتماد «الهيئة» نظام «أعلى البواقي».
وكيفية احتساب القوائم سيكون إشكالية إضافية بعد أن تقره «الهيئة المستقلة» وبعد أن تنتهي قوى حزبية واجتماعية من تجاوز إشكاليتها الأساسية (ترتيب الأسماء وتاليا البرنامج) لأن هذه القوى ستضغط لاعتماد نظام يناسب مصالحها وفرصها.
وبالقدر الذي لا تزال فيها إشكالية ترتيب الأسماء «معلقة» فإشكالية البرنامج الذي ستخوض على أساسه كل قائمة منافستها الانتخابية كبيرة ايضا، فهي أمام خيار من اثنين، وهما:
إما الذهاب إلى جمهور الناخبين ببرامج «عادية» مصبوغة بالعموميات ومتجاوزة عن التفاصيل تجنبا لالتزامات ليس بمقدورها التعاطي معها وبوصفها قوى حزبية أغلبها وسطية قريبة من «المزاج الرسمي» وبالتالي لن تكون مقنعة ولن تحدث فرقا جوهريا في نظرة الناخب لها.
وإما أن تتطرف في برامجها بصورة تخالف واقعها وإمكانياتها، أي ستكون برامج «خداعية» هدفها نيل أصوات الناخبين ومن ثم إدارة الظهر للبرامج التي صممت على أساس إعلامي استهلاكي.
آخذين بعين الاعتبار أن ائتلاف اليسار والقوميين ربما يشكل علامة برامجية فارقة في ما يطرح على مجاميع الناخبين لكن هذا الائتلاف يعلم يقينا أن فرصة في تشكيل ثقل برلماني حقيقي مسألة فيها الكثير من الشك.
وهذه الإشكالية، أي إشكالية البرنامج لا زالت «معلقة» وربما لم تلتفت إلى أهميتها الكثير من القوى المشغولة بمأزقها في المرشحين المحتملين وترتيبهم على القوائم.
وفي إطار الإشكاليتين (ترتيب الأسماء، البرنامج) وما في ذيلهما من إشكاليات أخرى (نظام احتساب أصوات القوائم) فالأمر الحيوي الآخر له علاقة بالإمكانيات المالية التي تحتاجها الأحزاب لتمويل حملات مزدوجة (قوائم وفردي).
وهي معضلة حقيقية، أمام قدرات مالية حزبية متواضعة ستجد نفسها في مواجهة قوائم غير حزبية تتوافر على إمكانات مالية كبيرة. ولا شك أن الكثير من الأحزاب وقوى سياسية مستقلة أبدت خشية من تاثير قوى رأس مالية طامحة إلى قيادة أو دعم قوائم، علنا وسرا، لتحقيق مصالح ما في مرحلة مقبلة.
وإذا أخذ «المال السياسي» مكانه في لعبة الانتخابات فإن ذلك سينحت في نزاهتها وشرعيتها، ويقدم على طبق من ذهب للقوى الحزبية والاجتماعية المقاطعة حجة تدلل على الخلل البنيوي في النظام الانتخابي والعملية الانتخابية.
في النظرة العامة، تعد القوائم الوطنية إضافة نوعية لقانون الانتخاب الجدلي الإشكالي، لكن تمنت قوى سياسية لو أن القوائم كانت مقتصرة على الأحزاب لتكون محفزا على الإنخراط في العمل الحزبي، ومراكمة تجربة حزبية معتبرة تتطور مع الزمن لتكون الأحزاب هي الخيار للعمل السياسي المنظم.
ولا شك أن عامل الوقت بات ضاغطا على كل القوى المشاركة في العملية الانتخابية، والتي ينتظر أن تقابلها حملة من قوى أخرى تحفز الناخبين على المقاطعة.
الوقت الضيق سيكون سببا إضافيا في مزيد من الارتباكات التي تعانيها مختلف القوى المشاركة ولا تزال عالقة في كيفة الخلاص من مأزق اختيار المرشحين وتراتبيتهم في القوائم.