عمان - سرى الضمور - يقبع ما يزيد على 100 محكوم بالإعدام في السجون الأردنية تلاحقهم هواجس إمكانية التراجع عن قرار الإيقاف «غير الرسمي» لتنفيذ العقوبة منذ العام 2006 ما يعني تقديمهم إلى أعمدة المشانق.
فالأردن لم ينفذ حكم الإعدام منذ أيار 2006 بعد أن كان قد نفذ في ذلك الشهر حكم الإعدام شنقا لقاتلي الدبلوماسي نائب المعايطة الذي اغتيل في بيروت وكان قد نفذ قبل ذلك 51 إعداما من أصل 108 أحكام ، صدرت ما بين عامي 2000 و 2006 .
وعلى الرغم من هذا الإيقاف وما تبعه من إجراءات فان الدوائر الرسمية تمتنع عن الجزم بتوجه الأردن نحو إلغاء هذه العقوبة من تشريعاته بشكل نهائي.
ومن هنا فقد استمرت المحاكم في إصدار أحكام بالإعدام على جرائم متنوعة بلغ متوسط مجموعها السنوي بحدود 20 حكما صدرت عن محكمة الجنايات الكبرى بنسبة 85% ومحكمة أمن الدولة بنسبة 15%.


وكان مراقبون قد اعتبروا قبول الأردن بالتوصية المتعلقة بعقوبة الإعدام التي طرحها مجلس حقوق الإنسان غداة مناقشة تقرير الأردن الرسمي ثم امتناع الأردن عن التصويت على قرار للجمعية العامة يوصي بإلغاء العقوبة وهو الذي كان يصوت قبل ذلك ضد القرار مؤشرات على توجهه نحو إلغاء هذه العقوبة.
واللافت أن بعض المحكومين بالإعدام مضى على وجودهم في السجون أكثر من 30 عاما من دون تنفيذ الحكم، وهو تأجيل يلحق بهؤلاء الأشخاص المحكومين أضرارا نفسية وجسدية وعقلية، بحسب مصادر عدة خصوصا، أن بعضهم جاوز الستين من عمره.
وفيما يرى قانونيون ومهتمون بهذه القضية توجها في الموقف الرسمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام، فان الجدل بين مؤيدي هذا الانحياز ومعارضيه سيظل محتدما ولا يتوقع له أن يهدأ سريعا خصوصا مع احجام الجهات الرسمية عن اعلان موقفها بوضوح.
الحكومة أنكرت لدى إجراء تعديلات تشريعية ألغت بموجبها عقوبة الإعدام وخففتها لأحكام بالسجن أن تكون هذه التعديلات خطوة نحو إلغاء العقوبة نهائيا، وقالت إن الأردن يعتمد في استراتيجيته تشريعيا تجاه عقوبة الإعدام على المعايير الدولية، التي توصي، في حال عدم إلغائها نهائيا، بحصرها في الجرائم الأشد خطورة.
وتسعى العهود والمواثيق الدولية على إلغاء عقوبة الإعدام أو استبدالها بعقوبة أخرى مخففة حماية لحق الإنسان في الحياة ومناهضة لعقوبة الإعدام، بغض النظر عن الجرم الذي أوقعه في حق مجتمعة.
وناقشت العهود والمواثيق الدولية عقوبة الإعدام، انطلاقا من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان وحقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدالة والمساواة، ونصت العهود الصادرة عن قرار مجلس جامعة الدول العربية ضمن بنود الميثاق العربي لحقوق الإنسان العربي في المادة الخامسة على حق الإنسان في الحياة، وان هذا القانون يحمي هذا الحق ولا يجوز لأحد حرمانه من حياته تعسفاً.
رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب السابق مبارك العبادي قال انه يتوجب اجراء مراجعة شاملة لقوانين العقوبات والتشريعات الأردنية النافذة والجزائية لتقييم حاجة المجتمع من تنفيذ هذه العقوبة أو استبدالها بعقوبة بديلة، والعمل على سن تشريع جديد غير المتعارف عليه لتصل إلى 50 عاما أو أكثر، وعدم الاكتفاء بعقوبة المؤبد التي من شانها التي تثير الكثير من النعرات والذي سيتحمل على إثرها المجتمع أثاراً سلبية وأعباء إضافية.
فيما يؤكد الرئيس التنفيذي لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، وعضو لجنة الميثاق العربي في جامعة الدول العربية عاصم الربابعة، بان على الرغم من وجود مؤشرات عدة توجه الأردن نحو إلغاء تدريجي ومبرمج لعقوبة الإعدام في تشريعاته الوطنية، فإن الجانب الرسمي في الدولة ما زال عازفا عن التحدث بشكل مباشر عن هذه التوجهات.
وأوضح أن هذا الامتناع يمثل مؤشرا للتوجه الرسمي وتعزز بارتفاع الأصوات المنادية بإلغاء الإعدام من التشريعات الوطنية واستجابة الدولة بتقليص عدد المواد القانونية التي توقع هذه العقوبة من قبول الأردن بالتوصية المتعلقة بعقوبة الإعدام ضمن توصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للأردن والذي سيناقش التقرير الدوري للأردن في الثلث الأول من العام المقبل.
وأضاف الربابعة ان هذه المؤشرات لم تدفع أي مسؤول حكومي للإعلان صراحة عن هذا التوجه رغم الدلالات الواضحة للإشارات المذكورة .
وأشار الربابعة أن إلغاء عقوبة الإعدام يحقق غاية منظومة العدالة الجنائية في «إصلاح المجرمين عبر برامج تأهيلية، وليس إنهاء حياتهم»، وفق ما يرى مناهضو العقوبة.

رأي علم النفس الاجتماعي
يقول استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور ماجد الخياط ان المجتمع الأردني يتكون من شرائح وعشائر متعددة؛ تتميز بالتمسك بالعادات والتقاليد التي ما زالت تحكم هذا النظام، وفي جميع الحالات التي يحدث فيها اعتداء أو جريمة بغض النظر عن طبيعتها لا بد من لجوء الجهة المعتدية على تلبية المتطلبات العشائرية للجهة المعتدي عليها قبل السير في إجراءات تنفيذ القانون من قبل الدولة.
وقال ان عقوبة الإعدام وتطبيقها في بعض الدول من القضايا التي تأخذ حيزاً كبيراً في المناقشات الدائرة على المستويات الوطنية والدولية؛ ذلك أن بعض الدول ترفض تطبيق هذه العقوبة بغض النظر عن الجرائم المرتكبة، ومنها مثلاً دول الاتحاد الأوروبي في حين تصر دول أخرى على تطبيقها بالنسبة للجرائم الخطيرة مثل القتل، وترويج وبيع المخدرات باعتبار أن هذه الجرائم ضارة بالأفراد والمجتمع.
وأشار الخياط أن الأردن يتعرض بشكل دائم لحدوث مشكلات خطيرة يرتكبها بعض الأفراد تستدعي عقوبة مكافئة لتلك المشكلة كالإعدام في حالة القتل العمد مثلاً، وهذا الجرم يستدعي عقوبة رادعة للشخص المعتدي.
وأضاف الخياط تكمن قوة العقوبة بما تعنيه من سلب المحكوم عليه من حقه في الحياة، إنها تؤدي إلى سلب كل حقوق المحكوم عليه، منطقياً لا نستطيع أن نقول إن المحكوم قد سلب حقه في الحياة عليه فقط، إنما سلبت كل حقوقه، وفي أن هذه العقوبة لا تختلف عن غيرها من العقوبات إلا في كون تأثيرها يمتد إلى غير المحكوم عليه.
وقال الخياط أن تأثير إلغاء عقوبة الإعدام على بعض الجرائم كالقتل العمد مثلاً أو الاغتصاب قد يؤدي إلى زيادة تفاقم هذه المشكلات في المجتمع الأردني، وتشريد عائلات بأسرها دون ذنب لها سوى أن قام أحد أفرادها بجريمة قتل، هنا لا بد من النظر للجرم بنظرة شمولية واقعية تؤدي إلى حقن مزيد من الدم؛ وتجنب تشريد عائلة المجرم.
استاذ العقوبات في الاسلام بالجامعة العالمية الإسلامية الدكتور محمد الدغمي قال ان الدين الإسلامي حدد أنواع (القصاص) فقال الله تعالى في سورة البقرة الآية(179) (ولكم في القصاص حياة) ، اي التساوي بين الإثم المرتكب والعقوبة الرادعة فقد عبر القرآن عن العقوبة بالمثلات فقال تعالي في عقابه الأمم السابقة (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات) أي إن العقوبات مماثلة للذنوب والآثام، فالعقوبات الإسلامية عامة تقوم علي المساواة بين الجرم والعقوبة ولذلك تسمي (قصاصا) وتلك غاية وهدف تسعي إليه كافة النظم القانونية الموجودة في العالم، ولم يصل إليها إلا النظام الإسلامي.
وبين الدغمي بان الرحمة هي أساس الإسلام والعدل والرحمة متلازمان ولا يفترقان أبدا أحدهما لازم للأخر فالرحمة من لوازم العدل وثمرة من ثمراته فلا توجد الرحمة مع الظلم،كما لا يمكن أن يكون العدل مخالفا للرحمة ويستوي في ذلك العدل بين الناس والعدل بين الدول فالعدالة الحقيقية هي الرحمة الحقيقية، وهناك فرق بين الرحمة والرأفة فالأولي أوسع من الثانية وتكون في الخير العام والعدالة، أما الرأفة فإنها إحساس بالشفقة علي من يتألم سواء كان هذا الألم عدلا أم غير عدل، ومنهي عنها عندما يكون الألم ناتج عن إنزال عقوبة رادعة عن الشر ومانعا للإثم.
وأشار ان النظام الجنائي في الإسلام يهدف على حفظ الكليات الخمس التي لا تقوم الحياة ولاتستمر بدونها وهم (حفظ النفس، و الدين، و العقل، و النسل، و المال) وأي جريمة هي اعتداء علي أحدي هذه الكليات السابقة، فقد شرعت كافة العقوبات في الإسلام للمحافظة عليها،

رأي الشارع
في ذات الإطار قال المواطن مازن العلاونة ان إيقاع عقوبة الإعدام ، تحكم حين يقوم أحدهم بارتكاب جريمة مع سبق الإصرار والترصد وقتل نفس بغير وجه حق ، فان القصاص المناسب له هو الإعدام ، ولا يناسب في هذه الحالة الحديث عن حقوق الإنسان وحقه في الحياة فهو قام بفعل يستحق عليه العقوبة والدولة لم تسلبه حق من حقوقه دون ذنب اقترفه.
وقال المواطن جميل خضر ان وقف تنفيذ حكم الإعدام منذ وقت بعيد تعتبر نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان حيث يمكن القول أن السياسة الحالية في هذا الصدد تمنح مرتكب الجريمة وقتا مناسبا للتفكير في الجريمة التي اقترفها ويمكن ان تؤدي به إلى التوبة والتحول إلى إنسان صالح يفيد مجتمعة أما بالعودة إلى رشده والقيام بأعمال تخدم مصالحة ومصالح المجتمع. و عارض محمد ابو لبدة رأي خضر عندما قال ان عقوبة الإعدام يجب ألا تلغى لان الجاني الذي قام باقتراف جريمة قتل او أي جريمة يعاقب عليها بالإعدام يجب ان تنفذ امتثالا لقولة تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى» وحتى يكون عبرة للغير ورادعا للأشخاص الذين يفكرون في القيام بمثل هذه الجرائم.
المعايير الدولية في هذا الصدد توصي ، في حال عدم إلغاء عقوبة الاعدام نهائيا، حصرها في الجرائم الأشد خطورة، جرائم القتل والاغتصاب حيث يشهد الاردن –بحسب الاحصاءات الامنية- نحو 92 جريمة قتل سنويا كمتوسط حسابي حيث سجلت 67 جريمة في العام 2005 ، لترتفع عام 2006 إلى 96 جريمة ، 98و جريمة العام 2007 ، ثم 100 جريمة العام 2008 ، ثم انخفضت إلى 91 جريمة عام ,2009
فيما تبلغ نسبة الجريمة في الاردن حسب المتوسطات الحسابية اقل من 7 بالاف وهي نسبة متدنية اذا ما قيست بمثيلاتها في اغلب دول العالم وعلى رأسها الدول المتقدمة.
وتشير إحصاءات منظمة العفو الدولية الى أن 95 % من الإعدامات المنفذة في العالم خلال الأعوام الخمسة الأخيرة نفذت في أربع دول ، منها الولايات المتحدة والصين وإيران فيما الغت 139 دولة حتى العام الماضي عقوبة الإعدام ، سواء كليا في 95 دولة ، أو لبعض الجرائم في 9 دول ، و عمليا في 35 دولة ، فيما أبقت 58 دولة تقريبا على هذه العقوبة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان قد اقرت العام الماضي قرارا بشأن وقف استخدام عقوبة الإعدام هو الثالث منذ 2007 وافقت عليه 107 دول مؤيدا و صوتت 38 دولة ضد القرار فيما امتنعت 36 دولة من بينها الأردن عن التصويت.
وتظهر ارقام التصويت على القرار مزيدا من الدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن القرار السابق الصادر في عام 2008 ، مما يؤكد الاتجاه العالمي نحو وضع حد لاستخدام عقوبة الإعدام.
وشهد العام الماضي تنفيذ ما مجموعه 714 عملية اعدام باستثناء تلك المنفذة في الصين كان نصيب الاسد فيها لايران التي نفذت 338 حكما بالاعدام فيما نفذ في اليابان 8 حالات وفي الولايات المتحدة الامريكية 52 حالة وكانت العراق بين الدول الاعلى في عدد حالات الاعدام المنفذة بعد اعدام 120 شخصا تلتها عربيا المملكة العربية السعودية 69 حالة.
عربيا كانت جيبوتي أول دولة تعلن رسميا إلغاء عقوبة الإعدام نهائيا من تشريعاتها ، فيما لجأت دول عربية ملتزمة بالمعايير الدولية إلى تجميدها ، كما في حالة المغرب وتونس منذ منتصف عقد تسعينيات القرن الماضي ، ولبنان منذ 2004 ، ثم الجزائر.
وكان المركز الوطني لحقوق الانسان قد امتدح في تقريره الثامن عن حالة حقوق الانسان في الاردن للعام 2011 تجميد تنفيذ عقوبة الإعدام منذ شهر حزيران (يونيو) 2006 معتبرا اياها خطوة إيجابية لحماية حق الحياة ، إلى جانب التطور الايجابي في التشريع والخاص بتعديل قانون العقوبات.
وتحدث التقرير عن اهمية استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة في الجرائم الماسة بأمن الدولة في المواد 112 120و والجنايات الواقعة على الدستور المادة 136 من قانون العقوبات.