صنعاء - عبدالعزيز الهياجم
اليمنيون السود أو "الأخدام" الذين يطلق عليهم رسمياً "المهمشين", هم فئة منسية داخل المجتمع اليمني، ويتجاوز عدد أفرادها مليون نسمة من بين 23 مليون يشكلون عدد سكان البلد.

وبرغم أن الدستور اليمني يمنع التمييز ضد أي شريحة من المجتمع إلا أن التعامل معهم لايزال من منظور الإرث التاريخي السائد الذي مارس بحقهم الإقصاء منذ قرون طويلة.

وتبنى أغلب مساكن "الأخدام" في أطراف المدن من القماش والكرتون أو الصفيح والعلب الفارغة، وغالباً ما يكون من غرفة واحده يسكنها 10 أشخاص، وتسمى تجمعاتهم السكنيه بالمحاوي وهي جمع كلمة محوى.
وتستخدم للإشارة إلى التجمعات السكنية الهامشية، وتعني كلمة "محوى" لغوياً موضع الكلاب ويستخدم هذا المصطلح في المناطق الريفية المجاورة لمدينة زبيد "في تهامة" للإشارة لتجمعات مساكن العبيد.

وفي الوقت الذي يحتفل اليمن باليوبيل الذهبي لثورة 26 سبتمبر1962 ومرور 50 عاماً على قيام النظام الجمهوري، إلا أن قضية هؤلاء لم تتجاوز بيوت الصفيح والعشش التي عزلهم فيها المجتمع.

كما أن الوظيفة العامة والمناصب الحكومية لازالت خطاً أحمر بالنسبة لهذه الفئة التي لا يسمح لرجالها سوى بالالتحاق بقطاع النظافة لكنس مخلفات الآخرين، وليس أمام نسائها سوى امتهان التسول.

وفيما يؤكد الكثير من فئة الأخدام "اليمنيين السود" أنهم من أصول يمنية تعود إلى منطقة زبيد القريبة من سواحل البحر الأحمر، تشير مصادر تاريخية إلى أنهم من سلالة بقايا الأحباش الذين غزوا اليمن سنة 525 م، وأصبحوا فيما بعد عبيداً للدولة الزيادية في مدينة زبيد، وكان رئيسهم رجل اسمه نجاح الحبشي استغل انهيار الدوله الزيادية للقضاء على حكامها وتكوين دولة بقيادته وباسمه وهي دولة آل نجاح من 1027 إلى 1174 ميلادية.

ووفقاً لذات المصادر فقد قام النجاحيون منذ توليهم سدة الحكم في زبيد والسهل التهامي باستجلاب المزيد من أبناء قومهم الأحباش، وقاموا باضطهاد السكان الأصليين من اليمنيين، فنهبوا الممتلكات واتخذوا العرب من اليمنيين عبيداً وزاد طغيانهم حتى امتدت أيديهم الى النساء.

كل ذلك جعل الأهالي يشكلون مجموعات مقاومة ضد الدولة النجاحية لينتهي الأمر بإسقاطها والحكم عليهم بأن يكونوا خدماً للمجتمع اليمني، حيث أطلق عليهم مصطلح "أخدام".

ومنذ مطلع العام المنصرم 2011 والذي شهد حركة احتجاجات شعبية سُمّيت "الثورة الشبابية السلمية" التي أفضت إلى إنهاء نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بموجب المبادرة الخليجية، بدأ المثقفين من شريحة "المهمشين" وهم قلة, بتحركات لاستغلال مناخات التغيير ودولة المواطنة المتساوية التي ترفع شعارها القوى السياسية, والإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني للمهمشين.

وفي مؤتمر صحافي عقد اليوم بمناسبة إشهار الاتحاد طالب الأمين العام للجنة التحضيرية عبدالرحمن الشرعبي بضرورة إدراج قضية المهمشين ضمن أجندة مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت إليه المبادرة الخليجية كركن أساس لإنجاح المرحلة الانتقالية.

وقال الشرعبي إن عدم تمثيل هذه الفئة في اللجنة التحضيرية التي صدر بها مرسوم جمهوري يمثل التفافاً على المبادرة الخليجية التي نصت على إشراك كافة القوى السياسية والحزبية والفئات الاجتماعية في هذا المؤتمر, مشيراً إلى أن تجاهل القوى السياسية المتوافقة لقضية المهمشين يؤكد أن تلك القوى مازالت رهينة لثقافة الإقصاء والتمييز وغير مستوعبة لطموحات كل أبناء اليمن في التغيير والعيش في كنف دولة مدنية ديمقراطية ليتساوى رئيس الجمهورية مع عامل النظافة.

وتجولت "العربية نت" في "محوى دار سلم" الذي يشكل أكبر تجمع سكاني لليمنيين السود "المهمشين" في العاصمة صنعاء، وتلمست عن قرب معاناة هؤلاء.

تحدث معنا الشاب أحمد سالم (23 عاماً): "إذا كان هناك من يتعامل معنا على أساس أننا غير يمنيين وأن أجدادنا جاءوا من إفريقيا فليرحلونا إلى أي بلد إفريقي بدلاً من هذه المعاملة العنصرية التي نعاني منها".

وأضاف "ليس أمامنا من فرصة لعمل حكومي سوى في البلدية كعمال نظافة, والدولة وعدتنا بمنحنا أراضي تخصم من مستحقاتنا الضئيلة إلا أنهم لم يعطونا شيئاً وصرفوا لنا فقط أراضي في الصحراء لا يوجد فيها وحدات صحية ولا مجاري ولا أدنى مقومات الحياة الآدمية".

ومن جانبها تقول سلمى شريان، وهي ربة بيت (25 عاماً): "بالنسبة لنا نحن النساء الكثير منا يذهب للتسول في جولات الشوارع وأمام المساجد وبيوت الميسورين؛ لأن أزواجنا ما عندهم أعمال ونحن لا نتسول إلا نتيجة الفقر والحاجة, والناس لا يحسون بنا وبمعاناتنا وليس لنا عندهم أي قيمة لأننا بالنسبة لهم مجرد أخدام".

وبمرارة وأسى تتحدث أم عمر (67 عاماً) وتقول: "في هذه البيوت المبنية من الصفيح وسقوفها من الكرتون كم من الأطفال ماتوا عندما وقعت أمطار غزيرة ودفناهم في مقبرة جماعية".

وتضيف: "اللاجئون الصوماليون والأفارقة يعيشون في هذا البلد أفضل منا, ومع أن أولادنا يشتغلون في البلدية ويخدمون الشعب إلا أن شبابنا وعجائزنا وأطفالنا يموتون بسبب المطر والبرد في هذه المساكن التعيسة".