رتفعت قيمة سوق أسعار البذور والحبوب في العالم من 12 مليار دولار في عام 1975 إلى ما يقارب 70 مليار عام 2008 ، ويتوقع أن يصل الرقم إلى 165 مليارا في عام 2020. التنافس بين مختلف الدول حول تأمين وتوفير أكبر كمية ممكنة من البذور والحبوب صار على أشده من ناحية الزراعة والدراسات والبحوث الخاصة
بالهندسة الوراثية. فالتغييرات المناخية المستمرة والتلوث البيئي المتعاظم صارت مشكلات مهددة للأمن الغذائي العالمي وهو ما يؤجج حدة التنافس. منظمات ووكالات عالمية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة الزراعة العالمية وغيرها من الوكالات الدولية المهتمة بالغذاء تتوقع اشتداد حدة التنافس والسباق من أجل تأمين الاحتياجات الغذائية للدول والكيانات الكبرى خلال العشرين سنة القادمة. ومما زاد من حدة التنافس أيضا نظام الحماية النوعية للبذور الذي أطلقه الاتحاد الدولي لحماية البذور مؤخرا والذي يدعو لدفع رسوم ضريبية للمنظمة المسؤولة. هناك تقارير تؤكد أن الشركات العالمية العشرة الأكبر في العالم قد وسعت من نصيبها في السوق العالمية من 14% عام 1996 إلى 67% حاليا.
السوق العالمية للحبوب والبذور تنمو بشكل مدهش ، والأمن الغذائي صار مشكلة تهدد العالم مما دفع العديد من الدول الكبرى في العالم لأن تدخل في غمار تنافس قد يؤدي إلى ظهور حرب جديدة محتملة يمكن أن نسميها بحرب البذور. المشكلة الأخرى هي مشكلة دفع الرسوم الضريبية. فقيمة البذور الزراعية هي قيمة متعددة المراحل ، حيث إن أكثر العقاقير والكثير من مصادر الطاقة التي تم تطويرها على المستوى العالمي منذ حقبة الثمانينات من القرن الماضي ، مشتقة من البذور والحبوب ، مما جعل من تجارة وصناعة الحبوب صناعة واعدة ومجزية ومتطورة ومحركا مهما من محركات النمو العالمي الجديد. فكيف يجب أن تتحسب كوريا لحرب البذور القادمة؟
يبلغ حجم سوق البذور في كوريا حوالي مليار دولار أو يزيد ، وهي نسبة تمثل 1.5% من السوق العالمية . عدد الأشياء والأنواع التي يتوجب على كوريا دفع رسوم عليها زاد من 27 عام 1998 إلى 223 عام 2008. التعاون مع الشركات العالمية متعددة الأغراض التي تملك نصيب الأسد في السوق العالمية للبذور والحبوب يجبر المزارعين في البلدان النامية والمتخلفة على دفع رسوم عالية لشراء البذور. وقد اضطر العديد من الشركات الزراعية الكورية إلى الاندماج أو البيع في أعقاب الأزمة العالمية الاقتصادية الآسيوية في عام 1998 ، وذلك هو السبب الذي جعل كوريا مضطرة لدفع رسوم عالية. تقدر وزارة الزراعة في كوريا بأنه في حالة تنفيذ قانون حماية الأنواع الزراعية المختلفة فستكون مضطرة لدفع ما يعادل 720 مليون دولار لتوفير تسعة من أنواع البذور المستوردة.
وقامت كوريا ، خلال عام 2010، باستثمار مبلغ 934 مليون دولار في مجال البحوث الخاصة بتطوير البذور في محاولة لتحقيق هدف تصدير بذور بقيمة 200 مليون دولار وامتلاك خامس أكبر مورد هندسي وراثي في العالم. ومنذ ذلك الوقت نجح مركز وبنك المعلومات الجينية التابع لإدارة التنمية الريفية في كوريا في تطوير حوالي 2500 سلالة صناعية جديدة من البذور. كانت صناعة البذور في كوريا قد تعرضت لما يشبه الانتكاسة بعد الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998 ، ولم تتعافى منها تماما حتى اليوم. من المؤسف أن وجود كوريا في السوق العالمية للبذور ما زال غير محسوس حتى الآن. ومما يزيد الأمر سوءا بدء سريان قانون حماية الأنواع النباتية المستحدث هذا العام ، حيث سيتوجب على كوريا دفع رسوم عالية على واردتها من البذور.كل هذه الهواجس هي ما دفع بكوريا للبدء في تنفيذ المشروع الطموح لإنتاج البذور.
وأعلنت وزارة الزراعة في كوريا أن الحكومة ستستثمر 437 مليون دولار خلال السنوات العشر القادمة في تطبيق المشروع الذهبي للبذور ، وهو عبارة عن خطة أو برنامج لتطوير بذور بقيمة الذهب. سيبدأ العمل في تنفيذ المشروع بعد اختيار الخبير الذي سيقوده في نهاية شهر مارس القادم. يهدف المشروع إلى تطوير بذور أكثر من عشرين نوعا من السلع الاستراتيجية بما فيها الدواجن والأرز والبطاطا والقمح والذرة والفلفل ، وزراعة وتصدير بذور تحقق عائد صادرات يبلغ 5 مليارات في العام بحلول عام 2030 . وقد قامت كوريا بتصدير بذور في العام الماضي بقيمة بلغت 30 مليون دولار فقط. وتقول الوزارة إن مشروع البذور الذهبي سيكون عبارة عن دراسة ثلاثية مشتركة بين الحكومة والشركات التجارية والجامعات.
بمجرد نجاح المشروع الذهبي في تطوير 19 نوعا من الصادرات في عام 2021 ستتحول كوريا من دولة دافعة للرسوم إلى دولة متلقية للرسوم. في الواقع فإن كوريا نجحت فعلا في تطوير نوعية محلية من الزهور ، مما عزز من صناعة الزهور في كوريا بنسبة 22% وأصبحت كوريا تصدر أنواعا مختلفة من الزهور إلى 6 دول في أمريكا اللاتينية وأوروبا بدءا من هذا العام. هكذا فإن مستقبل صناعة البذور في كوريا هو مستقبل واعد ومشرق ، حيث إن كوريا الآن هي سادس أكبر مستودع عالمي للموارد الجينية. فماذا ينبغي عليها فعله لتصبح قوة مؤثرة في هذا المجال؟
فلا بد من تطبيق السياسات الخاصة بالبذور بحرص وحذر، ومن المهم في هذا الصدد تأهيل موارد بشرية مقتدرة وماهرة ومتمكنة في مجالات تشييد البنيات الأساسية في هذا المجال ، وصناعة الأنواع والسلالات الخاصة بالبذور المتنوعة.
ولا بد كذلك من تشجيع الاستثمار الأهلي والخاص. ومن الضروري وجود عمليات بحثية خاصة بأسواق تصدير البذور وتعريف كافة الأسواق العالمية المختلفة بنوعيات البذور الكورية من خلال برامج مدروسة. كوريا دولة قادرة على تأمين وجود طائفة متنوعة من الموارد الحيوية والبيولوجية بسبب أنها تمتلك ثلاثة مناطق مناخية مختلفة دافئة ومعتدلة وباردة بجانب 3 أو 4 اختلافات بيولوجية مقارنة مع الدول الأخرى التي تقارب مساحتها مساحة كوريا. تمتلك كوريا كذلك موارد بشرية مؤهلة وتقنيات متطورة. المركز الكوري للمعلومات الجينية يمتلك أكثر من 290 ألف مادة جينية مختلفة من حوالي 8 آلاف سلالة من النباتات والحيوانات والحشرات والطيور والميكروبات . كوريا هي الدولة العالمية السادسة في الترتيب من حيث امتلاك البذور الزراعية بعد الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وروسيا. وتقوم كوريا حاليا بإجراء دراسات مشتركة مع بلدان نامية حول 1350 نوعا نادرا. وكوريا بحاجة لمراجعة قوانين صناعتها الخاصة بالبذور والماشية وكذلك قوانين حقوق الاختراع والملكية الفكرية.
رد مع اقتباس
المفضلات