ما تزال الاصداء الايجابية والمرحبة بما انطوى عليه حديث جلالة الملك للشبكة الاميركية «سي بي اس» تتردد في جنبات المشهد الاردني بكل ما تحمله من معطيات وما تؤشر عليه من مضامين اضافة الى ما ترسمه من خريطة طريق واضحة المعالم والرؤى والمآلات في رهان ملكي على وعي الاردنيين ووطنيتهم وقدرتهم على فرز الطيب من الخبيث والوصول الى الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان وهي الانحياز بلا تردد لمصالح الوطن العليا بعيدا عن التعصب الفئوي او الجهوي او الحزبي او الاغراءات المادية أو التحالفات الخارجية التي لا تقيم الاوطان ولا تطعم الشعوب أو تكرس التنمية والعدالة الاجتماعية وتجعل من المشاركة الشعبية ممارسة فعالة وحيوية على الارض وليس مجرد شعارات أو أصوات انتخابية يجيرها هذا الحزب او تلك الجماعة لخدمة مصالحها العابرة.

من هنا جاءت اطلالة جلالة الملك المتلفزة عبر الشبكة الاميركية واسعة الانتشار لتعكس المعاني التي يوليها جلالة الملك أولوية على اجندته الشخصية وبخاصة قراءة جلالته لمفهوم الربيع الاردني الذي رأى جلالة الملك ذروته ولحظته الحاسمة في اجراء الانتخابات النيابية المقبلة نهاية العام الجاري بما هي امتحان فاصل للجميع ما يستدعي وبالضرورة تحمل الجميع لمسؤوليتهم كي يتمكن الاردنيون من عبور ربيع الاصلاح بسلام وايضا ودائماً في حصد النتائج المرجوة وتحقيق الاهداف المتوخاة في تكريس الاردن النموذج الديمقراطي ودولة المؤسسات التي يسود فيها القانون على الجميع وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية وتحترم حقوق الانسان وتتكافأ الفرص أمام الاردنيين جميعاً.

في السياق ذاته كانت اشارة جلالة الملك الى مسألة مهمة يجدر بابناء شعبنا ان يولوها الاهمية التي تستحق ويتوقفوا عند المعاني النبيلة التي انطوت عليها وهي ليس فقط دعوة جلالة الملك الاردنيين افرادا وقوى سياسية وحزبية الى ضرورة المشاركة والانخراط في العملية الاصلاحية بل وايضاً في تأكيد جلالته على ان تعديل الدستور لا يعني نهاية التغيير, بل بداية ما يتوجب على الجميع المشاركة في عملية الاصلاح المستمرة والتي لا رجعة عنها ولا نكوص.

وإذ لفت جلالته في رسالة صريحة وواضحة الى ضرورة ابتعاد الاحزاب السياسية في الاردن عن الخطابة وترديد الشعارات والشروع في وضع برامج اقتصادية واجتماعية جاذبة للجمهور الاردني وداعية إياه الى التصويت لمصالح تلك الاحزاب بناء على مضامين تلك البرامج ومدى اقتناع الاردنيين بها فإن جلالته أعاد التأكيد على مسألة مهمة طالما دعا إليه قائد الوطن باخلاص وثقة بأن وجود اتجاهات حزبية ثلاثة يسار ويمين ووسط انما تشكل الطريق الأمثل لترسيخ مباديء الديمقراطية وتعزيز المشاركة الحقيقية في عملية البناء الديمقراطي والوصول الى مجلس نيابي حزبي ما يمكن لاحقاً من تشكيل حكومة برلمانية حزبية.

جملة القول ان المقابلة الملكية المتلفزة حددت الأطر العامة والملامح الاساسية للمرحلة المقبلة التي تشكل امتحاناً لكل رافعي الشعارات واؤلئك الذين ينخرطون في العمل السياسي والحزبي وخصوصا جماعة الاخوان المسلمين التي تحدث عنها جلالته بكل ابوية ورغبة في ان يعوا عن حق طبيعة المرحلة التي نعبرها والتي تحتم عليهم ان يشاركوا في الانتخابات المقبلة لأنهم لا يخدمون انفسهم بانسلاخهم عن العملية اضافة الى ضرورة ادراكهم انه يستحيل ان يفصّل قانون انتخابي على مقاسهم وحدهم وفي الوقت ذاته أن يتأملوا في ما هو الاردن عليه الان من حيوية ومسيرة اصلاح تنال زخماً متزايداً بعد اقتناع الاردنيين بأن الاصلاح لا رجعة عنه وانه سيكون شاملاً وان الطريق الى تشكيل المزاج السياسي في الاردن وتحديد مسار البلاد لا يتم إلاّ عبر الطرق الشرعية والقانونية وهي مهمة منوطة بمجلس النواب ما يعني ان المشاركة في الانتخابات المقبلة هي التي توفر فرصة الدخول الى البرلمان والعمل من خلاله وفي داخله من اجل تغيير قانون الانتخاب وليس عبر المقاطعة واضاعة الفرصة السانحة امام الحركة الاسلامية الاردنية.