الحصن - بترا - من زهير الطاهات - تسجد ام ابراهيم في خشوع لله والوطن الذي عاشت فيه وعاش في وجدانها حقيقة لا حلما تتكور في اطراف مخيم عزمي المفتي تتماهى مع تكور الكون تفيض روحها حنينا وشوقا لوطنها وتسبح باحثة عن فردوسها المفقود وعن شطر قلبها الذي انفلق بسيف العدو نصفين هنا وهناك.
منذ ستين عاما والالم في صدرها وفي مقلتيها التي تكتنز فيهما ذكريات الطفولة التي سطرت في عتبات منزلها العتيق اجمل الصور لها ولأشقائها الذين تهفو اليهم كما تغفو قريتها عرعرة من قرى بئر السبع في ذلك المشهد الطفولي الذي جاء من يدنسه بعد ان كان يعيش فيها اشرف وانبل خلق الله ، ولا تحتفظ بصورة والديها اللذين كانا يتلقيان الرصاص من العدو الغادر في صدورهم خوفا من ان تصيب سمومه الحاقدة فلذات اكبادهم.
في كل صباح ومساء تجلس بجانب كوخها وناظريها تحولا الى رادار يرقب حركة الغروب باتجاه بيتها القديم في عرعرة والذي تزوره صباح مساء وتؤدي صلاة الفجر والعصر خلال رحلتها الافتراضية والذي تدخله عنوة وان كان على شكل حلم تتحدى كل خطوط سلطات الاحتلال ، قاهرة كل اساطيلهم وقوتهم ، الذين لا يستطيعون قتل حلم العودة ، رغم اغتيالهم مستقبل الاجيال الفلسطينية .
وتقول بان حقنا في العودة سيبقى ماثلا في ذواتنا ينتقل جينينا من جيل لجيل وتنفي ام ابراهيم اي آلام او اوجاع تساوي ضياع الوطن الحبيب فلسطين ،لان كل امراض الدنيا لها علاج ، ولا يوجد داء الا وله دواء ، غير داء الشوق والحنين المتأجج في الروح للوطن الذي اعيش فيه رغم انف الحاقدين ولو بشريط الذكريات والصور المرسومة في قلبي ووجداني حسب قولها .
ثمانون قنديلا من عمرها مضت ومند اقتلاعها من وطنها عنوة وهي كل يوم تطرق ابواب منزلها بعد صلاة كل فجر، وتطير روحها اليه في رحلة لا تنتهي ، وتبقى تحدث كل اهل الارض عن قصة اقتلاعها وشجر التين والزيتون من باحات منزلها ، الا ان الجذور لا تزال تغوص في اعماق بيتها العتيق في عرعرة تنمو فيها براعم جديدة ستبقى تهدد المحتل وتزلزل الارض من تحته .
ام ابراهيم قصيدة وطنية معلقة على جدار الزمن يقرأها كل من مر بها في ازقة مخيم عزمي المفتي تصيح في وجه الزمن العابس تبحث عن منزلها الذي لا يساويه منزل في الدنيا ، ولا تزال ترسم في وجدانها خارطة قريتها ، وتقص لكل من مر بها قصة شهادة والدها الذي حفر بدمائه خارطة وطنه في اعماق وجدان الانسانية .
اربعة عشر عاما عمرها الطفولي وهي تشهد الغطرسة الصهيونية ومصاصي الدماء يرون عطشهم من دماء فتية فلسطين التي انساحت على درجات مسجد القرية بعد ان فروا اليه من عصابات القتل ووحوش الانسانية، وتتذكر مشهد ابناء عمومتها يساقون الى المذبح دون رحمه .
طفولة شهدت الخوف والرعب ، طفولة تركت في وجدانها عصابات الصهيونية بصمات القهر والظلمة والخوف حتى اصبحوا ينادونها في المخيم بالمجنونة .
وتقول نعم انا مجنونة لاني مستيقظة الوجدان والروح لقصة وطني المفقود ، انا مجنونة لاني اهيم عشقا وغراما ووجدا الى وطني الحبيب ، والذي اعيش فيه ويعيش في وسأبقى ازوره رمزيا ولا احد في الارض يمنعني ، واحلم بالعودة اليه في حين غفل كثير من هذ الجيل عن حلمه بل غاب عن وجدانه .
وتقول لا بد من ان نجدد بعث الهوية الفلسطينية ، وغرس القيم الوطنية ، والدعوة الى حب الاوطان ، لان حب الوطن من الايمان بالله ، وتضيف لقد عشقت بلدي الاردن الذي حماني واحتضنني متسائلة كيف لي ان احب فلسطين اذا لم احب وطني الاردن ؟