* كتب - محرر الشؤون المحلية
تثير الدعوة التي وجهها حزب جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين الى بعض القوى والأحزاب للالتقاء في مقره بهدف البحث عن موقف (موحد) من مسألة المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، الريبة والشكوك في طبيعة الاهداف الحقيقية التي تقف خلف دعوة كهذه وما اذا كانت مجرد غطاء لتحريض هذه القوى وتلك الاحزاب على الوقوف الى جانبه فضلا عن كونها محاولة مكشوفة لاخفاء الخلافات التي بدأت تعصف بالتنظيم الذي ظن كثيرون انه محصّن من هذه الخلافات وانه قادر على تجاوزها بل وظهرت هذه الخلافات الى العلن سواء في النقاش المحتدم عبر المقالات في الصحف أم في التصريحات المرتبكة التي لا تنجح في الطمس على هذه الخلافات واخفاء اتجاهات بعض القيادات التي تريد فرض رأيها على الآخرين ولا تؤمن ابدا بالرأي الآخر بل تقيم حساباتها على مبادئ السمع والطاعة..
هنا وجدت الجماعة وحزبها الفرصة لركوب موجة الانتخابات وبدأ الطرفان حملة للنيل من قانون الانتخاب الذي جرى تعديله قبل أيام بعد ان وافق عليه مجلس النواب وأقره مجلس الاعيان كما ورد من مجلس النواب واصبحت للقائمة الوطنية 27 نائبا بعد ان كانت 17 في القانون الذي اقره النواب في وقت لاحق ووشحه جلالة الملك بتوقيعه السامي طالبا من الحكومة ومجلس النواب تعديله وهذا ما تم فعله..
التصويب على قانون الانتخاب واعتباره ذريعة لعدم المشاركة لا يفيد اصحابه ولا يسهم في تطوير الحياة السياسية وهو بمثابة وضع العصي في عجلات مسيرة الاصلاح التي اكتسبت زخما بعد التعديلات الدستورية واقرار قانون المحكمة الدستورية والاحزاب كذلك في اقرار قانون الهيئة المستقلة للانتخاب واخيرا قانون الانتخاب المعدل الذي جعل لكل مواطن صوتين واحد للدائرة الفردية التي يصوت فيها والآخر للقائمة الوطنية ما يخرجنا من دائرة الصوت الواحد ويضع الأمور في نصابها الصحيح عبر مزيد من المشاركة الشعبية في القرار الوطني وايضا عبر المزيد من عدالة التمثيل..
الأصل في العمل السياسي هو المشاركة والعمل من داخل المؤسسات لعرض الآراء والمواقف واستمالة الذين يوافقون على هذه الآراء وتلك الطروحات وبالتالي التوفر على اوراق ضغط يستطيع اصحابها تمرير ما يريدون من مشاريع قوانين او مواقف سياسية او اجتماعية، اما مواصلة المعارضة والمزايدة عبر البيانات والشعارات ومغازلة القوى الخارجية فلا يعدو كونه افلاسا واضحا وجليا وانعدام قدرة على العمل المؤسسي..
لهذا ليس غريبا او مفاجئا ان يظهر تيار ثالث داخل جماعة الاخوان المسلمين وحزبها السياسي ينادي بالمشاركة ويطرح المبررات والاسباب ويقرأ جيدا في الخريطة السياسية والحزبية الاردنية التي اختلفت بالتأكيد عن تلك التي سادت قبل اقرار رزمة القوانين الاصلاحية التي وفرت اجواء من الشفافية والنزاهة والضمانات القانونية والدستورية التي تحول دون أي محاولة للتزوير او استخدام المال السياسي وغيرها من تلك الأساليب والممارسات التي يحظرها القانون..
لافت .. كذلك ما يظهر داخل صفوف الجبهة الوطنية للاصلاح التي يؤكد عقلانيون وناضجون داخلها ان الظروف مواتية للمشاركة في الانتخابات وليس للمقاطعة لأن العمل السياسي والحزبي المنغلق والمقاطع والمزايد لا يسهم الا في تزايد طوق العزلة على اصحاب هذه المواقف ويحكم عليها بالجمود ويعمق من جهلها حقيقة الهموم والمطالب الشعبية التي لا تلتقي في معظمها مع خطاب الاحزاب السياسية لأن هموم الناس لا يعرفها الا من يعيش بين صفوفهم ويعاني ما يعانونه من مشاكل وصعوبة في المعيشة وبطالة وارتفاع اسعار وهذه لا تحارب بالبيانات بل بالعمل الدؤوب في صفوف الناس والتعبير عنها داخل المؤسسات وليس بغير ذلك من ممارسات حزبية فوقية ومعزولة اسهمت في تعميق الهوة بين الاحزاب العظمى من الشعب الاردني والذي يترجم عبر هذا العزوف الشديد عن الانخراط في العمل الحزبي..
زد على ذلك ان مجرد صدور الدعوة عن الحركة الاسلامية الاردنية الى تلك القوى والاحزاب انما يعكس عقلية الهيمنة التي تسيطر على عقول قادة هذه الحركة الذين يريدون المصادرة على حقوق تلك القوى والاحزاب وتحديد موقفها من المشاركة في الانتخابات بدون ضغوط او تهديدات او تقديم مغريات يظن قادة الحركة الاسلامية انهم قادرون على تقديمها بعد ان استبدت بهم نشوة مبالغ فيها اثر هبوب رياح الربيع العربي في صالح بعض (اخوتهم) في البلدان التي اجتاحتها تلك الرياح..
لكننا نعتقد انها نشوة عابرة وان استمرارها مرهون بما يقدم ممثلو الاسلام السياسي من خدمات لشعبهم ودفاعهم عن مصالحه العليا وليس مصالح التنظيم والحزب والفرصة سانحة أمام الحركة الاسلامية والاحزاب والقوى السياسية الاردنية لاثبات وطنيتها وشعبيتها التي لا تقررها استطلاعات الرأي او المقالات الصحفية، بل صناديق الاقتراع ومدى اقتناع الناخبين ببرامج تلك الحركات والاحزاب والقوى..