كتب - صلاح العبّادي- صادفت يوم أمس الذكرى السنوية الرابعة لوفاة الشيح عز الدين الخطيب التميمي الذي ذاع اسمه وانتشر ذكره بين طلبة العلم في مختلف الأقطار والأمصار، ووضع له القبول بين الناس، مما جعله أحد العلماء المصلحين في هذه الأمة .
شغل الشيخ التميمي رحمه الله عدة مناصب منها؛ مستشار جلالة الملك للشؤون الإسلامية، وقاضي القضاة ورئيس مجلس الافتاء ووزيرا للاوقاف وعضوا في مجلس الاعيان، ورئيس مجلس التعايش الديني ورئيس مجلس أمناء جامعة آل البيت .
يعد الحديث عن الشيخ التميمي حديث عن شخصية عالم جليل قلما يجود الزمان بمثلها، وهو أحد الخالدين في تاريخ الإسلام من خلال ما انشأه من جيل صالح.
العالم الجليل والفقيه المجتهد المرحوم التميمي، عرف عنه أنه واسع الاطلاع والمعرفة محيط بأمور الشريعة الإسلامية السمحة، فقيه نقي السريرة، يتوخى الحقيقة وينأى بنفسه عن الهوى وعرض الدنيا.
يعد أحد علماء أهل السنة، ذاع اسم الشيخ، وانتشر ذكره بين طلبة العلم في مختلف الأقطار والأمصار، ووضع له القبول بين الناس، وما ذلك إلا لصفات اتصف بها وخصال اختص بها .
كان حاملاً لفكر نير من علم بالشريعة ومقاصد التشريع نابعاً من صميم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فكر يحمل آفاقاً ويفتح أبواباً للدارسين.
للمرحوم التميمي إسهامات في خدمة الدين الإسلامي الحنيف وإيصال صورته الوسطية والمعتدلة إلى العالم.
تعددت الألقاب التي حملها سماحة الشيخ التميمي في حياته بعد تبوئه لعدد من المناصب الرفيعة إلا أن لقب «الأستاذ « كان الأقرب إلى نفسه والأحب إليه.
لم يكن يعلم أبو نادر الذي عين في سلك التعليم معلماً لمادتي التربية الاسلامية واللغة العربية في خمسينيات القرن الماضي في مصر وليبيا بأنه سيصبح احد علماء الأمة الذين يشار إليهم بالبنان .
وقبل أربعة أعوام أغمض الشيخ التميمي عيناه ليفارق الدنيا بعد ثمانين عاما قضاها في خدمة دينه ووطنه وأمته ومليكه .
ولد في مدينة خليل الرحمن في بيت علم وفضل سنة 1928م وتلقي تعليمه الابتدائي في المدرسة الرشدية في الخليل، إضافة إلى رعاية وتوجيه والده الشيخ عبد العظيم إسماعيل الذي كان إمام وخطيب الحرم الإبراهيمي آنذاك، وقد شغل هذا المنصب لمدة خمسين عاماً، فانعكس تأثير الشيخ على ابنه فعلمه ووجهه للدراسة في الأزهر الشريف، وهكذا كانت النقلة النوعية في حياته لينهل من العلم الشريف في الجو الإيماني نفسه الذي تربي فيه.
التحق بكلية الشريعة بالأزهر الشريف، فنال الشهادة العالية لكلية الشريعة) الليسانس)، ثم حصل على الشهادة العالمية مع الإجازة في القضاء الشرعي سنة 1951. ثم نال الشهادة العالمية مع الإجازة في التدريس سنة 1952م.
امتهن التعليم بكل اعتزاز وإفتخار و تدرج فيها بكفاءة وجدارة عالية من معلمٍ للغة العربية والتربية الاسلاميه لسنواتٍ عديدة وثم مفتشاً ومديراً للوعظ والإرشاد ووكيلاً لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الاسلاميه وعضواً في المجلس الوطني الاستشاري وعميدا لكلية القدس ومفتيا عاما للمملكة بتاريخ 1/12/1983، وبقى كذلك إلى أن أسندت إليه وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في حكومة طاهر المصري سنة 1991، وأعيد إليه إسناد وزارة الأوقاف بعد تشكيل الشريف زيد بن شاكر للوزارة الجديدة، وبقي حتى 29/5 /1993، حيث عين في اليوم نفسه مستشاراً للشؤون الاسلاميه للمغفور له بأذن الله جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه ولجلالة الملك عبدا لله الثاني من بعد واستمر كذلك إلى 16/9/1993 ، حيث عين قاضياً للقضاة بموجب رسالة ملكية تشريفيه تحمل في مضامينها تكليفه بالإشراف على الأعمار الهاشمي لقبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك بالإضافة إلى منصب المستشار لغاية العام 2005 وعضواً في مجلس الأعيان حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى .
وترأس المرحوم لجنةً إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وشغل منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة تنمية أموال الأيتام، ونائب رئيس مجلس التربية والتعليم، ورئيس مجلس الإفتاء، وعضواً في اللجنة الملكية لحقوق الإنسان، وعضواً في مجلس أمناء مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بتاريخ 21/8/2004 وعين رئيسا لمجلس أمناء جامعة آل البيت بتاريخ 1/ 2 / 2005م، وعضوا في هيئة الأردن أولا ورئيساً لمجلس التعايش الديني .
لم تكن إسهاماته تقتصر على عمله في الخدمة العامه بل تعداه للعمل في مجالات أخرى حيث شارك بفاعليه ومثابرة في إعادة دراسة وتصحيح مناهج الثقافة الاسلاميه واللغة العربية لمراحل التعليم المختلفه في وزارة التربية والتعليم، من خلال رئاسته للفريق الوطني لتطوير مناهج الثقافة الاسلاميه.
وشارك في تأليف الكتب الدراسية للمراحل الاساسيه والثانوية جميعها وأيضا شارك في تأليف - كتاب نظرات في الثقافة الاسلاميه - وكتاب نظرات في التربية الاسلاميه وألف عدداً من الكتب والكتيبات كان من أهمها كتاب الإسلام وقضايا العصر الذي تم ترجمته إلى اللغة الانجليزية بأمر الملك عبدا لله الثاني ا وعلى نفته الخاصة.
وكتاب العمل في الإسلام مفاهيمه وأخلاقياته ، وفقه الاسرة في الإسلام ، والزكاة في الإسلام ،الشورى بين الاصالة والمعاصرة وكتب أخرى .
وأسهمت صفاته وخصاله الحميدة مثل الاستقامة والإخلاص والتفاني في العمل بالإضافة إلى تواضعه ومودته وبشاشة وجهه في قبول الناس له وطرق باب علمه للاستفادة منه .
ويقول نجله نادر «ولم يعرف عنه في يوم من أيام حياته حاقداً ولا متنفعا فقد نأى بنفسه عن عرض الدنيا وزخرفها وكان عالما علم اليقين أنها دنيا زائلة، ولم يدخل بيته سائلاً دخل إليه يشكو حاجة من الحاجات ، ويسأله المعونة عليها من ماله أو جاهه، إلا أعانه عليها ما وجد إلى ذلك سبيلاً ، رحمة وإشفاقاً، لا رياء ونفاقا».
رسم القدر سيرته الطيبة حتى أصبح من أهم الشخصيات الدينية والوجوه الاجتماعية التي عملت على أصلاح ذات البين ومد جسور التصاهر والنسب بين العائلات الاردنيه.
وفي الرابع من تموز من العام 2008 وري الثرى ودفن في المقابر الملكية لتبقى سيرته العطرة، وذكراه حيةً بين الأردنيين الذين ما زالوا يستذكرون رجالاتهم الذين قدموا للوطن والمواطن الكثير في وقت لم تنتظر أن يقدم لها الوطن شيئاً.
الأب نبيل حداد مدير مركز التعايش الديني يصف الشيخ التميمي بـ «شيخ التعايش ..»مبيناً أن كان أزهريٌ، عبَّ من العلم ما وسعه، وعَلاّمة اجتمعت في شخصه التقى مع الخلق وحسن السيرة ، فما انتفخ بسبب علمه او منصبه في زمن ينتفخ فيه من يصلون إلى منصب..
ويقول:» اقتربت من «التميمي» مدة ربع قرن ونيف .. رأيت فيه نموذجاً للمسلم العالم والمفكر والخطيب ورجل الأسرة. جسد لوحة «التعايش» .. قبل أن تكون مبادرتنا «مركز التعايش»
ويضيف انه كان نموذجاً في أبويته رفيقاً وقوراً دمثاً بشوشاً، لم تشده مكانته الرفيعة عن التواصل مع الناس .. كل الناس. ظل حتى آخر ايامه يعمل «للتعايش» .. فلم يقعده تقدمه الوقور في العمر عن السفر لنحمل معا صورة النموذج الأردني .. ولم يعجزه تراجع صحته عن المساهمة في العديد من مبادراتنا ..
ويستذكر حداد « جلسة، في مركز «جون كنيدي» في جامعة هارفارد، اجتمعنا ذات مؤتمر لحوار الأديان .. ولما جاء دوره ليعرِّفَ بالاسلام قال «الدين المعاملة»، ليدهش الحاضرين من اتباع الديانات .. فما كان من البروفسور رئيس المؤتمر إلا أن جاء أمام الشيخ منحنياً إجلالا للشيخ وطيب كلمته ، وقال «هذا أجمل ما سمعت في هذا المؤتمر»