الحقيقة الدولية - غزة-علي البطة



هزت اعترافات عدد من العملاء المتخابرين مع جهاز المخابرات الصهيوني" الشاباك" حول دورهم في اغتيال عدد من أبرز قادة حركتي حماس وفتح في قطاع غزة في السنوات الأولى من انتفاضة الأقصى، الشارع الفلسطيني.



وعرضت وزارة الداخلية في حكومة حركة حماس بقطاع غزة في وقت متأخر من مساء أمس الخميس "فيلماً مرئياً" على موقعها الالكتروني يتضمن اعترافات لعميل خطير وقف ساهم في اغتيال عدد من قادة حركتي حماس وفتح من بينهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وهم من مؤسسي حماس وكبار قادتها التاريخيين إضافة لسعيد صيام وزير داخلية حكومة حماس، كما ساهم في اغتيال مؤسس كتائب شهداء الأقصى جهاد العمارين والقيادي البارز في كتائب الأقصى مسعود عياد.



ويُبرز العرض المصور تورط "العميل الميداني الخطير" طيلة العقد الماضي في التخابر مع جهاز الأمن الداخلي الصهيوني "الشاباك".



وتورط "العميل المخضرم" بحسب اعترافه في الاغتيال المباشر لعدد من قادة الفصائل الفلسطينية كان من أبرزهم "الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي الذي تولى قيادة حركة حماس في غزة ومؤسس الجناح العسكري للحركة الشيخ صلاح شحادة وعضو مكتبها السياسي المهندس إسماعيل أبو شنب والمفكر الدكتور إبراهيم المقادمة والقياديين في كتائب شهداء الأقصى مسعود عياد وجهاد العمارين".



واختُتم العميل المخضرم اعترافاته التي بثت باعترافه بإبلاغه عن المنزل الذي تواجد بداخله وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام في حي اليرموك غرب غزة إبان الحرب على القطاع نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009.



ويُؤكد الفيلم على لسان العميل ذاته قوله: "كنت أحلم في المسكة كل دقيقة وأنا قاعد في الدار .. ما بعرف أنام في الليل رغم أنو ضابط المخابرات الصهيوني كان يقول لي أنت يد (شيلانو أريشونا) – يعني يدنا الأولى -؟".



ويُشير عرض اعتراف العميل الميداني المخضرم إلى "الأوهام التي كانت تسوقها المخابرات الصهيونية لعملائها في قطاع غزة"، مبيناً أن الشاباك كان يُوهم أخطر عملائه بأن يُنفذ له أمور كثيرة من بينها أن يجعل منه تاجراً كبيراً في القطاع بطريقة تدريجية.



ويستعرض الفيلم اعترافات عميل آخر انضم لإحدى فصائل المقاومة الفلسطينية وكان له ارتباط وثيق مع أجهزة المخابرات والاستخبارات الصهيونية على مدار سنوات.



وبحسب العرض المرئي فقد كشف "العميل" لضباط الشاباك عن الهيكلية القيادية "السياسية والعسكرية" للجان المقاومة الشعبية، ومن الأسماء التي سردها "الأمين العام الأسبق للجان الشهيد القائد كمال النيرب والأمين العام السابق الشهيد زهير القيسي والقائد العسكري للتنظيم عماد حماد".



يشار أن جميع الذين وردت أسمائهم اغتالتهم الطائرات الحربية الصهيونية نهاية عام 2011 المنصرم أو ربيع عام 2012 الجاري.



ويُوضح فيلم الداخلية أن "العميل أصبح يذكُر لضابط المخابرات الصهيونية تفاصيل عامة عن المقاومة إضافة لكشفه تفاصيل عملية فدائية كان مسئولاً عنها القائد العسكري للجان المقاومة الشعبية الشهيد عماد حماد "كانت ستحدث في منطقة معينة لكنها فشلت بسبب إيصاله المعلومات الخاصة بها للشاباك".



قصص الإسقاط



"تم التعرف على فتاة وقامت بالاتصال برقمي ..وافقت ،، اتصل بي ضابط المخابرات وذكر لي بعض الأمور الشخصية وهددني بكشف مكالمة كانت بيني وبين إحدى الفتيات" .. تفاصيل بعض اعترافات المتساقطين في الملف الثاني الذي لم تقل خطورته عن سابقه لعلاقته بفضح أساليب المخابرات الصهيونية وقصص الإسقاط والابتزاز التي اتبعها بحق الشباب والمواطنين الفلسطينيين على حد سواء.



ويوضح الفيلم كشف جهاز الأمن الداخلي التابع لداخلية غزة، هيكلية ضباط المخابرات الصهاينة موزعة على محافظات قطاع غزة.



ويُبين أن أحد العملاء تقابل مع عدد كبير من ضباط الشاباك كان من بينهم ضابطة تُدعى "ريتشل".



كما يشير الفيلم إلى اعتراف أحد العملاء "الشبان" بأن ضابط مخابرات يُدعى "يزيد" أرغمه على الارتباط معه عقب الضغوط والتهديد الذي لقيه منه و50 من أفراد عائلته ممن اعتقلهم الاحتلال من إحدى مناطق قطاع غزة خلال الحرب وزج بهم في أحد سجونه.



ويُورد الفيلم الأمني "إقرار عميل آخر ارتباطه بالمخابرات الصهيونية عام 2006 عن طريق ضابط مخابرات إسرائيلي يُدعى (بدر)".



ويسرُد العرض المرئي قصة عميل من نوع آخر، وقع في فخ العمالة بعد جملة اتصالات تلَقاها من فتاة "أعجب بصوتها وبتقديرها لأهل غزة وبطولاتهم ليكتشف في نهاية المطاف ارتباطها بالمخابرات"، بل إمعاناً في طمأنته كانت الفتاة تقطع مكالمته بحجة أنها " رايحة تصلي" .



ويستعرض الفيلم كذلك حكاية عميل سلك خلال ارتباطه وتواصله مع "الشاباك" عدة سبل وطرق ابتدأت بالمحادثة الصوتية عبر جوال مُزود بشريحة أورانج "إسرائيلية" وانتهت بإرسال معلومات عن صواريخ المقاومة وأنشطتها عبر فلاشين "قلمين ذاكرة" أرسلها له ضابط المخابرات الصهيوني ليتحول اتصاله به عبر الانترنت".



التنسيق الأمني



و يستعرض الفيلم كذلك سقوط مسؤول أمني رفيع من السلطة الفلسطينية كان مسؤولاً في التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الصهيوني منذ إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994.



وكان العقيد هو برتبة عقيد يعمل وفقاً للفيلم، في مكتب وزير الداخلية الأسبق في عهد السلطة وحضر بصحبته عدة اجتماعات حصلت بين السلطة والاحتلال هدفت لتنسيق الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة صيف عام 2005.



ويُشير الفيلم إلى أن "علاقة العقيد المخضرم مع المخابرات الصهيونية تنامت وتطورت بعد عملية ابتزازه أثناء تنقله عبر معبر بيت حانون/ إيريز شمال قطاع غزة لمكتب عمله في القدس المحتلة وبعد إصرار ضابط الشاباك الصهيوني "نضال" عدم دخول العقيد المعبر إلا بعد الموافقة على العمل مع المخابرات فكان الرد من الأول "بالإيجاب" وعدم الاعتراض"، فعُقدت عدة لقاءات بينه وبين "الشاباك" في معبر إيريز والقدس إلى جانب لقاءات أخرى احتضنها كيبوتس نير عام المحاذي لقطاع غزة.



4 عقود تجسس



ويُظهر فيلم الداخلية في هذا الملف قصة متخابر مع الاحتلال منذ عام 1961، أي فاقت سنوات عمالته أربعة عقود متتالية.



وفي تفاصيل ارتباطه بالشاباك يوضح العرض المرئي أن "العميل الختيار عُرض عليه من ضابط مخابرات صهيوني بعد اعتقاله ما يربو على شهرين أن يتم إنهاء قضيته وإطلاق سراحه مقابل العمل مع الشين بيت الصهيوني فوافق".



ويسُرد الفيلم تفاصيل اللقاءات التي كان يعقدها "الجاسوس المُسن"، مشيراً إلى أن بعضها كان يتم داخل الأراضي المحتلة عام 48 وكانت جميع مواعيده مع ضابط الشاباك "الكابتن سمير" تسجل على نوتة بالتاريخ واليوم والساعة مع التشديد من قبل الضابط على تسجيلها كـ"رموز".



ويشير الفيلم الأمني إلى الرسالة الأخيرة للعميل الختيار والتي تحدث فيها عن تجربته في "عالم الجاسوسية" ووقوعه في شرك الشاباك وإيصاله معلومات عن المقاومة طيلة أربعون عاماً مقابل مبالغ مالية زهيدة، ليصف في نهاية المطاف حكايته مع العمالة بـ"المخزية والزائفة".



بينما يُورد الملف ذاته حكاية عميل ارتبط بأجهزة الاستخبارات الصهيونية منذ عشرين عاماً – تحديداً مطلع عام 1989 ثالث أعوام انتفاضة الحجارة الأولى.



وبدأت قصة العميل مع التخابر بحسب الفيلم في إخماد الإطارات المطاطية التي كان يشعلها الفلسطينيون في شوارع غزة إلى جانب تنظيف المرافق المحيطة بالمواقع والمراكز العسكرية الصهيونية من الحجارة والإطارات.



وبحسب الفيلم فإن "العميل تهرب من ضابط المخابرات المدعو أبو رامي لكنه ما لبث بعد فترة للعودة لأحضان المخابرات الصهيونية بعد تهديده أثناء عمله في الأراضي المحتلة عام 48".



ويظهر العرض المرئي أن "المخابرات طلبت من عميل عام 89 معلومات عن مطاردين من حركة فتح خلال الانتفاضة الأولى وعن أسماء المطاردين في منطقته والمشاركين في إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال".



و قال العقيد محمد لافي المدير في جهاز الأمن الداخلي إن "جهازه اكتشف أدوات جديدة تستخدمها مخابرات الاحتلال للتواصل مع العملاء"، واعداً بعرض الأمور المكتشفة على الجهات المعنية للاستفادة منها في تلاشي ضربات الاحتلال.



وأضاف لافي تصريحات بثها موقع وزارة الداخلية عقب نشره الفيلم، أن "المؤسسة المخابراتية للاحتلال تُفرز لنا دائماً الكثير والجديد في الأدوات والوسائل المتنوعة التي نكتشفها".



ضربات متتالية



وأكد أن الأجهزة الأمنية لن تضعُف في مواجهة مخابرات الاحتلال، مشدداً على أنها "ستُحقق ضربات متتالية إلى أن تصل إلى شل أيدي المخابرات الصهيونية في قطاع غزة".



وكشف لافي عن امتلاك جهاز الأمن الداخلي صورة واضحة عن أدوات ورموز ورجال المخابرات الصهيونية ممن يتعامل معهم العملاء في قطاع غزة، مستطرداً "لكن كلُّ له وقته وأداته للتعامل معه في الوقت المحدد".



وعن توقعات جهاز الأمن الداخلي لمعركة "صراع الأدمغة" بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومخابرات الاحتلال، أوضح لافي أن "الحاضر الموجود الآن حقق ضربات موجعة للمخابرات الصهيونية".



وتوقع أن يشهد المستقبل تقليصاً وإضعافاً بشكل كبير جداً للمسافة التي يعمل فيها الاحتلال في قطاع غزة ضد المقاومة والحكومة والشعب الفلسطيني".



وأردف "هناك مؤشرات ميدانية تؤكد بأن الاحتلال ومخابراته في مأزق يتعلق بالحصول على معلومات حول المقاومة الفلسطينية وكل أدواتها"، عاداً هذه الأمور دلالة على سير الأجهزة الأمنية في الاتجاه الصحيح.



أخطر العملاء



وفيما يتعلق بعرض الفيلم اعترافات لعميل "وصف بخطورته الكبيرة"، قال لافي: "هذا العميل المشار إليه من أخطر العملاء الميدانيين للاحتلال ومثل الكشف عن "وجوده في أكثر من حالة اغتيال لقياداتنا الوطنية" إنجازاً كبيراً للأمن الداخلي".



ومضى يقول "يبدو أن هذا العميل حدثت بينه وبين المخابرات الصهيونية مصداقية في إنهاء حوادث الاغتيالات المشار إليها في الفيلم".



وفيما يتعلق باغتيال قيادات في فصائل المقاومة، أوضح أن تفاصيل الفيلم تكشف عن حادث مُعين اعترف بها عميل آخر وهذا دليل أن كل عميل له دوره، مستدركاً "لكن مهمة أخطر العملاء كانت تتعلق بالمتابعة النهائية لعمليات الاغتيال التي نفذها الاحتلال".



وأكد اعتماد المخابرات الصهيونية في عمليات الاغتيال التي تنفذها ضد قادة وكوادر المقاومة على أكثر من عميل، مستبعداً اعتماد الاحتلال على عميل واحد فقط بل على أكثر من عميل ومتابعة بحسب توجيهات ضباط المخابرات بحيث يكون لكل عميل جزء من المتابعة".



بنك الأهداف



من جانب آخر، كشف لافي اللثام عن محاولة المخابرات الصهيونية الدائمة لتحديث بنك الأهداف في قطاع غزة، مردفاً "عندما استلم بني غانتس رئاسة أركان جيش الاحتلال خلفاً لغابي أشكنازي تم تسلميه كتاب يحتوي على "بنك الأهداف" في غزة لوضعه كأولوية في رئاسة أركان جيش الاحتلال في التعامل مع القطاع".



وأشار إلى احتواء هذا البنك على معلومات كثيرة يتم تغذيتها بشكل أساسي من قبل العملاء المتعاونين مع الاحتلال بشكل مباشر.



واتهم لافي في السياق ذاته المسئولين عن المخابرات الفلسطينية التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس بتغذية بنك الأهداف ذاته الموجود لدى الاحتلال.



وعَلَّل على حديثه بقوله "تثبت لنا أن هناك معلومات أرسلها أبناء أجهزة أمنية موالية لحركة فتح في غزة إلى عناوين أمنية في رام الله وصلت بنفس الصياغة لمخابرات الاحتلال وتم استهداف تلك الأهداف ضمن جولات سابقة من التصعيد الصهيوني على قطاع غزة".



ونوه إلى تحصيل العملاء معلومات عن المقاومة من الميدان، مستدركاً "لكن للأسف دخل بعض عناصر الأجهزة الأمنية كعنصر مساند لعملاء الاحتلال في جمع هذه المعلومات".



إنجازات حديثة



وعدَّ المدير في جهاز الأمن الداخلي الاعترافات التي أقر بها مجموعة من "أخطر عملاء الاحتلال ضمن الفيلم "عبارة عن انجازات جديدة وحديثة".



وتابع "ما بين المؤتمر الأول الذي عقدته وزارة الداخلية عقب انتهاء الحملة الوطنية لمكافحة التخابر وعرض الفيلم الجديد اليوم "انجازات كثيرة لكن ليس كل ما يُنجز يُعرض عبر الإعلام".



وأوضح أن ما حصل من نشر لإنجازات حول فيلم اعترافات مجموعة عملاء ليس فيه جديد إذا نظرنا للجهد الذي تبذله الأجهزة الأمنية في الحكومة الفلسطينية وخاصة جهاز الأمن الداخلي.



وأشار إلى عملهم المستمر لمتابعة المتخاذلين في الميدان، مستطرداً "ما تم نشره حديثاً يشكل نوعية متميزة من عملاء للأسف عملوا لصالح الاحتلال وبعضهم أدى ضربات مؤلمة جداً للمقاومة الفلسطينية".



واعتبر العقيد لافي الإنجاز الجديد بـ"مثابة إحدى الردود التي تشكلها غزة بحكومتها ومقاومتها وشعبها كلُّ في مجاله وتخصصه".



وطالب لافي العملاء والمتخاذلين ومن تعرض للابتزاز والإسقاط من قبل مخابرات الاحتلال بالتوجه لجهاز الأمن الداخلي ليُدلوا باعترافاتهم حتى يُنهوا التخابر مع الكيان برجوعهم للمسار الوطني عبر الاعتراف، منوهاً في ذات السياق أن لـ"الأمن الداخلي عناوين وأماكن محددة".



وزاد في حديثه "نؤكد أنه سيبقى لتوبة العملاء خصوصية وسرية وتعاطي وتعاون إيجابي"، مستدركاً "لكن ليس لنا علاقة بالقضاء مع إشارتنا أنه يحترم الاعتراف والإقرار بالخطأ ويُخفف من الإجراءات العقابية".