عمان - بترا - عقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي اليوم الثلاثاء لقاء حواريا مع وزير المالية سليمان الحافظ قدم خلاله عرضا عن أوضاع الموازنة العامة، والتطورات المتتابعة التي رافقت وصول العجز الى أكثر من10 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، مرجحا ان يتجاوز الدين العام في نهاية العام مستوى65 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مع نهاية العام ما يمثل عبئا ماليا على كل مواطن يتعدى2200 دينار.
وأكد وزير المالية، رئيس فريق الاقتصادي للحكومة، ان أوضاع الموازنة حتى عام2006 كانت مطمئنه، وتسير وفق المؤشرات من حيث نسب المديونية ومقدار العجز، وصاحب ذلك كله معدلات نمو حقيقية تتجاوز6 بالمئة والتي استمرت حتى عام2009.
وأشار الحافظ الى القفزات الكبيرة غير المتوقعة في أرقام الانفاق الحكومي حيث كانت الزيادات في الايرادات المحلية والخارجية قليلة ما ساهم في توسيع العجز وارتفاع المديونية.
وقال ان هذا الامر استمر حتى عام2010 حين قامت الحكومة آنذاك بالتخلي عن فكرة تقديم اسعار المشتقات النفطية وربطها مع الاسعار العالمية. واضاف"عندما ارتفعت أسعار النفط الخام ومشتقاته بعد ذلك، ازداد معها الدعم الحكومي ما فرض المزيد من الارتفاع في النفقات الحكومية، وتبع تلك المشكلة الانفجارات الكثيرة والمتتالية في خط انبوب الغاز الذي يزود الأردن بالغاز المصري والذي صار توليد الكهرباء في الأردن يعتمد عليه بنسبة80 بالمئة". وبين ان انقطاع الغاز ساهم في رفع تكلفة توليد الكهرباء حيث أن تكلفة انتاج الكيلو وات في الساعة ارتفعت من حوالي180 فلسا مقابل85 ما ادى الى ان تتحمل الموازنة اعباء هذه الارتفاعات.
وقال وزير المالية أن ما تم رصده من دعم خارجي في الموازنة العامة لهذا العام كان يفوق850 مليون دينار، ولكن ما وصل الاردن حتى الآن لم يزيد عن18 مليون دينار.
وأكد انه ازاء هذه الحقائق كلها، فقد بات واضحا ان ترك الأمور على حالها لا يمكن أن يكون حلا، وأن القبول بالواقع السياسي المنحدر من اتخاذ قرارات مؤلمة سيؤدي إلى ترحيل المشاكل لا حلها، وإلى مضاعفة أثارها السلبية، وإذا كان هنالك خشية أن يؤدي تخفيف الدعم وتقليل الانفاق إلى رفع الأسعار، فإن ترك الحبل على الغارب سيؤدي إلى تهديد خطير لفرص النمو، وجذب الاستثمار، ودعم المشروعات.
ودافع الوزير عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة أخيرا، مؤكدا أن حصيلتها كلها لا تزيد عن300 مليون دينار حتى نهاية العام، مبينا أن الحكومة لم تقدم على قرارات رفع الدعم قبل أن تقدم المثل والقدوة فتبدأ بنفسها، ولذلك فإنها قررت أن تخفض الانفاق الجاري بنسبة15 بالمئة وأن توقف المشروعات الرأسمالية المرصودة في الموازنة والتي لم يبدأ تنفيذها.
وقال: لقد جمدنا التعيينات الجديدة، وبدأنا في وقف الانفاق الا في الحالات القصوى في بنود السفر، واستخدام السيارات الحكومية، واستخدام وسائل الإنارة المرشدة لاستهلاك الكهرباء.
وقال إن هذه الإجراءات لن توفر كثيراً من الانفاق العام، ولكنها تؤكد موقف الحكومة من أنها جادة في اتخاذ التدابير المانعة للهدر والموفرة في الانفاق.
وقال الحافظ ان إجراءات تعديل الأسعار قام على أسس متعددة، أولها وعلى رأسها ألا تطال هذه التدابير أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة وأن تحمل في طياتها سمات التكافل الاجتماعي، أي أن أصحاب الدخول العالية يدفعون أكثر حتى يعوضوا عن المبالغ التي يعفى من دفعها الفئات الأقل دخلاً وثراء.
وأكد كذلك أن رفع الاسعار راعى الحفاظ على مصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى نحافظ على زخم الانتاج. وأكد ان الحكومة راعت الجوانب القطاعية، حيث تم رفع اثمان الكهرباء على شركات الانتاج الكبرى والمصارف "وكان دافعنا من وراء كل ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية ودعم النمو، حيث أن اغفال النمو سيؤدي في الحصيلة إلى تراجع الإيرادات العامة". كما أكد أن ما يشاع أحيانا عن تأثر أصحاب المحلات التجارية والمصانع الصغيرة برفع أسعار الكهرباء غير صحيح مبينا أن تحديد أسعار الكهرباء وضع بناء على دراسة للاستهلاك الكهربائي لهذه المحلات وحصر رفع الاسعار بدءاً من هذه المعدلات فأكثر.
أما فيما يتعلق برفع أسعار البنزين، فقد أكد الوزير أننا في البداية وانطلاقاً من نفس المبادئ، قمنا بحصر الرفع في البنزين اوكتان95 والذي كان الاستهلاك اليومي منه يصل إلى حوالي550 طنا، وفوجئت الحكومة بعد الرفع أن الاستهلاك تدنى إلى90 طنا فقط. وبمعنى آخر فإن المقصودين بالرفع قد انتقلوا من استخدام البنزين غير المدعوم إلى البنزين المدعوم، وبذلك قامت الحكومة بعد ذلك برفع سعر البنزين أوكتان90. وقال ان هذه الاجراءات لا تغني عن برنامج وطني شامل للإصلاح، موكدا ان هذا البرنامج يجب ان يتصدى للقضايا الاساسية التي يواجهها الاقتصاد الاردني مثل العجز الخارجي في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، والعجز الداخلي الماثل في الموازنة والمديونية، وكذلك مشكلة البطالة التي تحل بمزيد من الاستثمار.
وأضاف ان الحكومة تنوي مراجعة بعض القوانين الأساسية التي تحفز الحركة الاقتصادية والنمو ويأتي في المقدمة قانون تشجيع الاستثمار والذي يؤمل عرضه قريباً على مجلس الامة في الدورة الاستثنائية التي من المتوقع ان يدعى الى عقدها قريبا.
وأكد ضرورة دراسة ظاهرة التهرب الضريبي، مشيرا الى ان تقديرات التهرب الضريبي في الاردن تقدر بحوالي800 مليون دينار "ولا بد من وضع حد لها".
وقال وزير المالية إن تفعيل القانون وتطبيقه يجب ألا يحصر في متابعة الفساد والمفسدين فحسب، بل يجب ان يطال اولئك الذين تمتد ايديهم الى مواردنا الاساسية مثل الماء والكهرباء والهواتف، حيث يأخذون ما ليس حقهم، او لا يسددون الفواتير المستحقة عليهم مؤكدا أن الحكومة بدأت باتخاذ الاجراءات الكفيلة بذلك.
واضاف ان قانون ضريبة الدخل بوضعه الحالي لا يمكن القبول به، ولا بد من انسجامه مع الدستور وتفعيل مبدأ التصاعدية فيه. وتساءل عما اذا كان مبدأ التصاعدية يقوم على أساس الدينار الضريبي أم الدينار القطاعي، وبمعنى آخر هل سيقوم تحديد النسب الضريبة التصاعدية على اساس الدخل بغض النظر عن مصدره، أم على أساس التفاضل بين القطاعات؟ وقال ان الحكومة تخذت اجراءات مدروسة في عدد من القرارات التي كانت معطله خوفاً من التعرض للاتهام مثل تفويض الاراضي لإنشاء الفنادق والاستراحات السياحية على شاطئ البحر الميت ومشروع كهرباء الخربة السمراء، وغيرها. وقال طالما القرار مدروس وعادل ويحافظ على الحقوق ويسير ضمن القوانين والانظمة فلا خوف أبداً من اتخاذ ذلك القرار.
وأكد الحافظ ان هناك مؤشرات ايجابية بدأت تظهر في الافق ونامل ان نستثمرها الاستثمار السليم بالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، ومن هذه المؤشرات ارتفاع الدخل من السياحة خلال الخمسة أشهر الاولى ارتفاعاً ملحوظاً تجاوز نسبة8 بالمئة عن العام الماضي بالإضافة الى ارتفاع حوالات الاردنيين في الخارج وارتفاع في حركة قطاع العقارات.
وبعد انتهاء الوزير من العرض فتح باب النقاش مع أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، حيث ثمن أعضاء المجلس هذا اللقاء.
وفي معرض رده على النقاط والتساؤلات التي اثيرت أكد وزير المالية ان تخفيض نسبة15 بالمئة من النفقات الجارية لن تمس على الاطلاق الاموال المخصصة في صندوق المعونة الوطنية، مشيرا الى ان صندوق تنمية المحافظات سيعنى بتقديم الدعم من اجل ايجاد اعمال جديدة في المحافظات ولن يقوم بأي من المشاريع الرأسمالية والتي هي من واجب الحكومة المركزية. وكذلك أكد الوزير ان الحكومة ورئيس الوزراء يقدران دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولا تنظر اليه كمؤسسة موازية للمؤسسات التشريعية و التنفيذية القائمة بل رديف ومكمل لها. وفي هذا الاطار اتفق على ان يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، بصفته مستشاراً مستقلاً بدراسة مشروع قانون تشجيع الاستثمار وتقديم مقترحات عليه بالسرعة الممكنة قبل عرضه على مجلس الامة، كما طالب الوزير المجلس بتقديم مقترحات محددة حول قانوني ضريبة الدخل و ضريبة المبيعات بالإضافة الى المشورة العلمية المدروسة حول قضيتين أساسيتين تهمان الحكومة والمواطن الاردني وهما التهرب الضريبي ، والآلية المثلى في توجيه الدعم لمستحقيه.
واتفق على التعاون الوثيق بين المجلس والحكومة في اعداد المشروع الوطني للإصلاح الاقتصادي، والذي يمتد لسنوات مقبلة كخارطة طريق للحكومات.
يذكر ان المجلس الاقتصادي والاجتماعي سيستضيف وزير الطاقة والثروة المعدنية في لقائه المقبل.