كتب - فيصل ملكاوي- ازمة الاخوان المسلمين في الاردن ليست ازمة حضور وانحسار متتابع في الشارع وحسب بل هي في حقيقة الامر ومن خلال معطيات وشواهد كثيرة ازمة داخلية تعصف بقياداتها واطرها التنظيمية ، وتكاد تخرج عن السيطرة وبدات تتسرب الى العلن رغم المحاولات الحثيثة من التيار المتشدد الذي يسيطر على قرار المال والتنظيم ابقائها طي الكتمان او تصديرها الى انفعالات في الشارع باساليب وادوات مختلفة .
الازمة الاخوانية الداخلية ازمة تدحرجت خلال السنوات الماضية ، خصوصا بعد ان اختلطت الاوراق في الاطارالقيادي للحركة الاسلامية بشقيها الجماعة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي ، جراء دفع قيادات محددة ، بالتبعية لواجهتين تعتمدان «الاسلام السياسي» كنهج للعمل اينما وجدا في الاقليم والعالم الاول هو التنظيم الدولي للاخوان والثاني هي حركة حماس خاصة قيادتها في الخارج التي رهنت بدورها القضية الفلسطينية لاجندات اقليمية ترتبط على وجه
الخصوص بايران وسوريا .
هذا الامر جرى قبل الربيع العربي بسنوات ، لتداهم احداث ومجريات الربيع العربي ، الاخوان ، بشكل متسارع كان فيه اخوان الاردن ، الاكثر ارتباكا ، بعد ان افقد التيار المتشدد في الجماعة ، استقلالية قرارها الى حد بعيد خاصة في التعاطي مع مثل هذه الظروف والازمات الاقليمية ، وبعد ان عصفت الاحداث بشكل مباشر ، بالانظمة الحليفة لهم خاصة في سوريا التي احتضنت قيادة حماس في الخارج ، التي تحالفت مع ايران بشكل غير مسبوق .
الاخوان المسلمون في الاردن ، لم ينجحوا في استيعات الاحداث والتطورات المتلاحقة ، في المنطقة ، لاسيما وان تيار الارتباط بالاجندات الخارجية مضى قدما ، في هذا النهج خلال الربيع العربي ، لكن بانقلاب دراماتيكي على حلفاء الخارج،من جهة وركوب موجات الثورات العربية من جهة ثانية .
ووفقا لهذا الانقلاب تم استبدال الحلفاء التقليديين بالحليف الغربي بقرار من التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ، الذي رأى الفرصة مواتية تعويض تواضع الحضور في الشارع العربي بالانخراط بانتهاز الفرصة بتقديم اوراق الاعتماد للقوى الغربية ، التي لم تستطع الدفاع عن الانظمة التي تهاوت امام غضب الشارع الذي انفجر بوجه تلك الانظمة جراء عقود من الاستبداد والفساد وليس بفعل تحريك الاخوان المسلمين باي حال .
هذه العوامل التي ادت الى الواقع الجديد الذي سمي الربيع العربي لم يكن لها ارضية في النموذج الاردني ، اذ ان المجريات اثتبت ان التجربة الاردنية في التغيير تعمل من تلقاء نفسها منذ فترة طويلة وان شابها اخطاء وتباطؤ اكثر من مرة وخاصة في مسالة التحدي الاقتصادي .
لكن في الجانب السياسي كانت التجربة مقنعة للغالبية الساحقة من المجتمع وقواه المختلفة ، تستحق الشراكة والتعامل معها بجدية وتطويرها وفق وصفة اردنية ذاتية ، تتعامل بحساسية شديدة ازاء الاجندات والوصفات الخارجية التي هرول اليها «اخوان» الاردن بلا تردد .
جراء هذا الواقع كانت ازمة الاخوان المسلمين في الاردن ، ازمة مع الشارع الاردني وقواه المختلفة ، جراء قراءات خاطئة لواقع المجتمع الاردني ، الذي يؤمن بثوابته تماما ، وما زاد الامر سوءا ان « الاخوان « حاولوا المس بهذه الثوابت غير مرة ، فواجهوا رد فعل شديدة الرفض والاستنكار ، ولدت مزيدا من النفور والانحسار لهم في الشارع الاردني.
هذه الحالة من النفور لوحظت بشكل لافت في العاصمة التي اصبح رقم العشرات هو السائد في عديد في فعاليات الاخوان الى جانب المحافظات التي رفضتهم بشكل كبير ،ورات بفعاليات التي جرى الاصرار على تنفيذها خصوصا في محافظتي الطفيلة والمفرق تحريضا وفتنة ليس الا .
تيار الارتباط بالخارج يدفع في هذه المرحلة بالتوجة الى المخميات التي واجه ابناؤها وهم جزء اصيل من ابناء الشعب الاردني هذه المحاولات باشد مواقف الرفض الناجم عن الوعي والادراك العميق لخلفيات واهداف هذا « الغزل « المفاجيء من الاخوان « للمخيم « الذي راي فيه ابناءالمخيم نهجامريبا وغريبا ، كما ان البيان شديد اللهجة الذي عنف فيه نواب المخميات «الاخوان» والذي صدر مساء امس الاول كان قاطعا لجهة ان مثل هذه المحاولات تعد خطوطا حمراء لا يمكن السماح بتجاوزها
وان من يسعى اليها يريد فتنة وحريقا كما جاء في البيان .
استراتيجية الاستفراد في الاخوان التي يسيطر عليها التيار المتشدد ، تواجه استنكافا ، من كثير من قادة الحركة وقواعدها ،بل وفي كثير من الاحيان رفضا ، لمنهجية العمل في الشارع او الخطاب التازيمي والانفعالي ، الذي يذهب بكل رصيد للحركة الاسلامية كل يوم ، اذ تشير كل المعلومات الواردة من دواخل الاخوان ، ان قياديا او اثنين ، من تيار التبعية للخارج هما اللذان قررا بشكل مباشر الذهاب الى مخيم الحسين لتنظيم مسيرة هناك والتي كانت المشاركة فيها محدودة وتقتصر على اعضاء التنظيم .
في اطار التخبط والازمة التي يعيشها الاخوان ، كان لافتا خلال الاجتماع الذي عقدته ، جماعة الاخوان المسلمين في مقرها في الخامس من الشهر الجاري بداعي
توحيد الحراكات الشعبية والشبابية ان هناك محاولة واضحة للتضليل ، اذ لوحظ كثرة الحراكات التي حضرت الاجتماع لكن المدقق في اسماء هذه الحراكات وممثليها
يرى انها بالاصل حراكات « اخوانية « وبسميات مختلفة لاعطاء انطباع انها حراكات مناطقية او عشائرية .
فعلى سبيل المثال ما يسمى نقابيون من اجل الاصلاح يقوده الاخوان ، وحراكات مناطقية وكذلك من حضر من حراك المعلمين هم من المنظمين باسم الاخوان وحتى حزب الوحدة الشعبية فيقوده تيار مربتط بقيادة الاخوان المسلمين وتوجهاته اكثر من ارتباطه بمرجيعته الاصلية وما انسياقة وتماهية مع برنامج الاخوان خلال السنوات
الماضية الا دليل على ذلك هذا الى جانب تسرب معلومات من بعض قيادي الجماعة برفضهم لدخول اشخاص يعتبرونهم «علمانيين» في الاجتماع المشار
اليه بدعوة من متشددي الجماعة لمجرد تسجيل حضورا باي شكل لدعم الاجتماع رغم اعتراض قيادات في الحركة على مثل هذا الحضور من حيث المبدأ.
يخشى عدد كبير من قواعد الحركة الاسلامية ، وقياداتها ، من خطورة هذا النهج ، ومن النتائج الوخيمة التي يجلبها على الحركة برمتها ، لكن تيار اخر داخل الاخوان اقل تشددا ، يرى بان لمثل هذه الحالة من الاستنكاف ، عن مواجهة نهج التشدد والارتباط بالخارج من شانها تشديد قبضتهم على الحركة الاسلامية بشقيها الجماعة والحزب .
لم تعد استراتجية هذا التيار تنطلي على احد في الشارع ، الذي اتسع شق الهوة معه الى ابعد الحدود ، وكذلك اثاره السلبية على نفور القوى السياسية من الالوان الاخرى من اطر تنسسيقية مع الاخوان اتضح لهم ان محصلتها تصب في مصلحة الاخوان وحسب .
الى جانب التازيم المفتعل بلا مناسبة ولا مسوغ الذي يمارسه هذا التيار ، يتلاعب ايضا في انتخابات الاطر التنظمية للحركة الاسلامية حتى باستخدام المال السياسي ومختلف اساليب الاستفراد ما اثار اصواتا في الاخوان مطالبة بالتحقيق في هذه الممارسات ومحاسبة مرتكبيها خاصة محاسبة قيادي بعينه عرف بتطرفه ومحاولاته اثارة التازيم في خطاباته وتحركاته وتصريحاته .
ولا يتوقف الامر عند هذا الحد من الانقسامات والخلافات التي باتت شبه دائمة داخل الاطر التنظمية للاخوان سواء على صعيد الانتخابات الداخلية على اكثر من مستوى
التي رفض المعترضين على نهج التشدد الانخراط بها او الترشح اليها او على صعيد العمل الميداني الذي ابدى ذات القياديين اعتراضات جوهرية عليها خاصة تلك التي اثارت مشاكل وعرضت الحركة الاسلامية للنقد الشديد جرائها ، خاصة وان التيار المشتدد ورموزه اصروا على اقامتها بقرارات فردية الى جانب اصدار قرارت بتنظيم فعاليات بلا علم المستوى القيادي المؤسسي للحركة ما فاقم حدة الخلافات والانقسامات داخلها .
ترى مصادر اخوانية حريصة على دور الحركة الاسلامية ، وحضورها على الساحة السياسية ، انه لا بد من وقفة مراجعة شاملة لمجريات العام الماضي حتى اليوم ، في ادارة حراك الحركة في الشارع وتعاملها مع الدولة ومؤسساتها .
تتزايد القناعة داخل تيارات عديدة في الاخوان وخارجهم الى ان حالة الاستنكاف والاعتذار التي يمارسها قادة في الحركة لهم حضورهم واحترامهم في مختلف الاوساط وخاصة داخل اطر الجماعة والحزب لا بد من مراجعتها ، والتدخل ، في اللحظة المناسبة وهي هذه المرحلة لاعادة التوازن للحركة كتيار سياسي يعمل وفق اطر الدولة الاردنية لا انقطاعا لخطوط الاتصال والتفاهم معها .