السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه وقفات حول الآية الكريمة :
قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم ) سورة الواقعة (آية 12)
من تفسير السعدي رحمه الله :
(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.
أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها.
========
وشرح الشيخ بن باز رحمه الله . في إحدى فتاويه عندما شرح (حقيقة الإخلاص ) فقال :
والإحسان : هو أن تعبد الله كأنك تراه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وأهل هذه المرتبة هم السابقون المقربون المذكورون في قوله سبحانه في سورة الواقعة : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) الآية ، وبالله التوفيق .
=========
وفي شرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :: حول صفات المتقين المقرّبين : فقال :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول اللّه تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه).
وهذا الحديث قد بين فيه أولياء اللّه المقتصدين، أصحاب اليمين والمقربين السابقين.
فالصنف الأول: الذين تقربوا إلى اللّه بالفرائض.
والصنف الثاني: الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم، كما قال تعالى.
وهذان الصنفان قد ذكرهم اللّه في غير موضع من كتابه كما قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] .
وكما قال اللّه تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 22-28] .
قال ابن عباس: يشرب /بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا.
وقال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 17، 18] .
وقال تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 8-11].
وقال تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة: 88-91].
===========
من مختصر بن كثير رحمه الله :
قوله تعالى: {وكنتم أزواجاً ثلاثة} أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم عن يمين العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، وهم جمهور أهل الجنة، وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار، وطائفة سابقون بين يديه عزَّ وجلَّ وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين، لهذا قال تعالى:
{فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة * والسابقون السابقون}، وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم.
وهكذا ذكرهم في قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه} الآية وذلك على أحد القولين في الظالم لنفسه كما تقدم بيانه، قال ابن عباس (وكنتم أزواجاً ثلاثة) قال: هي التي في سورة الملائكة (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الآية.
وقال يزيد الرقاشي: سألت ابن عباس عن قوله: (وكنتم أزواجاً ثلاثة) قال: أصنافاً ثلاثة.
وقال مجاهد: (وكنتم أزواجاً ثلاثة) يعني فرقاً ثلاثة.
وقال ميمون بن مهران: أفواجاً ثلاثة، اثنان في الجنة وواحد في النار.
قال مجاهد: (والسابقون السابقون) هم الأنبياء عليهم السلام.
وقال السدي: هم أهل عليين.
وقال ابن سيرين (والسابقون السابقون) الذين صلوا إلى القبلتين.
وقال الحسن وقتادة: (والسابقون السابقون) أي من كل أمة.
وقال الأوزاعي، عن عثمان بن أبي سودة، أنه قرأ هذه الآية (والسابقون السابقون أولئك المقربون) ثم قال: أولهم رواحاً إلى المسجد، وأولهم خروجاً في سبيل اللّه، وهذه الأقوال كلها صحيحة، فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات، كما أمروا، كما قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض).
وقال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض)، فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان، ولهذا قال تعالى: (أولئك المقربون في جنات النعيم).
وقال ابن أبي حاتم، قالت الملائكة: يا رب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون، فاجعل لنا الآخرة، فقال: لا أفعل، فراجعوا ثلاثاً، فقال: لا أجعل من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان؛ ثم قرأ عبد اللّه: {والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم} "رواه ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو موقوفاً".
=============
وذكر القرطبي رحمه الله في كتاب: الجامع لأحكام القرآن فقال :
(السابقون)، فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة.
=============
وذكر ابن القيم رحمه الله -- في كتابه حادي الأرواح :
فقال : والسابقون السابقون واختلف في تقريرها على ثلاثة أقوال :
أحدها :أنه من باب التوكيد اللفظي ويكون الخبر قوله أولئك المقربون .
والثاني: أن يكون السابقون الأول مبتدأ والثاني خبر له على حد قولك زيد زيد اي الذي سمعت به هو زيد كما قال
أنا أبو النجم وشعري شعري وكقول الأخر : إذ الناس ناس والزمان زمان قال ابن عطية: وهذا قول سيبويه .
والثالث : أن يكون الأول غير الثاني ويكون المعنى السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان وهذا اظهر والله أعلم.
فإن قيل فما تقول في الحديث الذي رواه الأمام أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب قال أصبح رسول الله فدعا بلال فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ودخلت البارحة فسمعت خشخشتك امامي ..
فأتيت على قصر مريع مشرف من ذهب فقلت لمن هذا القصر قالوا لرجل من أمة محمد قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر أبن الخطاب فقال بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا وصليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله على ركعتين فقال رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله فبذلك قيل نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدا يسبق رسول الله إلى الجنة.
وأما تقدم بلال بين يدي رسول الله في الجنة فلأن بلالا كان يدعوا إلى الله أولا بالأذان فيتقدم أذانه بين يدي النبي فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم وقد روى في حديث أن النبي يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه ينادي بالأذان فتقدمه بين يديه كرامة لرسوله وأطهارا لشرفه وفضله لا سبقا من بلال بل هذا السبق من جنس سبقه إلى الوضوء ودخول المسجد ونحوه والله أعلم.
المفضلات