أثارت الزيارات التي قامت بها شخصيات من النخب السياسية والدينية في العالم العربي والإسلامي إلى بيت المقدس – المسجد الأقصى – ردود أفعال وجدل واسع لدى مختلف القطاعات الإعلامية والدينية والسياسية وبخاصة أحزاب الإسلام السياسي، فيما وجدت جماعة "الأخوان المسلمين" الصاعدة بقوة إلى السلطة في عدد من دول العالم في تلك الزيارات ظالتها السياسية في إستثمار اللحظة وتعويض ما لحق بها من أضرار بالغة في شعبيتها التي باتت على المحك.

خلاف سياسي وديني

ولعل الجدل الدائرة حول مسألة زيارة بيت المقدس تتركز في جانبين ديني وسياسي، من حيث حصول الزائر على تأشيرة من سفارات كيان الاحتلال الصهيوني المنتشرة في بعض الدول العربية التي أبرمت إتفاقيات ومعاهدات سلام معه.

وربما يعود السبب في تسليط الأضواء على زيارة بيت المقدس في المنابر الإعلامية والدعوية، إلى تكرار زيارة بعض الشخصيات العربية العامة، المعروفة على المستوى السياسي والديني في العالم العربي والإسلامي.

إذ أن الاحتجاجات حول هذه الزيارة جاءت عقب زيارة العديد من الدعاة والعلماء وبعض الشخصيات العربية العامة، حيث قام الداعية اليمني علي الجفري بتاريخ 4/ 4/ 2012 بزيارة للمسجد الأقصى، أثارت أيضاً موجة كبيرة من ردود الأفعال بين الترحيب والاستنكار، تلا ذلك الزيارة التي قام بها مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، بتاريخ 18|4|2012م، وأدائه الصلاة بالحرم القدسي، وتم نشر العديد من الصور له فوق منبر صلاح الدين الأيوبي داخل المسجد الأقصى.

توظيف سياسي

وقد بدا واضحاً من خلال ردود أفعال النخب السياسية والحزبية أن هناك محاولة لتسييس هذه القضية، من خلال إصدار أحكام فقهية، بعضها يحرم هذه الزيارة، ويسوق لفتواه أدلة فقهية تستند في مجملها إلى قياس الأحكام على ما أفتى به علماء أهل السنة زمن الاحتلال الصليبي لبيت المقدس، وتصدى بعض الدعاة الذين ينتمون لمدارس أيديولوجية مختلفة إلى إصدار تلك الفتاوى تحرم الزيارة والحصول على تأشيرة من سفارات كيان الاحتلال الصهيوني، والبعض الآخر لا يرى فيها حرمة، ولا يعتبرها تطبيعاً مع الكيان الصهيوني.

بين التأييد والمعارضة

ومن بين الشخصيات الإسلامية التي أيدت ورحبت زيارة شخصيات عامة لبيت المقدس، مدير أوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب حيث عبر عن ترحيبه بزيارة المفتي والأمير غازي بن محمد، واعتبر الزيارة دعم للمسجد الأقصى ودعم لسكان مدينة القدس، وتعدّ هذه الزيارة الأولى التي يقوم فيها كل من مفتي مصر والأمير غازي بن محمد.

فيما رفض مدير لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب الدكتور جمال عبدالسلام مثل هذه الزيارات التي تقوم بها شخصيات سياسية ودينية عامة، في ظل الاحتلال الصهيوني وحماية من جنود الاحتلال، مشدداً على أنّ الزيارة تعدّ طعنة لصمود أهل غزة الذي ينتظر من الدعاة والعلماء دعمه وليس شرعنة الاحتلال بزيارة القدس بتأشيرة دخول صهيونية.

من جهة ثانية؛ أيد وزير الأوقاف الأردني الاسبق، المهندس رائف نجم ما نشر على لسان وزير الأوقاف الفلسطيني واعتبر زيارة المسجد الأقصى فريضة شرعية وضرورة سياسية على المسلمين والمسيحيين بنص صريح السنة النبوية المشرفة، وهذه الزيارة تشبه زيارة النبي (صلى الله عليه وسلم) للمسجد الحرام بعد صلح الحديبية وهو تحت حكم المشركين ولم يقل أحد ان ذلك يُعد تطبيعاً من النبي (صلى الله عليه وسلم) مع المشركين أو اعترافاً بشرعية حكمهم لمكة المكرمة.

ولا يرى نجم أي حرمة في زيارة المسجد الأقصى، حيث عبر عن ذلك في مقالته التي نشرها تحت عنوان " زيارة القدس واجب أم تطبيع" بصراحة بقوله: على كل من يدخل القدس ان يحصل على تأشيرة اسرائيلية ولكن من يدخل القدس ينوي تقديم الدعم المادي والمعنوي لسكانها عن طريق التعامل معهم بالشراء والمسكن والصلاة في المسجد الأقصى وربما تقديم المعونات الى العائلات الفقيرة فان الاعمال بالنيات حسب الحديث الشريف (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى) ولا تؤخذ الأمور بظاهرها في الوقت الذي تسعى فيه السلطات الاسرائيلية لتهويد المدينة المقدسة وتبني الهيكل المزعوم مكان المسجد الاقصى المبارك. لذلك على الأمة العربية (مسلمين ومسيحيين) ان لا ينقطعوا عن زيارة القدس لأن هذه الزيارة ضد تخطيط الاسرائيليين لتهويد المدينة والقضاء.

في مقابل الجدل الدائر بين الساسة من جانب، والفقهاء المسلمين بين مؤيد ومعارض لزيارة بيت المقدس، جدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوته للعرب والمسلمين بزيارة القدس للإطلاع على الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية منها.

وفي هذا الصدد، قال عباس "دعونا وندعو دائماً جميع الأخوة العرب المسلمين والمسيحيين ليزوروا فلسطين و القدس ليقفوا على حقيقة ما يجري هنا فالأرض الفلسطينية تُسلب وتُنهب يوماً بعد يوم من قبل الاحتلال الإسرائيلي".

تطبيع مع العدو ام دعم للشعب الفلسطيني

على ما يبدو فإن المفاهيم تتغير، ففي الوقت الذي كان التطبيع مع الكيان الصهيوني أمراً محرماً ومرفوضاً لدى كافة القطاعات الشعبية والرسمية في العالمين العربي والإسلامي عموماً، أصبح الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني أمراً مقبولاً بل وصلت الجرأة لعرض المسألة على الشرع بهدف إصدار الفتاوى التي تحلل أو تحرم التطبيع بشكل مباشر.

فعلى سبيل المثال، عندما قام السادات بتوقيع اتفاقية " كامب ديفيد" قاطعته العديد من النظم السياسية العربية والإسلامية، ناهيك عن المقاطعة الشعبية في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، التي وصلت إلى الإطاحة برأسه.

وباتت تتردد الجملة التالية على لسان الناس في العالم العربي وهي: ( سنذهب إلى " إسرائيل")، وفي " أسرائيل" يقول الأوروبيون " أهلاً وسهلاً في فلسطين"، وفي ذلك دلالة على أن التطبيع مع الكيان الصهيوني بات أمراً طبيعياً لدى عوام الناس.




المصدر: الحقيقة الدولية – عمّان – مروان شحادة