احباب الاردن التعليمي

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 32

الموضوع: استمتع بحياتك للدكتورمحمد بن عبد الرحمن العريفي ...متجدد

  1. #11
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    مع الفقراء
    عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجارية .. فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفة فيضحكون عند سماعها .. وأخطاؤه صغيرة .. فيتغاضون عنها ..
    أما الفقراء فنكتهم ثقيلة .. يسخر بهم عند سماعها .. وأخطاؤهم جسيمة .. يصرخ بهم عند وقوعها ..
    أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان عطفه على الغني والفقير سواء ..
    قال أنس :
    كان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حرام ..
    وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي صلى الله عليه و سلم من البادية شيئاً من إقط أو سمن ..
    فيُجهزه رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه ..
    وكان النبي صلى الله عليه و سلم يحبه .. وكان يقول : ( إن زاهراً باديتنا .. ونحن حاضروه ).. وكان زاهراً دميماً
    خرج زاهر يوماً من باديته .. فأتى بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلم يجده ..
    وكان معه متاع فذهب به إلى السوق .. فلما علم به النبى صلى الله عليه و سلم مضى إلى السوق يبحث عنه ..
    فأتاه فإذا هو يبيع متاعه .. والعرق يتصبب منه .. وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها ..
    فاحتضنه صلى الله عليه و سلم من ورائه ، وزاهر لا يُبصره .. ولا يدري من أمسكه ..
    ففزع زاهر وقال : أرسلني .. من هذا ؟ ..
    فسكت النبي عليه الصلاة والسلام ..
    فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة ..
    وجعل يلتفت وراءه .. فرأى النبي صلى الله عليه و سلم .. فاطمأنت نفسه .. وسكن فزعه ..
    وصار يُلصٍق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه و سلم .. حين عرفه ..
    فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يمازح زاهراً .. ويصيح بالناس يقول :من يشتري العبد ؟ .. من يشتري العبد ؟ ..
    فنظر زاهر في حاله .. فإذا هو فقير كسير .. لا مال .. ولا جمال ..
    فقال : إذاً والله تجدني كاسداً يا رسول الله ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : لكن عند الله لست بكاسد .. أنت عند الله غال ..
    فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به صلى الله عليه و سلم وهو يملكهم بهذه الأخلاق ..
    كثير من الفقراء .. قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام .. لكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة ..
    وكم من فقير تبسمت في وجهه .. وأشعرته بقيمته واحترامه .. فرفع في ظلمة الليل يداً داعية .. يستنزل بها لك الرحمات من السماء ..
    ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لا يؤبه له .. لو أقسم على الله لأبره ..
    فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء ..


    إشارة ..
    لعل ابتسامة في وجه فقير .. ترفعك عند الله درجات ..

  2. #12
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    الصغار
    كم هي المواقف التي وقعت لنا في صغرنا ولا تزال مطبوعة في أذهاننا إلى اليوم .. سواء كانت مفرحة أو محزنة ..
    عُد بذاكرتك إلى أيام طفولتك .. ستذكر لا محالة جائزة كرمت بها في مدرستك .. أو ثناء أثناه عليك أحد في مجلس عام .. فهي مواقف تحفر صورتها في الذاكرة .. فلا تكاد تنسى ..
    وإلى جانب ذلك .. لا نزال نتذكر مواقف محزنة .. وقعت لنا في طفولتنا .. مدرس ضربنا .. أو خصومة مع زملاء في المدرسة .. أو مواقف تعرضنا فيها للإهانة من أسرتنا .. أو تعرض لها أحدنا من زوجة أبيه .. أو نحو ذلك ..
    وكم صار الإحسان إلى الصغار طريقاً إلى التأثير ليس فيهم فقط .. بل في آبائهم وأهليهم .. وكسب محبتهم جميعاً ..
    يتكرر كثيراً لمدرس المرحلة الابتدائية أن يتصل به أحد أبوي طالب صغير ويثني عليه وأنه أحبه لمحبة ولده له وكثرة ذكره بالخير .. وقد يعبرون عن هذه المشاعر في لقاء عابر .. أو هدية أو رسالة ..
    إذن لا تحتقر الابتسامة في وجه الصغير .. وكسب قلبه .. وممارسة مهارات التعامل الرائع معه ..
    ألقيت يوماً محاضرة عن الصلاة لطلاب صغار في مدرسة ..
    فسألتهم عن حديث حول أهمية الصلاة .. فأجاب أحدهم : قال صلى الله عليه و سلم : بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة .. أعجبني جوابه .. ومن شدة الحماس نزعت ساعة يدي وأعطيته إياها ..
    وكانت – عموماً – ساعة عادية كساعات الطبقة الكادحة ..!
    كان هذا الموقف مشجعاً لذلك الغلام .. أحب العلم أكثر .. وتوجه لحفظ القرآن .. وشعر بقيمته ..
    مضت الأيام .. بل السنين .. ثم في أحد المساجد تفاجأت أن الإمام هو ذلك الغلام .. وقد صار شاباً متخرجاً من كلية الشريعة .. ويعمل في سلك القضاء بأحد المحاكم .. لم أذكره وإنما تذكرني هو ..
    فانظر كيف انطبعت في ذهنه المحبة والتقدير بموقف عاشه قبل سنين ..
    وأذكر أني دعيت ليلة لإحدى الولائم .. فإذا شاب مشرق الوجه يسلم علي بحرارة بي ويذكرني بموقف لطيف وقع له معي في محاضرة ألقيتها في مدرسته لما كان غلاماً صغيراً ..
    وكم ترى من الناس الذين يحسنون التعامل مع الصغار من يخرج من المسجد .. فترى أباً يجره ولده الصغير بيده ليصل إلى هذا الرجل فيسلم عليه ويبلغه بمحبة ولده له ..
    وقد يقع مثل هذا الموقف في وليمة كبيرة أو عرس .. يكثر فيه المدعوون ..
    ولا أكتمك أنني أبالغ في إكرام الصغار والحفاوة بهم بعض الشيء .. بل والاستماع إلى أحاديثهم العذبة – وإن كانت في أكثر الأحيان غير مهمة – بل أزيد الحفاوة ببعضهم أحياناً إكراماً لوالده وكسباً لمحبته ..
    أحد الأصدقاء كنت ألقاه أحياناً مع ولده الصغير .. فكنت أحتفي بالصغير وألاطفه ..
    لقيني صديقي هذا يوماً في محفل كبير .. فأقبل إليَّ بولده يسلم علي .. ثم قال : ماذا فعلت بولدي ! يسألهم مدرسهم قبل أيام عن أمنياتهم في المستقبل .. فمنهم من قال : أكون طبيباً .. والآخر قال : أكون مهندساً .. وولدي قال : أكون محمد العريفي !!
    ويمكنك أن تلاحظ أنواع الناس في التعامل مع الصغار .. عندما يدخل رجل إلى مجلس عام ويطوف بالحاضرين مصافحاً .. وولده من خلفه يفعل كفعله .. فمن الناس من يتغافل عن الصغير .. ومنهم من يصافحه بطرف يده .. ومنهم من يهز يده مبتسماً مردداً : أهلاً يا بطل .. كيف حالك يا شاطر .. فهذا الذي تنطبع محبته في قلب الصغير .. بل وقلب أبيه وأمه ..
    كان المربي الأول صلى الله عليه و سلم له أحسن التعامل مع الصغار ..
    كان لأنس بن مالك أخ صغير .. وكان صلى الله عليه و سلم يمازحه ويكنيه بأبي عمير .. وكان للصغير طير صغير يلعب به .. فمات الطير ..
    فكان صلى الله عليه و سلم يمازحه إذا لقيه .. ويقول : يا أبا عمير .. ما فعل النغير ؟ يعني الطائر الصغير ..
    وكان يعطف على الصغار ويلاعبهم .. ويلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول : ( يا زوينب .. يا زوينب .. ) ..
    وكان إذا مر بصبيان يلعبون سلم عليهم ..
    وكان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم .. ويمسح رؤوسهم ..
    وعند رجوعه صلى الله عليه و سلم من المعركة كان يستقبله الأطفال فيركبهم معه ..
    فعند عودة المسلمين من مؤتة ..
    أقبل الجيش إلى المدينة راجعاً ..
    فتلقاهم النبي عليه الصلاة والسلام .. والمسلمون ..
    ولقيهم الصبيان يشتدون ..
    فلما رأى صلى الله عليه و سلم الصبيان .. قال : خذوا الصبيان فاحملوهم ..
    وأعطوني ابن جعفر ..
    فأُتي بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه ..
    وكان يتوضأ يوماً من ماء .. فأقبل إليه محمود بن الربيع طفل عمره خمس سنوات .. فجعل صلى الله عليه و سلم في فمه ماء ثم مجه في وجهه يمازحه .. ..
    وعموماً .. كان صلى الله عليه و سلم ضحوكاً مزوحاً مع الناس .. يدخل السرور إلى قلوبهم .. خفيفاً على النفوس لا يمل أحد من مجالسته ..
    أقبل إليه رجل يوماً يريد دابة ليسافر عليها أو يغزو ..
    فقال صلى الله عليه و سلم ممازحاً له : ( إني حاملك على ولد ناقة ) ..
    فعجب الرجل .. كيف يركب على جمل صغير .. لا يستطيع حمله .. فقال : يا رسول الله وما أصنع بولد الناقة ؟
    فقال صلى الله عليه و سلم : ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) .. يعني سأعطيك بعيراً كبيراً .. لكنه - قطعاً - قد ولدته ناقة ..
    وقال صلى الله عليه و سلم يوماً لأنس ممازحاً : ( يا ذا الأذنين ) ..
    وأقبلت إليه امرأة يوماً تشتكي زوجها .. فقال لها صلى الله عليه و سلم : زوجك الذي في عينه بياض ؟
    ففزعت المرأة وظنت أنه زوجها عمي بصره .. كما قال الله عن يعقوب عليه السلام " وابيضت عيناه من الحزن " أي : عمي ..
    فرجعت فزعة إلى زوجها وجعلت تنظر في عينيه .. وتدقق ..
    فسألها عن خبرها ؟!
    فقالت : قد قال رسول الله إن في عينك بياض ..
    فقال لها : يا امرأة .. أما أخبرك أن بياضها أكثر من سوادها ..
    أي أن كل أحد في عينه بياض وسواد ..
    وكان صلى الله عليه و سلم إذا مازحه أحد تفاعل معه .. وضحك وتبسم ..
    دخل عليه عمر وهو صلى الله عليه و سلم غضبان على نسائه .. لما أكثرن عليه مطالبته بالنفقة .. فقال عمر : يَا رَسُولَ اللَّهِ .. لَوْ رَأَيْتَنا وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ .. نَغْلِبُ النِّسَاءَ .. فكنا إذا سألت أحدَنا امرأتُه نفقةً قام إليها فوجأ عنقها ..
    فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ .. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ..
    يعني فقويت علينا نساؤنا ..
    فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم .. ثم زاد عمر الكلام .. فازداد تبسم النبي صلى الله عليه و سلم .. تلطفاً مع عمر رضى الله عنه ..
    وتقرأ في أحاديث أنه تبسم حتى بدت نواجذه ..
    إذن كان لطيف المعشر .. أنيس المجلس ..
    فلو وطّنا أنفسنا على مثل هذا التعامل مع الناس .. لشعرنا بطعم الحياة فعلاً ..
    فكرة ..
    الطفل طينة لينة نشكلها بحسب تعاملنا معه ..

  3. #13
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    العبيد و المماليك
    كان يحسن الدخول إلى قلوبهم بما يناسب ..
    لما توفي عم النبي صلى الله عليه و سلم .. اشتد أذى قريش عليه صلى الله عليه و سلم ..
    فخرج صلى الله عليه و سلم إلى الطائف .. يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه .. ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى ..
    خرج إليهم وحده ..
    وصل إلى الطائف .. وعمد إلى نفر ثلاثة من ثقيف وهم سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة .. عبد يا ليل .. ومسعود .. وحبيب .. بنو عمرو بن عمير ..
    فجلس إليهم صلى الله عليه و سلم .. فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه ..
    فقال أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ..
    وقال الآخر : أما وجد الله أحداً أرسله غيرك ؟
    أما الثالث فقال – متفلسفاً - :
    والله لا أكلمك أبداً ! لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام .. ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك ..
    فلما سمع منهم هذا الرد القبيح .. قام من عندهم .. وقد يئس من خير ثقيف ..
    لكنه خاف أن تعلم قريش بخبر ثقيف معه فيجترئون عليه أكثر .. فقال لهم :
    إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا على ..
    فلم يفعلوا .. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ..
    حتى اجتمع عليه الناس وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة .. وشيبة بن ربيعة .. وهما فيه ..
    ورجع عنه من سفهاء ثقيف ممن كان يتبعه ..
    فعمد صلى الله عليه و سلم إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه ..
    وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف ..
    فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما ..
    فدعوا غلاماً لهما نصرانياً يقال له عداس .. وقالا : له خذ قطفاً من هذا العنب فضعه في هذا الطبق .. ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ..
    ففعل عداس .. وجاء بالعنب .. حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال له : كل ..
    فمد رسول الله صلى الله عليه و سلم يده إليه وقال : " بسم الله " ثم أكل ..
    نظر عداس إليه وقال :
    والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ..
    فقال له صلى الله عليه و سلم : " ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ " ..
    قال : نصراني .. وأنا رجل من أهل نينوى ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : " من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ " ..
    فقال عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
    فقال صلى الله عليه و سلم : " ذلك أخي .. كان نبياً .. وأنا نبي " .
    فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ..
    وابنا ربيعة ينظران إليهما .. فقال أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك ..
    فلما رجع عداس لسيده .. وقد بدا عليه التأثر برؤية رسول الله صلى الله عليه و سلم وسماع كلامه ..
    قال له سيده : ويلك يا عداس ! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟
    فقال : يا سيدي ما في الأرض شئ خير من هذا .. لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ..
    فقال سيده : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك .. فإن دينك خير من دينه ..
    فهل نستطيع نحن اليوم أن نجعل تعاملنا راقياً مع الجميع .. مهما كانت طبقاتهم ؟



    لمحة ..
    عامل البشر على أنهم بشر .. لا على أشكالهم .. أو أموالهم .. أو وظائفهم ..

  4. #14
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    يثبت

    للفوائد الرائعه وأرجو الفائده للجميع
    وجزاكي المولى كل خير على جهودك القيمه
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  5. #15
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    الحيوانات
    من صارت المهارات الحسنة ديدنه .. تحولت إلى طبع يخالط دمه وعقله .. لا ينفك عنه أبداً ..
    فتجده دائماً ليناً هيناً رفيقاً متحملاً عطوفاً .. مع كل أحد .. حتى مع الحيوانات .. والجمادات ..
    كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر .. فانطلق ليقضي حاجته ..
    فرأى بعض الصحابة حُمرة معها فرخان .. فأخذ بعضهم فرخيها .. فجاءت الحمرة ..
    فجعلت تحوم حولهم وترفرف بجناحيها ..
    فلما جاء النبي صلى الله عليه و سلم ورآها .. التفت إلى أصحابه وقال :
    من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ..
    وفي يوم آخر .. رأى صلى الله عليه و سلم قرية نمل قد أحرقت ..
    فقال : من أحرق هذه ؟
    قال بعض أصحابه : أنا ..
    فغضب وقالصلى الله عليه و سلم : لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار ..
    وكان صلى الله عليه و سلم من رأفته .. أنه إذا توضأ وأقبلت إليه هرة ..
    أصغى لها الإناء .. فتشرب .. ثم يتوضأ بفضلها ..
    ومرّ صلى الله عليه و سلم يوماً على رجل ملقياً شاة على الأرض .. وقد وضع رجله على صفحة عنقها ممسكاً لها ليذبحها .. وهو يحد
    شفرته .. وهي تلحظ إليه ببصرها..
    فغضب صلى الله عليه و سلم لما رآه .. وقال : أتريد أن تميتها موتتين ؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟
    ومر يوماً برجلين يتحدثان .. وقد ركب كل منهما على بعيره ..
    فلما رآهما رحم البعيرين .. ونهى أن تتخذ الدواب كراسي .. يعني لا تركب البعير إلا وقت الحاجة فقط .. فإذا انتهت
    حاجتك فانزل ودعه يرتاح ..
    ونهى صلى الله عليه و سلم عن وسم الدابة في الوجه ..
    ومن أطرف ما ذكر ..
    أنه كان للنبي صلى الله عليه و سلم ناقة تسمى العضباء ..
    ثم إن نفراً من المشركين أغاروا على إبلٍ للمسلمين .. كانت ترعى في أطراف المدينة ..
    فذهبوا بها .. وكانت العضباء فيها ..
    وأسروا امرأة من المسلمين .. واستاقوها معهم ..
    وهرب المشركون .. بالمرأة والإبل ..
    وكانوا إذا نزلوا أثناء الطريق .. أطلقوا الإبل ترعى حولهم ..
    فنزلوا منزلاً فناموا .. فقامت المرأة بالليل لتهرب منهم ..
    فأقبلت إلى الإبل لتركب إحداها .. فجعلت كلما أتت على بعير رغا بأعلى صوته .. فتتركه خوفاً من استيقاظهم ..
    وجعلت تمر على الإبل واحداً واحداً ..
    حتى أتت على العضباء .. فحركتها فإذا ناقة ذلول مجرسة .. فركبتها المرأة .. ثم وجهتها نحو المدينة .. فانطلقت العضباء مسرعة .. فلما شعرت المرأة بالنجاة .. اشتد فرحها .. فقالت :
    اللهم إن لك عليَّ نذراً .. إن أنجيتني عليها أن أنحرها ..!!
    وصلت المرأة إلى المدينة .. فعرف الناس ناقة النبي صلى الله عليه و سلم ..
    نزلت لمرأة في بيتها ومضوا بالناقة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ..
    فجاءت المرأة تطلب الناقة لتنحرها !!
    فقال صلى الله عليه و سلم : بئس ما جزيتيها .. أو بئس ما جزتها .. إن أنجاها الله عليها لتنحرنها !!
    ثم قال صلى الله عليه و سلم : " لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " .
    فلماذا لا تحول مهاراتك في التعامل – كالرفق والبشر والكرم – إلى سجية تلازمك على جميع أحوالك .. مع كل شيء تتعامل معه .. حتى الجمادات والأشجار ..!!
    كان النبيصلى الله عليه و سلم يقوم يوم الجمعة .. فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس .. فقالت امرأة من الأنصار :
    يا رسول الله .. ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه .. فإن لي غلاماً نجاراً ..
    قال : إن شئت ..
    فعملت له المنبر ..
    فلما كان يوم الجمعة .. صعد النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر الذي صنع له ..
    فلما قعد صلى الله عليه و سلم على ذلك المنبر .. خار الجذع كخوار الثور .. وصاحت النخلة .. حتى كادت أن تنشق .. وارتج المسجد ..
    فنزل النبي صلى الله عليه و سلم فضم الجذع إليه .. فجعلت النخلة تئن أنين الصبي الذي يُسكّت حتى استقرت ..
    ثم قال صلى الله عليه و سلم : ( أما و الذي نفس محمد بيده .. لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة .. ) ..


    إشارة ..
    الله كرّم الإنسان .. لكن ذلك لا يفتح المجال له لاضطهاد بقية المخلوقات ..

  6. #16
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    مع المخالفين
    الكفار .. كان صلى الله عليه و سلم يعاملهم بالعدل .. ويستميت في سبيل دعوتهم وإصلاحهم .. ويتحمل أذاهم ..
    ويتغاضى عن سوئهم .. كيف لا .. وقد قال له ربه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .. لمن ؟! للمؤمنين ؟! لا .. ( إلا رحمة للعالمين ) ..
    وتأمل حال اليهود.. يذمونه ويبتدئون بالعداوة .. ومع ذلك يرفق بهم ..
    وعن عائشة قالت : إن اليهود مروا ببيت النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا :
    السام عليكم ( أي : الموت عليك ) ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : وعليكم ..
    فلم تصبر عائشة لما سنعتهم .. فقالت : السام عليكم .. ولعنكم الله وغضب عليكم ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : مهلاً يا عائشة .. عليك بالرفق .. وإياك والعنف والفحش .. فقالت : أو لم تسمع ما قالوا ؟
    فقال : أو لم تسمعي ما قلت ؟! رددت عليهم فيستجاب لي .. ولا يستجاب لهم فيّ ..
    نعم .. ما الداعي إلى مقابلة السباب بالسباب ! أليس الله قد قال له : ( وأعرض عن الجاهلين ) ..
    وفي يوم .. خرج صلى الله عليه و سلم مع أصحابه في غزوة ..
    فلما كانوا في طريق عودتهم .. نزلوا في واد كثير الشجر ..
    فتفرق الصحابة تحت الشجر وناموا .. وأقبل صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها .. وفرش رداءه ونام ..
    في هذه الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم ..
    فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم خالياً .. أقبل يمشي بهدوء .. حتى التقط السيف من على الغصن .. وصاح بأعلى صوته :
    يا محمد .. من يمنعك مني ؟

    فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم .. والرجل قائم على رأسه .. والسيف صلتاً في يده .. يلتمع منه الموت ..
    الرسول صلى الله عليه و سلم وحيداً .. ليس عليه إلا إزار .. أصحابه متفرقون عنه .. نائمون ..
    والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار .. ويردد : من يمنعك مني ؟ من يمنعك مني ؟
    فقال صلى الله عليه و سلم بكل ثقة : الله ..
    فانتفض الرجل وسقط السيف ..
    فقام صلى الله عليه و سلم والتقط السيف وقال : من يمنعك مني ؟
    فتغير الرجل .. واضطرب .. وأخذ يسترحم النبي صلى الله عليه و سلم .. ويقول : لا أحد .. كن خير آخذ ..
    فقال له صلى الله عليه و سلم : تسلم ؟
    قال : لا .. ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك ..
    فعفا عنه صلى الله عليه و سلم .. وأحسن إليه !!
    وكان الرجل ملكاً في قومه .. فانصرف إليهم فدعاهم إلى الإسلام .. فأسلموا ..
    نعم .. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ..
    بل حتى مع الأعداء الألداء كان صلى الله عليه و سلم له خلق عظيم .. كسب به نفوسهم .. وهدى قلوبهم .. ودحر به كفرهم ..
    لما ظهر صلى الله عليه و سلم بدعوته بين الناس .. جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل ..
    وكان مما بذلته أن تشاور كبارها في التعامل مع دعوته صلى الله عليه و سلم .. وتسارع الناس للإيمان به ..
    فقالوا : أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا .. وشتت أمرنا .. وعاب ديننا .. فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ..
    فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ..
    فقالوا : أنت يا أبا الوليد ..
    وكان عتبة سيداً حليماً ..
    فقال : يا معشر قريش .. أترون أن أقوم إلى هذا فأكلمه .. فأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل منها بعضها ..
    قالوا : نعم يا أبا الوليد ..
    فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
    دخل عليه .. فإذا صلى الله عليه و سلم جالس بكل سكينة ..
    فلما وقف عتبة بين يديه .. قال : يا محمد ! أنت خير أم عبد الله ؟!
    فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم.. تأدباً مع أبيه عبد الله ..
    فقال : أنت خير أم عبد المطلب ؟
    فسكت صلى الله عليه و سلم .. تأدباً مع جده عبد المطلب ..
    فقال عتبة : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ .. وإن كنت تزعم أنك خير منهم .. فتكلم حتى نسمع قولك ..
    وقبل أن يجيب النبي صلى الله عليه و سلم بكلمة .. ثار عتبة وقال :
    إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك !!.. فرقت جماعتنا .. وشتت أمرنا .. وعبت ديننا .. وفضحتنا في العرب .. حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً .. وأن في قريش كاهناً .. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى .. أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ..
    كان عتبة متغيراً غضباناً .. والنبي صلى الله عليه و سلم ساكت يستمع بكل أدب ..
    وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صلى الله عليه و سلم عن الدعوة .. فقال : أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال .. جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً ..
    وان كنت إنما بك حب الرئاسة .. عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت ..
    وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء .. فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً ..!!
    وان كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن تراه .. لا تستطيع رده عن نفسك .. طلبنا لك الطب .. وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه .. فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه ..
    ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيء مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .. ويعرض عليه عروضاً ويغريه .. والنبي عليه الصلاة والسلام ينصت إليه بكل هدوء ..
    وانتهت العروض .. ملك .. مال .. نساء .. علاج من جنون !!
    سكت عتبة .. وهدأ .. ينتظر الجواب .. فرفع النبي عليه الصلاة والسلام بصره إليه وقال بكل هدووووء : أفرغت يا أبا الوليد ؟ لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق الأمين .. بل قال باختصار : نعم ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : فاسمع مني ..
    قال : أفعل ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : بسم الله الرحمن الرحيم ( حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ .. ) .. ومضى النبي عليه الصلاة والسلام .. يتلوا الآيات وعتبة يستمع ..
    وفجأة جلس عتبة على الأرض .. ثم اهتز جسمه ..
    فألقى يديه خلف ظهره .. واتكأ عليهما ..
    وهو يستمع .. ويستمع .. والنبي يتلو .. ويتلو ..
    حتى بلغ قوله تعالى ..
    ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) .. فانتفض عتبة لما سمع التهديد بالعذاب .. وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه و سلم .. ليوقف القراءة ..
    فاستمر صلى الله عليه و سلم يتلو الآيات .. حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة .. فسجد ..
    ثم رفع رأسه من سجوده .. ونظر إلى عتبة وقال : سمعت يا أبا الوليد ؟
    قال : نعم ..
    قال : فأنت وذاك ..
    فقام عتبة يمشي إلى أصحابه .. وهم ينتظرونه متشوقين ..
    فلما أقبل عليهم .. قال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به .. فلما جلس إليهم .. قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟
    فقال : ورائي أني والله سمعت قولاً ما سمعت مثله قط .. والله ما هو بالشعر .. ولا السحر .. ولا الكهانة .. يا معشر قريش : أطيعوني واجعلوها بي .. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه .. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ..
    يا قوم !! قرأ بسم الله الرحمن الرحيم " " حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " حتى بلغ : " فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ " فأمسكته بفيه .. وناشدته الرحم أن يكف .. وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب .. فخفت أن ينزل بكم العذاب .. ثم سكت أبو الوليد قليلاً متفكراً .. وقومه واجمون يحدون النظر إليه ..
    فقال : والله إن لقوله لحلاوة .. وإن عليه لطلاوة .. وإن أعلاه لمثمر .. وإن أسفله لمغدق .. وإنه ليعلو وما يعلى عليه .. وإنه ليحطم ما تحته .. وما يقول هذا بشر .. وما يقول هذا بشر .. قالوا : هذا شعر يا أبا الوليد .. شعر .. فقال : والله ما رجل أعلم بالأشعار مني .. ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني .. ولا بأشعار الجن .. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئاً من هذا .. ومضى عتبة يناقش قومه في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم .. صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام .. لكن نفسه لانت للدين ..
    فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع .. ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء ..
    وفي يوم آخر ..
    تجتمع قريش .. فينتدبون حصين بن المنذر الخزاعي .. وهو أبو الصحابي الجليل عمران بن حصين ..
    ينتبونه لنقاش النبي عليه الصلاة والسلام ورده عن دعوته ..
    يدخل أبو عمران على النبي صلى الله عليه و سلم وحوله أصحابه .. فيردد عليه ما تردده قريش دوماً .. فرقت جماعتنا .. شتت شملنا .. والنبي صلى الله عليه و سلم ينصت بلطف ..
    حتى إذا انتهى .. قال له صلى الله عليه و سلم بكل أدب ..
    أفرغت يا أبا عمران ..
    قال : نعم ..
    قال : فأجبني عما أسألك عنه ..
    قال : قل .. أسمع ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : يا أبا عمران .. كم إلهاً تعبد اليوم ؟
    قال : سبعة ..!! ستة في الأرض .. وواحداً في السماء ..!!
    قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟
    قال : الذي في السماء ..
    فقال صلى الله عليه و سلم بكل لطف : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك ..
    فما كان من حصين إلا أن أسلم في مكانه فوراً ..
    ثم قال : يا رسول الله .. علمني الكلمتين اللتين وعدتني ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : قل: اللهم ألهمني رشدي .. وأعذني من شر نفسي .. آآآه ما أروع هذا التعامل الراقي ! وشدة تأثيره في الناس عند مخالطتهم ..
    وهذا التعامل الإسلامي الدعوي يفيد في دعوة الكفار وجذبهم إلى الخير ..
    سافر أحد الشباب للدراسة في ألمانيا فسكن في شقة .. وكان يسكن أمامه شاب ألماني ، ليس بينهما علاقة ، لكنه جاره ..
    سافر الألماني فجأة .. وكان موزع الجرائد يضع الجريدة كل يوم عند بابه .. انتبه صاحبنا إلى كثرة الجرائد .. سأل عن جاره .. فعلم أنه مسافر ..
    لَـمَّ الجرائد ووضعها في درج خاص .. وصار يجمعها كل يوم ويرتبها ..
    لما رجع صاحبه بعد شهرين أو ثلاثة .. سلم عليه وهنأه بسلامة الرجوع .. ثم ناوله الجرائد ..وقال له : خشيت أنك متابع لمقال .. أو مشترك في مسابقة .. فأردت أن لا يفوتك ذلك ..
    نظر الجار إليه متعجباً من هذا الحرص .. فقال : هل تريد أجراً أو مكافأة على هذا ؟
    قال صاحبنا : لا .. لكن ديننا يأمرنا بالإحسان إلى الجار .. وأنت جار فلا بد من الإحسان إليك
    ثم ما زال صاحبنا محسناً إلى ذلك الجار .. حتى دخل في الإسلام ..
    هذه والله هي المتعة الحقيقية بالحياة .. أن تشعر أنك رقم على اليمين .. تتعبد لله بكل شيء حتى بأخلاقك ..
    وكم صدَّ أعداداً كبيرة من الكفار عن الدخول في الإسلام تعاملات فريق من المسلمين معهم .. فيظلمونهم عمالاً .. ويغشونهم متسوقين .. ويؤذونهم جيراناً ..
    فهلمَّ نبدأ من جديد معهم ..



    إضاءة ..
    خير الداعين من يدعو بأفعاله قبل أقواله ..

  7. #17
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    كسب قلوب الناس
    كل صاحب هم يتفنن في صيد ما يريد ..
    عاشق المال يتفنن في جمعه وتنميته .. ويحرص على تعلم مهارات التجارة والربح ..
    القنوات الفضائية تتفنن في اصطياد الناس بتنويع البرامج واختيار الأساليب المتجددة .. وتدريب مقدمي البرامج على مهارات تجذب الناس لمتابعتها ..
    وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام المقروءة .. والمسموعة ..
    ومثله مروجو البضائع المختلفة سواء كانت حلالاً أم حراماً ..
    كلهم يحرصون على إتقان المهارات التي تفيدهم في مجالهم الذي يحبونه ..
    وكسب القلوب فن من الفنون له طرقه وأساليبه ..
    هب أنك دخلت مجلساً فيه أربعون رجلاً .. فمررت بالناس تصافحهم ..
    فالأول مددت يدك إليه مسلماً فناولك طرف يده .. وقال ببرود : أهلاً .. أهلاً ..
    والثاني كان مشغولاً بحديث جانبي .. ففاجأته بالسلام .. فرد ببرود أيضاً وصافحك دون أن ينظر إليك ..
    والثالث كان يتحدث بهاتفه .. فمد يده إليك دون أن يتلفظ بكلمة ترحيب .. أو يبدي لك أي اهتمام ..
    أما الرابع .. فلما رآك مقبلاً قام مستعداً للسلام .. فلما التقت عينك بعينه ابتسم وأظهر البشاشة بلقياك ..
    وصافحك بحرارة .. واحتفى بقدومك .. وأنت لا تعرفه ولا يعرفك !!
    ثم أكملت سلامك على الناس .. وجلست ..
    بالله عليك ! ألا تشعر أن قلبك ينجذب نحو ذلك الشخص ؟
    بلى .. ينجذب إليه .. وأنت لا تعرفه .. ولا تدري عن اسمه .. ولا تعلم وظيفته ولا مركزه .. ومع ذلك استطاع أن يسلب قلبك .. لا بماله .. ولا بمنصبه .. ولا بحسبه ونسبه .. وإنما بمهارات تعامله ..
    إذن القلوب لا تكسب بالقوة ولا بالمال ولا بالجمال ولا بالوظيفة .. وإنما تكسب بأقل من ذلك وأسهل .. ومع ذلك فقليل من يستطيع كسبها ..
    أذكر أن أحد طلابي في الكلية أصيب بمرض نفسي .. كان نوعاً صعباً من الاكتئاب ..
    كان والده ضابطاً يشغل منصباً عالياً .. جاء مراراً إلى الكلية وقابلني وتعاونّا على علاج ابنه ..
    كنت أذهب إلى بيتهم أحياناً فأراه قصراً منيفاً .. وأرى مجلس الأب مليئاً بالضيوف .. لا تكاد تجد فيه مكاناً فارغاً ..
    كنت أعجب من محبة الناس لهذا الرجل وإقبالهم عليه ..
    مضت سنوات وتقاعد الأب من منصبه ..
    فذهبت إليه زائراً .. دخلت القصر .. ثم دلفت إلى المجلس وفيه أكثر من خمسين كرسياً .. فلم أر في المجلس إلا الرجل يتابع برنامجاً في التلفاز .. وخادماً يخدمه بالقهوة والشاي .. جلست معه قليلاً ..
    فلما خرجت جعلت أتذكر حاله لما كان في وظيفته .. وحاله الآن .. ما الذي كان يجمع الناس فيما مضى ؟
    ما الذي كان يجعلهم يلتمون عليه مؤانسين متحببين ؟!
    أدركت عندها أن الرجل لم يكسب الناس بأخلاقه ولطفه وحسن تعامله .. وإنما كسبهم بمنصبه ووجاهته وسعة علاقاته ..
    فلما زال المنصب زالت معه المحبة ..
    فخذ من صاحبنا درساً .. وتعامل مع الناس بمهارات تجعلهم يحبونك لشخصك .. يحبون أحاديثك وابتسامتك ورفقك وحسن معشرك .. يحبون تغاضيك عن أخطائهم .. ووقوفك معهم في مصائبهم ..
    لا تجعل قلوبهم معلقة بكرسيك وجيبك !!
    الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم .. وإنما كسب بطونهم ..
    والذي يغدق على أهله الأموال .. مع سوء التعامل .. لم يكسب قلوبهم .. إنما كسب جيوبهم ..
    لذلك لا تستغرب إذا وجدت شاباً تقع له مشكلة فيشكوها إلى صديق أو إمام مسجد أو مدرس .. ويترك أباه .. لأن الأب لم يكسب قلبه .. ولم يحطم الأسوار بينهما .. بينما كسب هذا القلب مدرس أو صديق .. وربما كسبه عدو حاقد !!
    وأمر آخر مهم ..
    ألا تلاحظ معي أن بعض الناس إذا دخل مجلساً مزدحماً .. وجعل يتلفت باحثاً عن مكان يجلس فيه .. رأيت الجالسين يتسابقون عليه كل يناديه ليجلس بجانبه !.. لماذا؟
    هل دعيت يوماً إلى عشاء .. وكان بنظام ( البوفيه المفتوح ) .. بحيث إن كل شخص يأخذ طعامه في طبق ويجلس على إحدى الطاولات الدائرية .. ألم تر بعض الناس ما إن يملأ طبقه بالطعام حتى يتهافت عدد من الناس يشيرون إليه بوجود مكان فارغ .. ليجلس معهم .
    بينما آخر يملأ طبقه بالطعام .. ويتلفت ولا أحد يناديه أو يقبل عليه .. حتى تسوقه قدماه إلى إحدى الطاولات ..
    لماذا حرص الناس على الأول دون الثاني ..
    ألا تشعر أن بعض الناس تقبل عليه القلوب أينما كان .. وكأن في يده مغناطيس يجذبها به جذباً !!
    عجباً ! كيف استطاع هؤلاء جميعا كسب الناس ؟!
    إنها طرق ذكية يستطيع بها الشخص أن يصيد بها القلوب ..


    قرار ..
    قدرتنا على أسر قلوب الآخرين .. وكسب محبتهم الصادقة .. تمنحنا جانباً كبيراً من المتعة بالحياة ..

  8. #18
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu Oct 2010
    المشاركات
    1,970
    معدل تقييم المستوى
    4790670
    مشكووووووره
    والله يعطيكي الف عافيه

  9. #19
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    الطُّعم المناسب
    الناس بطبيعتهم يتفقون في أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها ..
    ويتفقون في أشياء أخرى كلهم يكرهونها ..
    ويختلفون في أشياء منهم من يفرح بها .. ومنهم من يستثقلها ..
    فكل الناس يحبون التبسم في وجوههم .. ويكرهون العبوس والكآبة ..
    لكنهم إلى جانب ذلك .. منهم من يحب المرح والمزاح .. ومنهم من يستثقله ..
    منهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه .. ومنهم الانطوائي ..
    ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام .. ومنهم من يبغض ذلك ..
    وكل واحد في الغالب يرتاح لمن وافق طباعه .. فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم .. وتعامل كل واحد بما يصلح له ليرتاح إليك ؟

    ذكروا أن رجلاً رأى صقراً يطير بجانب غراب !! فعجب .. كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئاً مشتركاً جعلهما يتوافقان ..
    فجعل يتبعهما ببصره .. حتى تعبا من الطيران فحطا على الأرض فإذا كلهما أعرج !!
    فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام .. فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه ..
    وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح .. فلتمازحه .. فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب ..
    وقل مثل ذلك عند تعامل الشخص مع زملائه .. أو جيرانه .. أو إخوانه ..
    لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم
    طبائع لست تحصيهن ألوان

    أذكر أن عجوزاً صالحة – وهي أم لأحد الأصدقاء – كانت تمدح أحد أولادها كثيراً .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..
    كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء ..
    فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها ..!!
    ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ ..
    أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
    إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها – قطعاً – في شبكة الإنترنت !!
    فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
    وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !!
    هذا كل ما هنالك ..

    نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه ..
    ومن تأمل في تعامل النبي صلى الله عليه و سلم .. مع الناس وجد أنه كان يعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته ..
    في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
    عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها ..
    ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال صلى الله عليه و سلم للناس :
    تقدموا عنا ..
    فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة ..
    وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن ..
    فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته ..
    وبعدها بزمان .. خرجت معه صلى الله عليه و سلم في سفر ..
    بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت ..
    فقال صلى الله عليه و سلم للناس : تقدموا .. فتقدموا ..
    ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها ..
    فلما رأى ذلك ..
    جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
    بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..

    حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد .. ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة ..
    وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..
    انظر إليه صلى الله عليه و سلم وقد خرج مع أصحابه إلى بدر ..
    فلما سمع بخروج قريش .. عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهاً .. ولن يقع منهم قتال على المسلمين ..
    فقام صلى الله عليه و سلم في أصحابه وقال : إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً .. لا حاجة لهم بقتالنا ..
    فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ..
    ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ..
    ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يقتله .. فإنه إنما خرج مستكرهاً ..
    وقيل إن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه .. وينقل أخبار قريش إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلم يحب النبي صلى الله عليه و سلم أن يقتله المسلمون .. ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه ..
    كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين .. المسلمين وكفار قريش ..
    وكانت نفوس المسلمين مشدودة .. فهم لم يستعدوا لقتال .. وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء ..
    وهذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يمنعهم من قتل البعض ..
    وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب ..
    وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. مع المسلمين .. فلم يصبر أبو حذيفة .. بل قال :
    أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف ..
    فبلغت كلمته رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام .. فإذا حوله أكثر من ثلاثمائة بطل ..
    فوجه نظره فوراً إلى عمر .. ولم يلتفت إلى غيره .. وقال :
    يا أبا حفص .. أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
    قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي حفص ..
    وكان عمر رهن إشارة النبي صلى الله عليه و سلم .. ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد .. أو يعترض أمام الجيش ..
    فاختار عمر حلاً صارماً فقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف ..
    فمنعه النبي صلى الله عليه و سلم .. ورأى أن هذا التهديد كاف في تهدئة الوضع ..
    كان أبو حذيفة رجلاً صالحاً .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ .. ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة .. فقتل يوم اليمامة شهيداً ..
    هذا عمر .. كان صلى الله عليه و سلم يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه .. فليس الأمر متعلقاً بجمع صدقات .. ولا بإصلاح متخاصمين .. ولا بتعليم جاهل .. وإنما هم في ساحة قتال فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره .. لذا اختار عمر .. واستثاره : أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
    وفي موقف آخر ..
    يقبل النبي صلى الله عليه و سلم على خيبر .. ويقاتل أهلها قتالاً يسيراً ..
    ثم يصالحهم ويدخلها .. واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً من الأموال .. ولا يغيبوا شيئاً .. ولا يخبئوا ذهباً ولا فضة .. بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه ..
    وتوعدهم إن كتموا شيئاً أن لا ذمة لهم ولا عهد ..
    وكان حيي بن أخطب من رؤوسهم .. وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ووملوء ذهباً وحلياً .. وقد مات حيي وترك المال .. فخبئوه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
    فقال صلى الله عليه و سلم لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ أي الجلد المملوء ذهباً ..
    فقال : أذهبته النفقات والحروب ..
    فتفكر صلى الله عليه و سلم في الجواب .. فإذا موت حيي قريب والمال كثير .. ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلى إنفاقه ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : العهد قريب .. والمال أكثر من ذلك ..
    فقال اليهودي : المال والحلي قد ذهب كله ..
    فعلم النبي صلى الله عليه و سلم أنه يكذب .. فنظر صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه فإذا هم كثير بين يديه .. وكلهم رهن إشارته ..
    فالتفت إلى الزبير بن العوام وقال : يا زبير .. مُسَّه بعذاب ..
    فأقبل إليه الزبير متوقداً ..
    فانتفض اليهودي .. وعلم أن الأمر جد .. فقال : قد رأيت حُيياً يطوف في خربة ها هنا .. وأشار إلى بيت قديم خراب .. فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئاً في الخربة ..
    هذا في حاله صلى الله عليه و سلم مع الزبير .. يعطي القوس باريها ..
    وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض على هذا الأساس ..
    لما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم مرض الموت .. واشتد عليه الوجع .. لم يستطع القيام ليصلي بالناس ..
    فقال وهو على فراشه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ..
    وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً .. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم في حياته وبعد مماته .. وهو صديقه في الجاهلية والإسلام .. وهو أبو زوجة النبي صلى الله عليه و سلم عائشة .. وهو .. وكان يحمل في صدره جبلاً من حزن بسبب مرض النبي صلى الله عليه و سلم ..
    فلما أمر النبي صلى الله عليه و سلم أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس ..
    قال بعض الحاضرين عند النبي صلى الله عليه و سلم : إن أبا بكر رجل أسيف .. أي رقيق .. إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .. أي من شدة التأثر والبكاء ..
    وكان النبي صلى الله عليه و سلم يعلم ذلك عن أبي بكر .. أنه رجل رقيق يغلبه البكاء .. خاصة في هذا الموطن ..
    لكنه صلى الله عليه و سلم كان يشير إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده .. يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولى المسئولية ..
    فأعاد صلى الله عليه و سلم الأمر : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. حتى صلى أبو بكر ..
    ومع رقة أبي بكر .. إلا أنه كان ذا هيبة .. وله حدة غضب أحياناً تكسوه جلالاً ..
    وكان رفيق دربه عمر رضى الله عنه يراعي ذلك منه ..
    انظر إليهم جميعاً .. وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة .. بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم .. ليتفقوا على خليفة ..
    اجتمع المهاجرون والأنصار .. وانطلق عمر إلى أبي بكر واصطحبا إلى السقيفة ..
    قال عمر : فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة .. فلما جلسنا تشهد خطيب الأنصار .. وأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال :
    أما بعد فنحن أنصار الله .. وكتيبة الإسلام .. وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا .. وقد دفت دافة من قومكم وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا .. ويغصبونا الأمر ..
    فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أداري منه بعض الحِدّة ..
    فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ..
    فكرهت أن أغضبه ..
    فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر .. فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته .. أو قال مثلها .. أو أفضل منها حتى سَكَتَ ..
    قال أبو بكر : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل .. ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش .. هم أوسط العرب نسباً وداراً .. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ..
    وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ..
    ولم أكره شيئا مما قاله غيرها .. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم .. أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ..
    سكت الناس ..
    فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك .. وعذيقها المرجب .. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ..
    قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف ..
    فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ..

    نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه .. وكسب محبته والتأثير عليه ..
    وهذا تلاحظه في حياة الناس .. أفلم تسمع زملاء عملك يوماً يقولون : المدير .. مفتاحه فلان .. إذا أردتم شيئاً فاجعلوا فلاناً يطلبه لكم .. أو يقنع المدير به ..
    فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس .. فتكون رأساً لا ذيلاً ..
    نعم كن متميزاً .. وابحث عن مفتاح قلب أمك وأبيك وزوجتك وولدك ..
    اعرف مفتاح قلب مديرك في العمل .. زملائك ..
    ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتى في جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم .. إذا أحسنا تقديم هذا النصح بأسلوب مناسب ..
    فهم ليسوا سواء في طريقة النصح .. بل حتى في إنكار الخطأ إذا وقع منهم ..

    وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جلس يوماً في مجلسه المبارك يحدث أصحابه ..
    فبينما هم على ذلك .. فإذا برجل يدخل إلى المسجد .. يتلفت يميناً ويساراً .. فبدل أن يأتي ويجلس في حلقة النبي صلى الله عليه و سلم .. توجه إلى زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !!
    عجباً !! ماذا سيفعل ؟!
    رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبول ..!!
    عجب الصحابة .. وثاروا .. يبول في المسجد !!
    وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه .. والنبي صلى الله عليه و سلم يهدئهم .. ويسكن غضبهم .. ويردد : لا تزرموه .. لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله ..
    والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم .. لا يزال يبول ..
    والنبي صلى الله عليه و سلم يرى هذا المنظر .. بول في المسجد .. ويهدئ أصحابه !!
    آآآه مااااا أحلمه !!
    حتى إذا انتهى الأعرابي من بوله .. وقام يشد على وسطه إزاره .. دعاه النبي صلى الله عليه و سلم بكل رفق ..
    أقبل يمشي حتى إذا وقف بين يديه .. قال له صلى الله عليه و سلم بكل رفق :
    إن هذه المساجد لم تبن لهذا .. إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن ..
    انتهى .. نصيحة باختصار ..
    فَهِم الرجل ذلك ومضى ..
    فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذاك الأعرابي وصلى معهم ..
    كبر النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه مصلياً .. فقرأ ثم ركع .. فلما رفع صلى الله عليه و سلم من ركوعه قال : سمع الله لمن حمده ..
    فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد .. إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً !!
    وسمعه النبي صلى الله عليه و سلم .. فلما انتهت الصلاة .. التفت صلى الله عليه و سلم إليهم وسألهم عن القائل .. فأشاروا إليه ..
    فناداه النبي صلى الله عليه و سلم فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه .. وقد تمكن حب النبي صلى الله عليه و سلم من قلبه حتى ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما ..
    فقال له صلى الله عليه و سلم معلماً : لقد تحجرت واسعاً !! أي إن رحمة الله تعالى تسعنا جميعاً وتسع الناس .. فلا تضيقها علي وعليك ..
    فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لأنه عرف كيف يتصرف معه .. فهو أعرابي أقبل من باديته .. لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر .. ولا معاذ وعمار .. فلا يؤاخذ كغيره ..

    وإن شئت فانظر أيضاً إلى معاوية بن الحكم .. كان من عامة الصحابة .. لم يكن يسكن المدينة .. ولم يكن مجالساً للنبي عليه الصلاة والسلام ..
    وإنما كان له غنم في الصحراء يتتبع بها الخضراء ..
    أقبل معاوية يوماً إلى المدينة فدخل المسجد .. وجلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلموأصحابه .. فسمعه يتكلم عن العطاس .. وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس فحمد الله فإنه يقول له : يرحمك الله ..
    حفظها معاوية .. وذهب بها ..
    وبعد أيام جاء إلى المدينة في حاجة .. فدخل المسجد فإذا النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه .. فدخل معهم في الصلاة ..
    فبينما هم على ذلك إذ عطس رجل من المصلين ..
    فما كاد يحمد الله .. حتى تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس فقال الحمد لله .. فإن أخاه يقول له يرحمك الله ..
    فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله .
    فاضطرب المصلون .. وجعلوا يلتفتون إليه منكرين .
    فلما رأى دهشتهم .. اضطرب وقال : وااااثكل أُمِّياه !!.. ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ ..
    فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت ..
    فلما رآهم يصمّتونه صمت ..
    فلما انتهت الصلاة ..
    التفت صلى الله عليه و سلم إلى الناس .. وقد سمع جلبتهم وأصواتهم .. وسمع صوت من تكلم .. لكنه صوت جديد لم يعتد عليه .. فلم يعرفه .. فسألهم :
    من المتكلم .. فأشاروا إلى معاوية ..
    فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه ..
    فأقبل عليه معاوية فزعاً لا يدري بماذا سيستقبله .. وهو الذي أشغلهم في صلاتهم .. وقطع عليهم خشوعهم ..
    قال معاوية رضى الله عنه : فبأبي هو وأمي صلى الله عليه و سلم .. والله ما رأيـت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه .. والله ما كهرني .. ولا ضربني .. ولا شتمني ..
    وإنما قال : يا معاوية .. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. إنما هي التسبيح والتكبير .. وقراءة القرآن
    .. انتهى .. نصيحة باختصار ..
    ففهمها معاوية ..
    ثم ارتاحت نفسه .. واطمأن قلبه .. فجعل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن خواصّ أموره ..
    فقال : يا رسول الله .. إني حديث عهد بجاهلية .. وقد جاء الله بالإسلام .. وإن منا رجالاً يأتون الكهان ( وهم الذين يدعون علم الغيب ) .. يعني فسألونهم عن الغيب ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : فلا تأتهم .. يعني لأنك مسلم .. والغيب لا يعلمه إلا الله ..
    قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون ( أي يتشاءمون بالنظر إلى الطير ) ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : ذاك شيء يجدونه في صدورهم .. فلا يصدنهم ( أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً ) ..
    هذا تعامله مع أعرابي بال في المسجد .. ورجل تكلم في الصلاة .. عاملهم مراعياً أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب ..

    أما معاذ بن جبل فقد كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. ومن أكثرهم حرصاً على طلب العلم ..
    فكان تعامل النبي مع أخطائه مختلفاً عن تعامله مع أخطاء غيره ..
    كان معاذ يصلي مع رسول اللهصلى الله عليه و سلم العشاء .. ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إماماً بهم في مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة ..
    رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصلياً بهم ..
    أقبل فتى من قومه ودخل معه في الصلاة .. فلما أتم معاذ الفاتحة قال " ولا الضالين " فقالوا " آمين " ..
    ثم افتتح معاذ سورة البقرة !!
    كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعيهم دوابهم طوال النهار .. ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأوون إلى فرشهم ..
    هذا الشاب .. وقف في الصلاة .. ومعاذ يقرأ ويقرأ ..
    فلما طالت الصلاة على الفتى .. أتم صلاته وحده .. وخرج من المسجد وانطلق إلى بيته ..
    انتهى معاذ من الصلاة ..
    فقال له بعض القوم : يا معاذ .. فلان دخل معنا في الصلاة .. ثم خرج منها لما أطلت ..
    فغضب معاذ وقال : إن هذا به لنفاق .. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي صنع ..
    فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ .. فقال الفتى : وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي صنع ..
    فغدوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى ..
    فقال الفتى : يا رسول الله .. يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة .. والله يا رسول الله إنا لنتأخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ ..
    فسأل الله النبي صلى الله عليه و سلم معاذاً : ماذا تقرأ ؟!
    فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة .. و .. وجعل يعدد السور الطوال ..
    فغضب النبي لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة .. وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم ..
    فالتفت إلى معاذ وقال : أفتان أنت يا معاذ ..؟!
    يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم في دينهم ..
    اقرأ بـ "السماء والطارق" ، "والسماء ذات البروج" ، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى" ..
    ثم التفت صلى الله عليه و سلم إلى الفتى وقال له متلطفاً : كيف تصنع أنت يا بن أخي إذا صليت ؟
    قال : أقرأ بفاتحة الكتاب .. وأسأل الله الجنة .. وأعوذ به من النار ..
    ثم تذكر الفتى أنه يرى النبي صلى الله عليه و سلم يدعو ويكثر .. ويرى معاذاً كذلك ..
    فقال في آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ .. أي دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !!
    فقال صلى الله عليه و سلم : إني ومعاذ حول هاتين ندندن .. يعني دعاؤنا هو فيما تدعو به .. حول الجنة والنار ..
    فقال الشاب : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا .. ما أصنع .. يعني في الجهاد في سبيل الله .. سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق !
    فما لبثوا أياماً .. حتى قامت معركة فقاتل فيها الشاب .. فاستشهد ..
    فلما علم به صلى الله عليه و سلم .. قال لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟ يعني الذي اتهمته يا معاذ بالنفاق ..
    قال معاذ : يا رسول الله ، صدق الله وكذبتُ .. لقد استشهد ..
    فتأمل الفرق في طبائع الرجال .. ومقاماتهم .. وكيف أدى إلى اختلاف تعامل النبي معهم ..

    بل .. انظر إلى تعامله صلى الله عليه و سلم مع أسامة بن زيد .. وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وقد تربى في بيته ..
    بعث النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه إلى الحرقات من قبيلة جهينة ..
    وكان أسامة بن زيد من ضمن المقاتلين بالجيش ..
    ابتدأ القتال .. في الصباح ..
    انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو ..
    كان من بين جيش العدو رجل يقاتل .. فلما رأى أصحابه منهزمين .. ألقى سلاحه وهرب ..فلحقه أسامة ومعه رجل من الأنصار .. ركض الرجل وركضوا خلفه .. وهو يشتد فزعاً ..
    حتى عرضت لهم شجرة فاحتمى الرجل بها .
    فأحاط به أسامة والأنصاري .. ورفعا عليه السيف ..
    فلما رأى الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه .. وأحسَّ الموت يهجم عليه .. انتفض وجعل يجمع ما تبقى من ريقه في فمه .. ويردد فزعاً : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
    تحير الأنصاري وأسامة .. هل أسلم الرجل فعلاً .. أم أنها حيلة افتعلها ..
    كانوا في ساحة قتال .. والأمور مضطربة .. يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجساداً ممزقة..وأيدي مقطعة..قد اختلط بعضها ببعض ..الدماء تسيل..النفوس ترتجف ..
    الرجل بين أيديهما ينظران إليه .. لا بد من الإسراع باتخاذ القرار .. ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش .. فيرديهما قتيلين ..
    لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ ..
    فأما الأنصاري فكف سيفه ..
    وأما أسامة فظن أنها حيلة .. فضربه بالسيف حتى قتله ..
    عادوا إلى المدينة تداعب قلوبهم نشوة الانتصار ..
    وقف أسامة بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم .. وحكى له قصة المعركة .. وأخبره بخبر الرجل وما كان منه ..
    كان قصة المعركة تحكي انتصاراً للمسلمين .. وكان صلى الله عليه و سلم يستمع مبتهجاً ..
    لكن أسامة قال : .. ثم قتلته ..
    فتغير النبي صلى الله عليه و سلم .. وقال : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟!!
    قلت : يا رسول الله لم يقلها من قبل نفسه .. إنما قالها فرقا من السلاح ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته !! هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح ..
    وجعل صلى الله عليه و سلم يحد بصره إلى أسامة ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! ثم قتلته ..!! كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة !!
    وما زال صلى الله عليه و سلم يكرر ذلك على أسامة ..
    قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يؤمئذ ..

    رأي ..
    لا تحسب الناس نوعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان

  10. #20
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jan 2011
    العمر
    35
    المشاركات
    9,668
    معدل تقييم المستوى
    21474859
    أحسن النية
    جعلت أتأمل أساليب تعامل بعض الأشخاص .. وعشت معهم سنين .. لا أذكر أني رأيت منهم ابتسامة .. بل ولا حتى مجاملة بضحك على طرفة .. أو تفاعل مع متحدث .. كنت أظن أنهم نشئوا هكذا ولا يستطيعون غيره ..
    ثم تفاجأت برؤيتهم في مواطن معينة .. ومع بعض الناس – من الأغنياء وأصحاب النفوذ تحديداً – يحسنون الضحك والتلطف ..
    فأدركت أنهم ما يفعلون ذلك إلا لمصلحة .. فيفوتهم بذلك أجر عظيم ..
    إذن المؤمن يتعبد لله تعالى بأخلاقه ومهارات تعامله .. مع جميع الناس .. لا لأجل منصب أو مال .. ولا لأجل أن يمدحه الناس .. ولا لأجل أن يزوج أو يسلف مالاً .. وإنما ليحبه الله ويحببه إلى خلقه ..
    نعم .. من اعتبر حسن الخلق عبادة .. صار يتعامل بأحسن المهارات مع الغني والفقير .. والمدير والفراش ..
    لو مررت يوماً بعامل مسكين يكنس الشارع .. ومد يده إليك ؟ ودخلت يوماً آخر على مسئول كبير فمد يده .. هل هما متساويان ؟ في احتفائك بهما .. وتبسمك وبشاشتك ؟
    لا أدري !!
    أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانا عنده متساويين في الاحتفاء والنصح والشفقة ..
    وما يدريك لعل من تزدريه وتتكبر عليه يكون عند الله خيراً من ملء الأرض من مثل الذي تكرمه وتقبل عليه ..
    قال صلى الله عليه و سلم ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) .. وقال للأشج بن عبد قيس : ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله ) ..
    فما هما الخصلتان : قيام الليل ! صيام النهار ؟ ..
    استبشر الأشج .. وقال : ما هما يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( الحلم .. والأناة ) ..
    وسئل صلى الله عليه و سلم عن البر ؟.. فقال : ( البر حسن الخلق ) ..
    وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) ..
    وقال صلى الله عليه و سلم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) ..
    وقال صلى الله عليه و سلم : ( ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ) ..
    وقال صلى الله عليه و سلم : ( إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) ..
    ومن حسن خلقه ربح في الدارين .. وإن شئت فانظر إلى أم سلمة t ..
    وقد جلست مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فتذكرت الآخرة وما أعد الله فيها ..
    فقالت : يا رسول الله .. المرأة يكون لها زوجان في الدنيا .. فإذا ماتت .. وماتا ..
    فإذا ماتت وماتا ودخلوا جميعاً إلى الجنة .. فلمن تكون ؟
    فماذا قال ؟ تكون لأطولهما قياماً ؟ أم لأكثرهما صياماً ؟ أم لأوسعهما علماً ؟ كلا ..
    وإنما قال : تكون لأحسنهما خلقاً ..
    فعجبت أم سلمة .. فلما رأى دهشتها قال عليه الصلاة والسلام :
    ياااا أم سلمة .. ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة ..
    نعم ذهب بخيري الدنيا والآخرة ..
    أما خير الدنيا فهو ما يكون له من محبة في قلوب الخلق .. وأما خير الآخرة فهو ما يكون له من الأجر العظيم ..
    ومهما أكثر الإنسان من الأعمال الصالحات .. فإنها قد تفسد عليه إذا كان سيء الخلق ..
    ذُكر للنبي صلى الله عليه و سلم حالُ امرأة ..
    وذكر له أنها تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل .. لكنها تؤذي جيرانها بلسانها ..( يعني سيئة الخلق ) ..
    فقال صلى الله عليه و سلم : ( هي في النار ) ..
    وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة ..
    في كل خلق حميد .. كان أكرمَ الناس .. وأشجعَهم .. وأحلمَهم ..
    كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها ..
    كان أميناً صادقاً .. يشهد له الكفار بذلك قبل المؤمنين .. والفساقُ قبل الصالحين ..
    حتى قالت خديجة رضى الله عنها أول ما نزل عليه الوحي .. لما رأت تغير حاله .. قالت :
    والله لا يخزيك الله أبداً .. ( لمـــاذا ؟؟ ) ..
    إنك لتصل الرحم ..
    وتحمل الكل ..
    وتكسب المعدوم ..
    وتقري الضيف ..
    وتعين على نوائب الحق ..
    وتصدق الحديث ..
    وتؤدي الأمانة ..
    بل أثنى الله عليه ثناء نتلوه إلى يوم القيامة .. فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ..
    وكان صلى الله عليه و سلم خلقَه القرآن ..
    نعم خلقه القرآن .. فإذا قرأ ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .. أحسن .. نعم أحسن إلى الكبير والصغير .. والغني والفقير .. إلى شرفاء الناس ووضعائهم .. وكبارهم وصغارهم ..
    وإذا سمع قول الله : ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) .. عفا وصفح ..
    وإذا تلا : ( وقولوا للناس حسناً ) .. تكلم بأحسن الكلام ..
    فمادام أنه صلى الله عليه و سلم قدوتنا .. ومنهجه منهجُنا ..
    تأمل حياته r .. كيف كان يتعامل مع الناس .. كيف كان يعالج أخطاءهم .. ويتحمل أذاهم ..
    كيف كان يتعب لراحتهم .. وينصب لدعوتهم ..
    فيوماً تراه يسعى في حاجة مسكين .. ويوماً يفصل خصومة بين المؤمنين ..
    ويوماً يدعو الكافرين ..
    حتى كبرت سنه .. ورق عظمه .. ووصفت عائشة حاله فقالت :
    كان أكثرُ صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بعدما كبر جالساً ( لمـــاذا ؟؟ ) ..
    بعدما حطمه الناس .. نعم .. حطمه الناس ..
    وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
    بل بلغ من حرصه صلى الله عليه و سلم على الخلق الحسن .. أنه كان يدعو الله فيقول – ( اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلقي ) .
    وكان يقول : ( اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) فنحن نحتاج إلى أن نقتدي به صلى الله عليه و سلم في أخلاقه ..
    مع المسلمين لكسبهم ودعوتهم ..
    بل ومع الكافرين ليعرفوا حقيقة الإسلام ..


    إشارة ..
    أحسن النية .. لتكون مهارات تعاملك مع الآخرين عبادة تتقرب بها إلى الله ..

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. فى ليالى الشتاء ... حوار بين الاحباب
    بواسطة hamsat.masa في المنتدى عذب الاماكن والمشاعر
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 18-01-2012, 06:13 PM
  2. الحديد رئيسا لنقابة العاملين في الكهرباء
    بواسطة ملكة الاحزان في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-10-2010, 09:13 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك