دبي - راغدة بهنام، العربية.نت
بعد أن أعلنت محافظة برقة الليبية استقلالها الذاتي، تخوف محللون من أن يشكل هذا بداية لتقسيم ليبيا.

وأعلن اليوم زعماء مدنيون في محافظة برقة في شرق ليبيا، والتي تضم أغلب نفط البلاد، إنشاء مجلس إدارة شؤون المحافظة، في تحرك قد يؤدي إلى مواجهة مع القيادة المؤقتة في طرابلس، حيث عين نحو 3000 مندوب شاركوا في مؤتمر في مدينة بنغازي أحمد السنوسي رئيساً للمجلس الجديد.

وأكد الزعماء أن سبب إعلانهم هذا هو الاستياء الذي يشيع بين سكان شرق ليبيا منذ فترة طويلة، مما يعتبرونه إهمالاً من جانب حكام البلاد في طرابلس، التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر إلى الغرب.

وجاء في الإعلان المكون من ثماني نقاط أن مجلس محافظة برقة أنشئ ليدير شؤون المحافظة وحماية حقوق شعبها، مضيفاً أنه مع ذلك يقبل المجلس الوطني الانتقالي باعتباره رمزاً لوحدة البلاد، وممثلها الشرعي في الأوساط الدولية.

نظام فيدراليوذكر الإعلان أن المحافظة تريد نظاماً فيدرالياً تتمتع فيه الأقاليم التاريخية، وهي برقة وفزان في الجنوب وطرابلس في الغرب، بقدر كبير من الاستقلال عن الحكومة في طرابلس، كما أنه رفض أيضاً آلية انتخاب الجمعية الوطنية في يونيو/حزيران، قائلاً: إنه يريد تمثيلاً أكبر لبرقة.

ويسعى مؤيدو حصول برقة على حكم ذاتي إلى إعادة إنشاء نظام كان مطبقاً خلال أوائل حكم الملك إدريس السنوسي، أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال، والذي أطاح به القذافي في انقلاب عسكري عام 1969، حيث كانت ليبيا تدار خلال هذه الفترة على أساس فيدرالي.


نبذة عن السنوسيولد أحمد الزبير السنوسي عام 1933 في مرسى مطروح في مصر بعد أن هاجرت عائلته إليها، وأرسل السنوسي عام 1954 في بعثة لدراسة العلوم العسكرية في العراق مع طلاب آخرين من طرابلس و برقة.

وتخرج من الأكاديمية العسكرية في العراق عام 1958 و عاد إلى ليبيا شرط عدم التحاقه بالقوات المسلحة وبعد انقلاب القذافي على الملك عام 1969 سعى السنوسي مع مجموعة من الضباط والساسة للإطاحة بحكم القذافي فكشف أمرهم وحكم عليه بالسجن قبل أن يتم إطلاق سراحه العام الماضي.

ومع قيام الثورة الليبية وتـشكيل المجلس الوطني الانتقالي بقيادة مصطفى عبد الجليل انضم السنوسي كمسؤول عن تمثيل السجناء السياسيين، وفي 27 من اكتوبر عام 2011 اختاره البرلمان الأوروبي مع أربعة مواطنين عرب للفوز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر، وعين السنوسي اليوم رئيسا للمجلس الوطني الانتقالي لفدرالية البرقة.

مخاوف التقسيمومع أن زعماء برقة أكدوا أن طرحهم ليس بداية لتقسيم البلاد، وأن الفيدرالية ليست انفصالاً عن الدولة، وإنما تتوخى نهضة الأقاليم من خلال لا مركزية إدارية، إلا أن شكل مشروعهم وطريقته وتوقيته أثار كثيراً من المخاوف والجدل.

وأكد عبدالوهاب بدرخان في تحليل نشره موقع "فرانس 24" أن الشكل تخطى اللامركزية الإدارية إلى الاستقلالية، لأنه يلحظ وجود وزارات وجيش مستقل وحتى عَلم خاص، أما الطريقة فتغلّب منطق القبيلة والجهوية على منطق الدولة، وهو ما أشار إليه رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل عندما حذر من خطرين يتهددان ليبيا، هما: الحرب الأهلية والتقسيم.

أما التوقيت فإنه يتجاهل استحقاقات المرحلة الانتقالية ويستبق اكتمال المجلس التأسيسي والدستور الجديد، بل يلجأ إلى ما يسميه شرعية الدستور الذي كان متبعاً في عهد الملكية.

وذكر عبدالوهاب بدرخان أنه قبل أيام سارعت الحكومة الحالية برئاسة عبدالرحيم الكيب إلى طرح قانون لإقامة أقاليم لم يشر إلى الفيدرالية، وذلك في محاولة لتحديد السقف الذي يمكن أن يطمح إليه الإقليم المقترح في برقة.

ويبدو أن الفوضى المسلحة في طرابلس والبلبلة الحكومية والتأخير في خطط الخروج من المرحلة الانتقالية، ساهمت جميعاً في دفع البرقاويين إلى هذه الخطوة التي لا تخلو فعلاً من الخطورة على وحدة الدولة والأرض والشعب.

وختم بدرخان مؤكداً أن أي نوع من المبادرات نحو "الفدرلة" خارج إطار الدولة والدستور المتوافق عليه، لا بد أن تتحول في نهاية المطاف إلى مشاريع انفصالية تشيع الفوضى والعداء أكثر مما توفر معالجة جدية لمسألة التهميش.

هذا ويزيد إعلان الحكم الذاتي التحديات التي يواجها المجلس الوطني الانتقالي الذي يكافح لفرض سلطته على البلاد، حيث تدير البلدات والميليشيات شؤونها بنفسها دون الرجوع بدرجة تذكر للحكومة في طرابلس.

وضع الأقاليم الأخرىيذكر أن هذا لإقليم يتمتع بأهمية حيوية لليبيا، فهو يحوي نحو ثمانين بالمائة من احتياطيات النفط والغاز في البلاد، كما أن موقعه استراتيجي بسبب امتداده الواسع على الساحل الليبي، والذي يقع نحو ستين بالمائة منه في هذا الإقليم. إضافة إلى ذلك، فإن برقة تضم خمسة موانئ لتصدير النفط، وتحتوي على ثلاث مصافٍ للنفط من أصل خمس في ليبيا.

وهذه الميزات التي تتمتع بها برقة، قد تشكل نذيراً لاندلاع موجة عنف جديدة في ليبيا، كما انه وبالنظر إلى استمرار انتشار الميليشيات في مناطق كثيرة في ليبيا اليوم، فإن إعلان برقة حكمها الذاتي، قد يفتح الباب أمام قبائل أخرى، ويشجعهم على القيام بالمثل.

كورفا مثلاً في جنوب البلاد، شهدت اشتباكات بين قبائل عربية وأخرى إفريقية الشهر الماضي، أدت إلى مقتل أكثر من مئة شخص، والقبائل فيها تشكي من غياب الدولة والإهمال.

طرابلس، لا تزال تحت سيطرة الثوار الذين تحولوا إلى ميليشيات، ويرفضون دعوات الانخراط في القوات النظامية. ومصراته الواقعة شرق العاصمة طرابلس، تمارس فعلياً الحكم الذاتي منذ الإطاحة بمعمر القذافي.