محمد شاهين - كتبت الفاضلة سهير بشناق في صحيفة الرأي الغراء الصادرة يوم السبت الواقع في1 / 10 /2011 مقالا تشير فيه الى ما يلي:
1- تعريف باليوم العالمي لكبار السن الذي يصادف اليوم الاول من شهر تشرين الاول من كل عام والذي يشارك فيه الاردن الاهتمام بهذه الفئة من ابناء المجتمع الذين يستحقون كل العناية والرعاية .
2- يبشر المقال بان الدولة وعلى أعلى المستويات تهتم بهذه الفئة من خلال اعداد الاستراتيجية الوكنية لكبار السن عام 2008م واننا نتمنى تفعيل هذا النشاط لنرى ثماره ونلمس آثاره الخيرة.
3- من ناحية احصائية يشير المقال الى ان نسبة كبار السن في الاردن كانت عام 2004م تقارب 2ر5% وان هذه النسبة ستصل عام 2020م الى 6ر7% وهي نسبة عالية كما ترون، كما ان عدد كبار السن 60 سنة فاكثر في العالم حسب احصائية عام 2006م حوالي 688 مليون نسمة ومن المتوقع ان يصل عددهم الى 2 بليون بحلول عام 2050م وعندها يتجاوز عدد كبار السن عدد الاطفال للمرة الاولى في التاريخ.
لقد امعنت النظر في المقال سابق الذكر - لانني انا شخصيا انتمي لهذه الفئة – التي اجل واحترم - كما ان لي اهتمامات بكل ما ينشر من معلومات حول هذا الموضوع، فاثار ذلك شهيتي لتناول الموضوع بطريقة عملية ومشاهدات حية الخصها فيما يلي:
أ- مشاهدات حية ووقائع شخصية:
1- قبل مدة غير قصيرة علمت بمرض احد اصدقاء والدي رحمه الله فذهبت لعيادته والاطمئنان على صحته فوجدته يجلس على فراش ارضي مناسب فجلست قبالته ,ثم طرحت عليه التحية، وبادرته سائلا كيف حالك يا ابا محمد فاجابني نعم! بصوت مرتفع، فظننت ان سمعه ثقيل، فرفعت صوتي مرددا كيف حالك يا أبا محمد؟ فاجابني بمرارة (انا اليوم موش ابو محمد، انا زمان كان اسمي ابو محمد، انا اليوم اسمي اسكت) وكانت الدموع تترقرق في عينيه.
طمأنته ,وبادرته قائلا :أنت بخير وصحتك والحمدلله جيدة، فبدأ يشكو ظروفه، وكأنني سقطت عليه من السماء (أنا اشعر انني كم مهمل، فلا يوجد من يسمعني او يستمع اليّ واذا سألتُ عن أي شيء، فالجواب الجاهز الذي يردده الجميع أامامي : (إنت اسكت، لماذا تحشر نفسك، فكل شيء يصلك، فماذا تريد؟)
وأردف قائلا: والله أنا لا ينقصني طعام ولا شراب، لا ينقصني سوى الشعور بالاحترام والمودة الصادقة، والرغبة في أن ارى من يحادثني او يستمع الي، اريد ان اجد من أعبر له عن مكنون قلبي «بدي أفش قلبي» قالها ببساطتها وبالعامية وبنبرة عالية,ثم أردف «ليس بالخبز والماء وحدهما يحيا الانسان، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم».
هموم المتقاعدين ..كيف نفهمها؟
وهذه حكاية اخرى تسلط الضوء على الظروف النفسية التي يعاني منها من احيلوا الى التقاعد بعد حياة طويلة حافلة النشاط والعلاقات الاجتماعية والاحترام المتبادل والترقي في مجال الخدمة وتحقيق الطموح والآمال، وهم بعد كل ذلك يعيشون حياة تلفها الوحدة والوحشة وانفضاض الاصدقاء والزملاء، وانقطاع الزوار الا ما ندر، فانقلب النشاط الى خمول وكسل.
وهي قصة حقيقية جرت بيني وبين زميل في التعليم، التقيته قبل خمسة عشر عاما تقريبا وبعد التحية استفسرت عن ظروفه واحواله فاجابني بصوت متقطع: «انا الان متقاعد «بتسكين حرف التاء» يعني مت قاعد، وبصريح العبارة مت وأانت قاعد»، فأجبته لماذا هذا التشاؤم وهذه النظرة السوداوية للحياة، فها انت – والحمد لله – تتمتع بصحة ممتازة، وكما اعلم في ظروف اقتصادية جيدة فما عليك الا ان تشكر الله على ذلك فارجو ان تطرد الوسواس وان تستعين بقوله تعالى «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، وتذكر المثل القائل «لو دامت لغيرك ما وصلت الك» وهكذا هي الحياة، واسمح لي ان اورد على مسامعك بعض ابيات من قصيدة الشاعر (ايليا أابو ماضي) «فلسفة الحياة»:وأنشدته :
أيهذا الشاكي وما بك داء
كيف تغدو اذا غدوت عليلا
ان شر الجناة في الارض نفس
تتوقى قبل الرحيل رحيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا
كل من يجمع الهموم عليه
اخذته الهموم اخذا وبيلا
ايهذا الشاكي وما بك داء
كن جميلا تر الوجود جميلا
القصتان سالفتا الذكر قصتان من الواقع وهما لعمري يمر بهما ويعيشهما معظم كبار السن ان لم نقل جميعهم ولدي كثير من الامثلة على ذلك ولكنني اكتفي بما ذكرته لاتيح المجال للتركيز على الفكرة الاساسية والهدف النبيل من وراء تناول هذا الموضوع.
ب: الدراسات المتعلقة بكبار السن وانا اعني بكبار السن الاخوة الرجال والاخوات السيدات على حد سواء
تشير الدراسات التي قام بها فريق من علماء كندا واميركا والمانيا الى امكانية الحد من الاصابة بمرض الزهايمر او على الاقل تأجيله لمدة قد تصل الى 15 عاما اذا اتبعت الطرق الوقائية والنصائح الصحية قبل الاصابة بالمرض الذي اخذ ينتشر بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة – حمانا الله واياكم من كل مكروه – ومن هذه الطرق والنصائح:
- تفعيل النشاط البدني
- تفعيل النشاط الذهني
- تفعيل النشاط الاجتماعي
- الاهتمام بالتغذية وبشكل خاص التغذية المناسبة لصحة العقل وهنا يحسن الاسترشاد بذوي الاختصاص والاخذ بنصائحهم.
والسؤال الذي يُطرح في هذا المقام هو: هل يمكن ممارسة هذه النشاطات الوقائية بشكل فردي في الشقق السكنية او في المنازل الضيقة؟
اذا كنا فعلا نريد تحقيق الاهداف المرجوة من وراء ممارسة هذه النشاطات جميعها، والهادفة الى انتشال كبار السن من العزلة والوحدة والهجر والاهمال وحمايتهم من الاكتئاب الذي يعتبر مقدمة للاصابة بمرض الزهايمر، فإن الجواب الصريح هو لا، اذا ما الحل؟
ان الحل الامثل يتلخص في الاقتراح التالي الذي سبقتنا اليه كثير من دول العالم وهو:
تأسيس مركز شامل لكبار السن تُمارس فيه النشاطات النهارية، وهذا يتطلب ما يلي:
- تخصيص قطعة ارض ملائمة من حيث الموقع الصحي والمساحة الكافية لتقام عليها المرافق والمباني اللازمة لممارسة النشاطات المتنوعة، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ودون الدخول في التفاصيل المتعلقة بكل منها:
- وحدة صحية شاملة.
- وحدة لممارسة النشاطات الثقافية المتنوعة، تتضمن مكتبة، وقاعات للمحاضرات والندوات.
- وحدة رياضية لممارسة النشاطات البدنية الملائمة لهذه الفئة وتنظيم الرحلات المتنوعة والزيارات الهادفة.
- اماكن جلوس لتبادل الاحاديث وسرد الخبرات والتجارب لتفعيل التواصل والتعاون واقامة علاقات قائمة على الالفة والمودة، تؤدي الى تنمية علاقات اجتماعية واسعة فيما بينهم.
- اماكن لالعاب التسلية الذهنية البريئة مثل:
الشطرنج، طاولة الزهر، طاولة الدومينو،... وغيرها.
- مصلى: تقام فيه الصلوات، وسماع الدروس الدينية، وحفظ القرآن الكريم وترتيله لمن يرغب.
- مقصف لتقديم المشروبات والمأكولات الخفيفة، لمن يرغب مقابل الثمن الذي تحدده الادارة.
لنرفع معنوياتهم ونطمئنهم
وبعد فها هي ذي حكاية كبار السن، ارجو ان اكون قد احطت بجوانب مهمة منها، وحتى تكتمل الصورة فانني سأتناول جانبا اخر منها، حرصت على تناوله في نهاية هذه المقالة، لما له من اهمية بالغة سواء بالنسبة لكبار السن انفسهم، او بالنسبة لمن له علاقة بهم، او اهتمام صادق بامورهم وقدرة على تحسين ظروفهم ورفع معنوياتهم وهذا الجانب يتعلق بالنظرة الى كبار السن والتصرف معهم والاجراءات العملية التي تطمئنهم، وترفع من معنوياتهم وتعيد لهم الثقة بانفسهم وبانهم ما زالوا كما فاعلا لا كما مهملا كما يحلو للبعض ان ينظر لهم، ويتعامل معهم على انهم اضحوا عالة على ذويهم، او مشكلة بالنسبة للدولة والمجتمع - حاشا لله - فهم ما زال معظمهم قادرا على البذل والعطاء والاسهام في مجالات متعددة من جوانب الحياة المعاصرة، فهم عين لا ينضب بما يمتلكونه من كفايات علمية متنوعة وبما يمارسوه من خبرات ثرة مربية، ولا اريد ان اطيل في هذا المجال باعطاء امثلة عملية على ذلك، سواء كان ذبلك بالنسبة للجهات الرسمية، او المؤسسات المدنية او ذوي كبار السن انفسهم.
ويتذكر الجميع بانه سيأتي اليوم - ان شاء الله - الذي يصبحون فيه من كبار السن، متعكم الله جميعا بالصحة والعافية وامد في اعماركم، والله من وراء القصد.
رد مع اقتباس
المفضلات