السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صبر جميل
منا من يمرون في دروب الحياة بتجارب قاسية وأخرى سعيدة ..
يجرحون ويغدر بهم .. لكنهم يأبون رد الصاع صاعين .. يأبون
الانتقام والثأر .. يأبون المعاملة بالمثل .. يتوجهون بدموعهم
وقلوبهم الجرحى إلى الله بالصبر .. ثم الصبر والدعاء لكل من
أساء لهم .
نعم هناك أناس يعرفون حق المعرفة أن الانتقام ليس للبشر ..
فهم يوكلون كل أمورهم لله تعالى هو يدافع عنهم ويحميهم
ويلطف بهم .. عندما نسمع قصص الظلم نستاء وعندما نسمع
حكايا الغر أو الإساءة أو الجحود نصاب بخيبة الأمل ... وتقل
ثقة البعض في الآخرين ... وتحت وطأة الشعور بالتعاطف نبدأ
بسرد النصائح الانتقامية ونساعد الآخرين على الانتقام بقصد
رد الاعتبار .. في الحقيقة النصائح الانتقامية كثيرة ... والبعض
ينساق وراءها بكل طواعية اعتقادا بأن الانتقام وسيلة للتنفيس
عن الغضب ... لكن في واقع الأمر نجد في نهاية المطاف أن
من قام بالانتقام قد أضر بنفسه كثيرا .. أكثر بكثير من الطرف الآخر .
عزيزي القارئ .. أصحاب القلوب الرحمانية لا يلجأون للانتقام مطلقا ...
ولا تعتقد أن ذلك لضعف في نفوسهم أو لقلة حيلتهم .. بل هم يؤمنون
بيقين أن كظم الغيظ أعظم عند الله قدرا وأجرا من الانتقام .. لكننا ننعت
الصابرين بالضعف ... وننعت من يوكلون مظالمهم لله تعالى بالخضوع ...
ونصف من يلتزمون الصمت عوضا عن رد الإساءة بالإساءة نصفهم
بالطيبة أو السذاجة .. وقد انتشرت مثل هذه المعتقدات كثيرا في أدمغة
الناس فتغيرت مقاييس القوة النفسية وسط هذا التيار الصارم من المادية
والانغماس في الشهوات وانتشار اللا أخلاق ... فالقوة عزيزي القارئ
هي في أن تملك نفسك وغضبك ... لا تدعهما يفلتان من لسانك أو من بين
جوارحك فتنتقم وتبطش وتظلم ... القوة هي أن تكون قادرا على الرد وعلى
المواجهة وعلى المقاضاة لكنك تؤثر المعروف والحلم ... وهنا يجب أن نميز
بين الحلم والصمت الذي يحوي كل معاني التوكل وتفويض الأمر لله ... وبين
كبت المشاعر وكبت الآلام .
فالمسألة جدا وقتية ... فعندما توقن كل اليقين أن الله تعالى هو ولي المؤمنين
وأن يدافع عن عباده المتقين عندها فقط تكون من المطمئنين فتغض الطرف عن
رد الإساءة بالإساءة ... وتتوجه إلى القادر القهار في أن يرد المظالم لأهلها ...
ولأن يرحمك وينجيك من كيد الكائدين ... وأنت على يقين أن لا أحد في هذه الدنيا
يقيك من الشرور غير الله تعالى .. عندها تترفع عن الصغائر وتربو بنفسك عن
معاملة الجاهلين بالجهل بل ترد عليهم "سلاما ... سلاما” في مثل هذه الحالة
أنت تكون من أصحاب القلوب الرحمانية الذين يواجهون صعوبات الحياة بالصبر
الجميل .. الصبر الذي يحوي كل معاني الرضا والتسليم .. وليس الصبر الذي يحوي
الشكوى والتذمر والغضب المكبوت .
أما إن كنت تفتعل الصبر ثم تضج آذان الآخرين بشكواك وتذمرك وتسرد حكايا
ظلمك ليل نهار وتنزوي منعزلا ... وتكبت مشاعر الغضب بداخلك .. فأنت بهذه
الحالة لست من الصابرين ... فالصبر يعني أن تحمل معاني الرضا والهدوء
والسكينة وتبقى ثابتا دون جزع أو هلع .
قارئي الفاضل .. إن الحياة التي نحياها اليوم وسط هذا العالم الذي يموج
بالمادية والتسارع بالظلم والتعب وسط هذه الأمواج نحن في أمس الحاجة
لاحتواء هذه المتغيرات بكثير من الصبر والتفهم بكثير من التوكل والهدوء .
والبعض منا قد يتساءل ... وكيف السبيل إلى الصبر لجميل ؟! كيف لنا أن
نكون كأصحاب القلوب الرحمانية في صبرهم وهدوئهم في توكلهم واحتسابهم ؟ .
أولى خطوات : هذا البرنامج : تبدأ بالمعرفة
يجب أن تعرف أولا أجر الصابرين وأجر رد الإحسان بالإحسان .. وتعرف فضل المحسنين
وتعرف بم وعدهم الله تعالى .. فأنك أن عرفت ذلك كله ... حتما سيزداد عزمك على الصبر
على تحمل عوائق ومشقات الحياة .
والخطوة الثانية : هي المحافظة على الصلاة فهناك
أمر إلهي وهو يعتبر كبرنامج علاجي في مواجهة صعوبات الحياة ... حيث قال الله تعالى:
" واستعينوا بالصبر والصلاة” فالصلاة تعتبر من التقنيات العبادية المهدئة والمقوية
للمعنويات المثبطة للإرادة والعزيمة .
والخطوة الثالثة : تتم بالدعاء ... فالدعاء باب
من أبواب الرحمة والفلاح ... وللدعاء آداب وأوقات وتقنيات روحانية ... إذا ما لجأ لها
الفرد استطاع بكل يسر أن يصبح على عوائق الحياة ومشكلاتها وصعوباتها .
والخطوة الرابعة : تتم بالتباحث فيما يؤرقك
مع شخص آمين أو اختصاصي حاذق ... ينير لك نقاط الظلمة أو الحيرة في قلبك أوعقلك
فالاستشارة تعنيك وقد تختصر عليك طرقا طويلا من الألم أو تمنعك من التخبط أو التردد
في القرارات .
الخطوة الخامسة : تتم بإتباع برنامج التنفس
التي لها أثر مباشر على تهدئة الدينامكية العقلية وهدوء الجهاز العصبي .. كما
تساعد في تنظيم ساعات النوم وتعديل الشهية .
الخطوة السادسة : اتباع برامج ترويحية
كالقراءة أو المشي أو ممارسة مختلف أنواع الرياضة أو السفر أو ممارسة هواية ما
فالنفس أن قامت بما تحب ازدادات قدرتها على الاتزان .. وازدادت قدرتها على
التصدي للعوائق .
الخطوة السابعة : تتم بمساعدة الآخرين
وتقديم يد المساعدة لهم .. فهي من السبل التي تريح النفس وتيسر دروبك في
الحياة ... فمن مشي في قضاء حوائج الآخرين يسر له الله تعالى حوائجه ..
أضف إلى ذلك أن مساعدة الآخرين والسعي في قضاء أمورهم وتيسيرها
ترجع على المرء بالراحة والهدوء .. وتزيد من مساحات الخير في قلبه وفكره .
قارئي الفاضل .. هذه هي تقنيات الوصول للصبر الجميل .. الصبر الذي نحتاجه
في أيامنا المتسارعة ... وسط هذا العالم الذي تزداد فيه مشاعر الخوف
والوحدة والألم .
فالصبر الجميل هو أن تشعر الجمال وتستشعره وأنت تواجه الألم ...
والإساءة وتتعامل مع الله تعالى لا مع البشر ... وفي ذلك فليتفكر كل
من يطلب الوئام ويرنو إلى الدخول في دائرة أصحاب القلوب الرحمانية .
رد مع اقتباس
المفضلات