سميح المعايطة - الحكومة ليست في عجلة من أمرها لإجراء الانتخابات النيابية وهناك تفسير لهذا يعلمه المتابعون, ومجلس النواب لا يريد انتخابات مبكرة هذا العام لأسباب نعلمها جميعاً ومنها أن إجراء الانتخابات تعني حل المجلس، وهناك طرف ثالث لا يريد الانتخابات النيابية أيضاً وهم الإخوان المسلمون.
الإخوان يطالبون بقانون انتخاب سياسي وعادل لكنهم رفضوا المشاركة في لجنة الحوار الوطني وانسحبوا منها رغم أن فكرة اللجنة كانت البحث عن توافق بين كل الفئات حول القانون, ومع ذلك ما زالوا يطالبون بقانون وهم يعلمون اليوم أنه لا يمكن إصدار قانون إلا عبر حوار فردي بين الحكومة والأحزاب لكن عملية إنتاج القانون ستتم في مجلس الأمة.
والإخوان طالبوا بتعديلات دستورية فجاءت اللجنة الملكية التي عملت في ظل تحفظ إخواني ثم كانت المحصلة أنهم أشادوا بيعض النتائج ثم رفضوا المجمل لأنهم يريدون تعديل المواد التي تشمل صلاحيات الملك مع أن أي تعديل لا يفترض أن يلبي مطالب طرف بل كل الجهات.
والإخوان في داخلهم يرفضون فكرة إجراء الانتخابات النيابية في أسرع وقت حتى وهم يدعون لحل مجلس النواب, لهذا فهم الأكثر سعادةً بما أعلنته الحكومة من أنها سترسل مشروع قانون الانتخاب في منتصف آذار, والأسباب لا علاقة لها بالقانون أو تعديلات الدستور بل بقضايا وأسباب أخرى.
الإخوان وإخوان العالم
في أدبيات الإخوان السياسية غير المكتوبة أن الأردن هو المتنفس الأهم للإخوان في العالم خلال العقود الأخيرة, وهذا كلام بل قناعة كانت تنقل على لسان إخوان مصر ودول أخرى, لأن الإخوان في الأردن كانوا يعيشون في حالة ايجابية وحرية معقولة للعمل قياساً إلى دول أخرى.
فإخوان مصر تنظيم محظور منذ عهد جمال عبد الناصر عام 1954 أي بعد حادثة المنشية الشهيرة التي اتهم فيها عبد الناصر الإخوان بمحاولة اغتياله, وكانت السجون والمعتقلات هي مكان الإخوان إلى أن جاء السادات, لكن الإخوان استمروا حالة غير قانونية حتى هذا العام, وكانت حملات الاعتقال الدائم والمنع من العمل السياسي, وحتى ما كان من مساحات فقد كانت منحة من النظام المصري وليس حالة قانونية.
وفي فترات الخمسينات والستينات والسبعينات كان الأردن من الدول التي كان يهرب إليها إخوان مصر فراراً من الاعتقال, ومنهم قيادات بينهم شخص كان في الأردن باعتباره من قيادات الإخوان وهو نجيب جويفل لكنه في الحقيقة كان ضابطاً كبيراً في المخابرات المصرية, وهناك صورة له في كتاب الأستاذ نذير رشيد وهو في الأردن لكن ضمن وفد عسكري مصري قبيل حرب عام 1967 وكان برتبة لواء في المخابرات المصرية.
وكان الأمر خاصاً بإخوان سورية أيضاً الذين تم تهجيرهم من بلادهم منذ عام 1979 بعد بدء المواجهة مع النظام السوري, واستمرت الهجرة بعد ذلك, بل كانت عمان والزرقاء مأوى لهم وبقيت قيادتهم في عمان إلى سنوات سبقت, وكان جزء رئيس من عمل إخوان الأردن في الثمانينات هو العناية والرعاية لإخوان سورية اجتماعياً وسياسياً.
وحتى حركة حماس التي كانت بداياتها في الكويت وآماكن أخرى فان الأردن كان أول الأرض التي بنت فيها حماس بنيتها التحتية في الخارج وأسست لجزء من عملها في الخارج, وكان إخوان الأردن هم من قدم لحماس كل الدعم السياسي والتنظيمي, وكانت الحرية التي يعمل بها إخوان الأردن سبباً رئيساً لتكون عمان هي المتنفس الرئيس لإخوان العالم أو بعضهم.
وفي مساحة أبعد كانت عمان وأجواؤها من الساحات التي قدم من خلالها الإخوان التسويق السياسي لثورة الإنقاذ السودانية التي استلمت الحكم بانقلاب عسكري عام 1989 , فضلاً عن الخدمات الكبيرة للجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي, ومن يذكر تلك الأيام يدرك حجم الدعم.
الغاية من هذا العرض أن الإخوان كانوا متقدمين جداً على بقية تنظيمات التنظيم الدولي, وكانوا جزءاً من الحكومة والبرلمان والأعيان ولهم جمعيات خيرية ويسيطرون على المساجد والجامعات في الوقت الذي كان فيه إخوان تونس في السجون أو باحثين عن عاصمة أوروبية طلباً للجوء, وكان أحد قادة الإخوان رئيساً لمجلس النواب الأردني يوم أن كان أعضاء مكتب الإرشاد في مصر في المحاكم أو مطلوبين لمباحث أمن الدولة, وكان إخوان سوريا في أشد حالات الضعف في المنفى يوم أن كان قادة الإخوان وزراء وأعيان.
مخرجات الربيع
ما سبق إضاءة ضرورية في فهم طريقة تفكير الجماعة اليوم, فبعد الربيع تحول المشردون والمحظورون والمطاردون إلى الحكم, ففي مصر يشكل الإخوان أهم عناصر المشهد السياسي اليوم ويحققون أغلبية في الجولة الأولى من الانتخابات, وفي تونس أصبح اللاجىء راشد الغنوشي زعيم حزب الأغلبية, وفي سوريا يحلم الإخوان أن يكونوا عنصراُ حاسماُ فيما لو سقط النظام, وحتى في فلسطين فرغم الاحتلال فإن حماس تحكم غزة ومنها رئيس وزراء ولها أغلبية المجلس التشريعي, وحتى قيادة حماس في الخارج فإنها تملك علاقات دولية قوية ويتم استقبالها من رؤساء الدول, وهناك في المغرب يشكل الحزب الإسلامي حكومة بعد فوزه في الانتخابات.
شهية مفتوحة
ما بين ما كان من واقع كان فيه إخوان الأردن هم الحضن للمطاردين من إخوانهم, وما بين الواقع الحالي هناك قناعات لدى الإخوان بأن المكاسب يجب أن تكون أكبر وأهم, لأن الإخوان في الأردن لا يعانون من الحظر القانوني بل لديهم حزبان هم حزب الإخوان وحزب الجبهة رغم أن الأعضاء مشتركون في التنظيمين, ولديهم مساحات للعمل السياسي والإعلامي وهيئات ونقابات وحتى جمعية المركز الإسلامي فإن الإخوان ما زالوا مسيطرين على عمل الفروع والمؤسسات باستثناء الإدارة العامة التي تديرها لجنة حكومية, لهذا فالحصول على الشرعية القانونية ليس إنجازاً مثلما حصل في مصر وتونس لأنها موجودة, ودخول البرلمان متاح, ولهذا فإن الآمال في المحافظة على تقدم الحالة الإخوانية عن مثيلاتها في العالم وليس العودة عنهم إلى الوراء, أي أن يكون الإنجاز الإخواني الأردني مساوٍيا للآخرين, فليس معقولاً أن تكون ثمار الربيع الأردني انتخابات نيابية حتى وإن كانت نزيهة وتحت إشراف هيئة مستقلة وفوز بعشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين مقعداً في البرلمان القادم, أو حتى مشاركة في الحكومة مع أن المشاركة كانت متاحة في حكومة الدكتور عون الخصاونة.
الشارع مطلوب
الإخوان لم يدخلوا أي لجنة مثل لجنة الحوار ولم يمنحوا مخرجات لجنة مراجعة الدستور «شرعية !! « وكان متوقعاً أن لا يقبلوا دخول الحكومة, لأن خيارهم حتى اليوم هو الشارع, وحتى لو بدأت الحكومة غداً حواراً حول قانون الانتخاب فستكون النتائج متوقعة ليس لأن النصوص مرفوضة بل لأن المطلوب إبقاء الحالة الأردنية مفتوحة ويبقى الشارع ساخناً.
الإخوان لا يريدون الانتخابات لأن وضع قانون جديد حتى لو كان وفق شروطهم, وإجراء انتخابات نزيهة برقابة دولية وإشراف هيئة مستقلة ليست هي الهدف السياسي أو الثمرة المقنعة لهم من حراك عام مضى, فالشهية واسعة جداً, والعيون تتوجه إلى كل الساحات الأخرى وأهمها اليوم دمشق, لأن كل تكتيك سياسي سيكون منسجماً مع نهايات الحالة العربية, وهناك الإسناد التركي ومن بعض العرب الذي يؤيد مشهداً كاملاً.
الإخوان اليوم ليسوا معنيين بتفاصيل قانون الانتخاب, ولهذا جاءت الروزنامة الحكومية وموقف النواب لتبعث فيهم الارتياح لأن لديهم أكثر من أربعة أشهر إلى حين إرسال القانون إلى المجلس وهي شهور حاسمة في المشهد المصري والسوري وربما الفلسطيني الداخلي, وإرسال القانون لا يعني إقراره مباشرةً فقد يحتاج إلى شهور طويلة أخرى.
شراكة وليست مشاركة
لا يخفي بعض قادة الإخوان في أحاديثهم أنهم لم يعودوا يريدون مشاركة في الحكم من خلال البرلمان أو حتى حقائب في الحكومة لكنهم يريدون شراكة في الحكم, وهو إعلان صريح يستطيع كل متابع قراءته خلال ما مضى من مواقف ومنها :-
1- الإصرار على تعديل المواد الدستورية التي تخص صلاحيات الملك بحيث يتم تجريد الملك منها لصالح مجلس النواب أو الحكومة.
2- الحديث أحياناً عن الملكية الدستورية وهو حديث كان بعض القيادات يرفضه لكنه خيار لدى فئات منهم وهو يتوافق مع فكرة سحب الصلاحيات من الملك مع أن الأردن دولة ملكية دستورية, الولاية الدستورية فيها للحكومة.
3- وما سبق مبني على قناعة بأن تعديل الدستور وسحب صلاحيات الملك لن يستفيد منه إلا الإخوان الذين سيفوزون بأغلبية مقاعد المجلس, وبالتالي سيشكلون الحكومة وسيكونون أصحاب الحضور والحكم.
وهذا الحديث ليس عاماً أو تحليلاً بل هو ما لا يقال في مجالس العامة وهو التفسير الحقيقي للتعامل السياسي مع كل الخطوات.
ويرفض الإخوان الانتخابات لأنهم لا يريدون العودة إلى المؤسسات الدستورية الآن بل يريدون إعادة بنائها لكن على قاعدة أنهم الحزب الأقوى وصاحب الحضور.
الخاتمة
ولأن الجماعة تمارس عملها السياسي بذكاء فإنها لم تدخل حتى الآن مواجهة صارخة مع مؤسسة الحكم وكانت المحاولة الوحيدة وغير المكتملة هي اعتصام دوار الداخلية في آذار الماضي, لكنها بالتأكيد تراقب ما يتم من استهداف يتم أحياناً من البعض بحسن نية وغيرة أو أحياناً من آخرين بقصد للملك ومثال هذا قضية أراضي الدولة, التي كان هدفها من البعض ليس الأرض بقدر ما هو كسر رمزية الملك ومكانته الوطنية, لكن في المقابل كان هناك أكثر من هجوم على مؤسسات مفصلية وأهمها المؤسسات الأمنية, وفي هذا محاكاة للنموذج المصري لأن الناس في ثورة مصر تعاملوا بعداء مع الأمن المصري أكثر مما تعاملوا مع نظام مبارك.
ما سبق تحليل للحالة وتقريب للصورة في المشهد العام, وتفسير للقناعة التي تقول بأن الإخوان لا يريدون الانتخابات, لأن الشارع ما زال الخيار, أما مستويات تسخين الشارع فإنها متروكة لعوامل عديدة منها التطورات الإقليمية, تعامل الدولة مع المرحلة وتماسكها في إدارة الملفات الصعبة, تداعيات الموضوع الاقتصادي الذي قد يشكل ورقة يمكن من خلالها تسخين الشارع حتى من غير المؤيدين للإخوان, كذلك استثمار أخطاء الحكومات.
المفضلات