كتب- حاتم العبادي- شكل توقيت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني الى رام الله الاسبوع الماضي، بداية تحرك دبلوماسي اردني بقيادة جلالته، لاعادة وضع القضية الفلسطينية على الاجندة الاقليمية والدولية في ظل محاولات تغييبها من قبل الحكومة الاسرائيلية استغلالا لتداعيات الاوضاع في المنطقة، خاصة العربية منها.
ورغم أن الحالة العربية الراهنة، تفرض نفسها على الاجندة الدولية بكافة تداعياتها، إلا أن الدبلوماسية الاردنية، تصر على حقيقة ان القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة، واساس تحقيق السلام والاستقرار فيها.
التحرك الملكي بدأ سريعا على محاور مختلفة، إذ انه لم يمض عدة ايام على زيارة رام الله، لتبدأ محطتان هامتان في إطار هذا التحرك، الاولى، بدعوة الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز لزيارة عمان، بحسب مصدر سياسي، الذي اكد انها لم تكن باي شكل زيارة «بروتوكولية او لالتقاط الصور» مع شخصية اسرائيلية بهذا المستوى.
فمثلما حملت زيارة جلالته الى رام الله رسائل عديدة لخدمة القضية الفلسطينية، فقد حمل الاردن بيريز رسائل مباشرة الى الحكومة الاسرائيلية، بأن الاردن عازم على المضي قدما في جهوده لتحقيق السلام، بما يضمن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، التي تشكل محط اجماع دولي بإستثناء تعنت حكومة نتنياهو الذي يصر على العيش بـ»عقلية القلعة»، وإجهاض جهود السلام، واية محاولات لاحيائها، عبر الاستمرار في عمليات الاستيطان ومحاولات المس بالمقدسات في مدينة القدس، التي تشكل بالنسبة للاردن «خطا احمر» لا يسمح بتجاوزه.
مصدر مطلع على تفاصيل الزيارة، أعتبر أن زيارة بيريز، تقع في إطار واضح لخدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من خلال استثمار العلاقة مع اسرائيل بحكم المعاهدة، وإن كانت العلاقات بين عمان وتل ابيب «باردة جدا»، خصوصا مع الحكومة الاسرائيلية الحالية.
هذا الاستثمار يتمثل في ابقاء يد العون الاردنية الهاشمية تصل الى الاشقاء في فلسطين وقطاع غزة، عبر الدعم السياسي والاقتصادي والانساني، الذي يشكل مطلبا فلسطينيا، خاصة في الظروف الصعبة التي ترتفع فيها وتيرة الاعتداءات والحصار الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، المتمثل في جميع الجوانب منها، تجميد عائدات الضرائب المحصلة لصالح الفلسطينيين، والابقاء على حصار قطاع غزة وسياسة الاغلاق والحواجز التي تمارسها سلطات الاحتلال، بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني.
فالمساعدات الاردنية متواصلة ومستمرة في جميع الاشكال، فبالاضافة الى الدعم السياسي، هنالك الدعم الاقتصادي والطبي، فهنالك مستشفيات ميدانية تقدم العلاج للاشقاء، فالمستشفى الميداني العسكري في قطاع غزة قدم خدماته الى زهاء (600) الف فلسطيني، الى جانب قوافل الخير الهاشمي.
ورأى دبلوماسيون في دعوة الاردن لبيريز بزيارة عمان فيه إدراك عميق للخريطة السياسية الاسرائيلية وتركيبتها، لاسيما وانه ثبت لصانع القرار الاردني بشكل مبكر ان زيارتين لنتنياهو الى عمان كانتا كفيلتين بطي صفحته كشريك للسلام او معني به باي شكل.
وهنا تفيد المعلومات ان بيريز حمل رسالة اردنية الى نتنياهو شديدة الوضوح برفض اي مساس بالمدينة المقدسة ومقدساتها وتحذيرا من خطورة مخططات حكومته بمحاولات المس بباب المغاربة، كون مثل هذا الاعتداء لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
ولعل مناشدة رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي لجلالة الملك التدخل قبل ايام للتحرك لمنع الاحتلال من هدم طريق باب المغاربة في المسجد الأقصى، ما هو إلا مؤشر على اهمية الدور الاردني وتاثيره في خدمة القضية الفلسطينية وحماية المقدسات في المدينة المقدسة، وهو ما اكد عليه الشيخ القرضاوي في رسالته.
السياسة العدوانية من حكومة نتنياهو واثباته انه غير معني بالسلام، وان حكومته لا تملك برنامجا في هذا الاتجاه، بل تمارس نقيض ذلك تماما، فإن الرسالة الاردنية لبيريز حملت ايضا، حرصا اردنيا على عدم مساس اسرائيل بالجهود الفلسطينية لبناء مؤسسات الدولة التي تحظى بدعم من المجتمع الدولي خصوصا الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي الى جانب تأكيد الموقف الاردني بإدانة الحصار على غزة وضرورة رفعه من قبل اسرائيل فورا.
بيريز ابلغ ايضا خلال الزيارة، علم الاردن ورفضه لتقويض الحكومة الاسرائيلية لاي اجواء لبناء الثقة مع السلطة الوطنية الفلسطينية ودعم رئيسها محمود عباس لدفع جهود السلام خطوة الى الامام.
وهنا تفيد المعلومات ان الملك ابلغ بيريز ان حكومة نتنياهو لم تترك اي فرصة إلا وقوضت بها اي اجواء لبناء الثقة مع الجانب الفلسطيني بل تعدت ذلك الى تقويض الجهود الدولية لاحياء السلام عبر ممارساتها واعتداءاتها اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومؤسساته.
وفي السياق، فقد رفضت حكومة نتنياهو اطلاق سراح اي اسير من الاف الاسرى الفلسطينيين في سجونها، التي كان جرى الاتفاق مع الرئيس محمود عباس على اطلاق دفعات منهم وفقا لتفاهمات لم تكن بعيدة عن اطلاع القوى الدولية المؤثرة والمعنية بجهود السلام، خاصة الرباعية الدولية التي تضم الاعضاء الدائمين في مجلس الامن.
وتقرأ خطوة الحكومة الاسرائيلية، بأنها جزء من محاولاتها لتقويض فرص احياء عملية السلام والمفاوضات، التي منها ايضا استمرار سياسة الاستيطان بشكل خاص، التي اجهضت الجهد الامريكي الذي بدأه الرئيس باراك اوباما فور تولي ولايته حيث استقال مبعوث الرئيس الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل من منصبه بعد عشرين جولة الى المنطقة تركزت على وقف الاستيطان وخرج منها خالي الوفاض، جراء تعنت نتنياهو وحكومته.
التحرك الملكي لتشديد الضغوط على حكومة نتنياهو من جهة، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في هذا الاتجاه، متواصل، وفق مصادر رسمية مطلعة، حيث تأتي زيارة جلالة الملك الى المانيا «محطة» هامة في هذا الاطار، حيث سيتبعها، خلال اسابيع تحرك واتصالات مع عواصم صنع القرار الدولي، وصولا الى محطة «واشنطن» المقبلة، التي يؤمن الاردن انها القوة الوحيدة القادرة على ممارسة ضغط حقيقي ومؤثر على الحكومة الاسرائيلية.
رد مع اقتباس
المفضلات