لنحو عشر سنوات قُدِّم سيف الإسلام (39 عاما) على أنه الوجه الناعم لنظامٍ ليبي قادر على فك عزلته والتواصل مع الغرب، وقد أتقن نجلُ معمر القذافي المهمة، تساعده في ذلك لغة إنجليزية لا تشوبها شائبة وبذلاتٌ إيطالية أنيقة، وملياراتٌ من الدولارات يدرّها النفط الليبي. لكن بعد أيام فقط من اندلاع الانتفاضة الليبية بات سيف الإسلام فجأة لا يشبه نفسه، وبات ابنًا لأبيه.. تماما.
كان سيف الدليلَ على أن القذافي عرف كيف يتأقلم بذكاء مع التغييرات التي طرأت على العالم بعد غزو العراق. لم يكن النظامُ يصدّر نفطا وغازا فقط، لكن أيضا صورةً عن نظام مستعد –دون تغيير جوهري فيه- لينفتح على الغرب.
تكفل سيف بتسويق الصورة بنجاح، وكانت لندن محطة رئيسية في ذلك.
سيف الإسلام في زيارة لمعرض "الصحراء ليست صامتة" في 2010 (الفرنسية)
المحطة اللندنية
ومن 2002 بدأ سيف يتحدث عن حاجة بلاده إلى الديمقراطية، وبعد ذلك بقليل سيبدأ مرحلة طويلة من الوساطات، كثير منها في العاصمة البريطانية.
من لندن –حيث حصل على درجة دكتوراه من كلية الاقتصاد لم يُطعَن في نزاهتها إلا بعد اندلاع الانتفاضة– فاوض سيف على أسلحة الدمار الشامل الليبية مقابل إنهاء عزلة النظام، ومنها فاوض في 2009 على إطلاق سراح عبد الباسط المقرحي المُدان الوحيد في قضية لوكربي.
لم تكن ملياراتُ النفط غريبة عن الترحاب والإشادة التي لقيها في الغرب، حيث كانت له زمرة واسعة من "الأصدقاء" بين رجال السياسة والمال.
في العاصمة البريطانية مثلا تحول في 2002 إلى فنان تُقدّم لوحاته في أرقى صالات العرض.
"الصحراء ليست صامتة" كان عنوانَ العرض الذي يتذكره الناقد التشكيلي البريطاني جوناثان جونس في مقال في صحيفة غارديان نشر بعد خمسة أيام من سقوط طرابلس على أنه "كان استعراضًا قبيحا للقوة، ليس في ليبيا لكن في لندن".
محطات في حياة سيف الإسلام (اضغط للتكبير) (الفرنسية)
حالة فرويدية
ربما كان سيف سيحاول من لندن أن يفاوض على إنقاذ النظام بعد قيام الثورة لو لم تعاجِلْه مذكرةُ توقيف صدرت عن المحكمة الجنائية، ليجد نفسه وأباه محاصريْن داخل ليبيا يواجهان المصير ذاته، وإذا بالرجلين يستعملان اللهجة نفسها.
يتذكر ديفد هيلد المستشار الأكاديمي لسيف الإسلام خلال السنوات الأربع التي قضاها في كلية الاقتصاد في لندن صورةَ سيف وهو يلقي خطابه الذي توعد فيه بـ"حرق ليبيا"، فقد "كان شيئا شيكسبيريا أو فرويديا: رجل يتجاذبه من جهة الولاء لأبيه وعائلته ومن جهة أخرى إيمانه بالإصلاح والديمقراطية وحكم القانون. لم يكن سيفَ الذي عرفته جيدا طيلة هذه السنوات".
رجل الوساطات
قبل أن تندلع الانتفاضة ظل سيف لسنوات رجلَ "ليبيا الغد" -كما كان يحب أن يسمي البلدَ الذي يحلم به- ولم يكن يَخفَى أنه الرجل الذي يعده القذافي لخلافته، تدلّل على ذلك الثقة العالية التي كان يتحدث بها، والقراراتُ الهامة التي أعلنها رغم أنه لم يكن يحظى بأي منصب رسمي.
من موقعه هذا ساهم في مصالحة النظام مع قادةٍ في الجماعة الليبية المقاتلة، لكن بعد سنوات سيقود بعض من قدم له المشورة في هذه الوساطات –مثل علي الصلابي- وبعضُ من أفرج عنهم كنتيجة لها –مثل عبد الحكيم بلحاج الذي قاد معركة طرابلس- الانتفاضةَ ضده، تماما كما قاد من استقبل أباه من ساسةِ الغرب حملةََ حلفِ شمال الأطلسي ضد نظامه.
تصميم صورتين الأولى لسيف بمؤتمر صحفي بعد الانتفاضة والثانية بعد اعتقاله (رويترز)
وحتى قبل سقوط طرابلس بقليل، ظل سيف يقدم نفسه في صورة الممسك بخيوط اللعبة، فتحدث في أغسطس/آب مثلا عن اتصالات سرية مع عناصر إسلامية بين الثوار لمواجهة العناصر الأكثر ليبرالية.
وعندما سقطت طرابلس ظهر سيف متحديا مزاعم الثوار باعتقاله، ومؤكدا أن العاصمة لم تخرج عن السيطرة، بل حتى بعد مقتل والده وأخيه معتصم الشهر الماضي ظل يتحدث عن "الجرذان"، ويؤكد أنه مر بمنطقة "العزيزية المجاهدة"، وأن "النصر قريب"، وأن "العدو ضعيف".
لكن في الصورة التي وزعها الثوار له بعد اعتقاله، اختفى بريق التحدي من العينين أو خبا قليلا، وبدا سيف هادئا هدوءَ من قنِع أخيرا بالنهاية، نهايةٍ ظل ينكرها إلى أن حلّت.
المصدر: الجزيرة
المفضلات