كتب - صلاح العبّادي - يقف رئيس الوزراء عون الخصاونة أمام استحقاق تطبيق العدالة في ملء شواغر الوظائف العليا في الحكومة وأجهزتها المختلفة،فـ»إرث التجاوزات» الذي تركته الحكومات المتعاقبة كبير.
على قاعدة( اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب)، شكلت لجان وزارية لتعيينات الوظائف العليا، لكنها -الحكومات المتعاقبة- لم تلتزم دائماً بقرارات هذه اللجان، رغم أن الهدف من ايجادها اختيار مرشحين للوظائف العليا «وفق معايير الدقة والموضوعية بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والضغوط».
في عهد حكومة (البخيت 2011) رشحت لجنة التعيينات الخاصة أسماء لإشغال منصب أمين عام للمجلس الطبي الأعلى لم يأخذ بتنسيباتها التي أوصت بها.
ضمت اللجنة (آن ذاك) كل من وزير العدل ابراهيم العموش، ووزير الصحة الدكتور عبد اللطيف وريكات (باعتباره الوزير المعني)، ووزير تطوير القطاع العام محمد عدينات، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ووزير التنمية السياسية موسى المعايطة وأمين عام الرئاسة.
إلا أن البدايات في هذا الملف تعود إلى عهد وزير الصحة السابق الدكتور محمود الشياب- الذي لم يكن وزيرا في حكومة البخيت آن ذاك- وغادر موقعه بعد أن كان نسب إلى مجلس الوزراء خمسة اسماء لاختيار احدهم لملء هذا المنصب الذي شغر بعد وفاة الدكتور صالح القادري.
إلا أن وزير الصحة في حكومة البخيت الدكتور ياسين الحسبان الذي تسلّم مهامه في التاسع من شباط من العام الحالي، اعاد تنسيب الاسماء ذاتها إلى مجلس الوزراء، لإجراء اللازم، تجنباً» للتعرض للضغوطات».
وأجرت ذات اللجنة المختصة بتعيينات الوظائف الوزارية مقابلات مع الاسماء الخمسة الذين نسب بهم إلى الحكومة، إضافة إلى آخر «ألحق اسمه في قائمة الخمسة فيما بعد»، بحسب مصدر مطلع أبلغ (الرأي) أن هذا الاجراء تم بعد خروج الدكتور الحسبان من الحكومة في الخامس والعشرين من أيار الماضي.
عقب أجراء اللجنة المقابلات وفقاً لمعايير العدالة والشفافية ونسبت بنتائجها إلى مجلس الوزراء،إلا أن أحد الوزراء – من اعضاء اللجنة- تفاجـأ بعدم اختيار أي من الشخصين اللذين حققا أعلى علامة في نتائج المقابلة، وهو ما ارجعه ذات الوزير،فضل عدم نشره اسمه، إلى «تدخلات اوقفت هذا القرار من قبل رئيس الوزراء الأسبق».
تتكرر حالة التجاوزات لكن هذه المرة في قضية الدكتور محمود عبد الله الحبيس، الخبير في الدراسات السكانية، الذي استُدعي اكثر من مرة خلال الفترات السابقة، لمقابلة لجنة التعيينات لاختيار مدير عام لمؤسسة ذات صلة بتخصصه.
يؤكد الدكتور الحبيس أن اللجنة أعلمته أن تنسيباً سيرفع إلى رئيس الوزراء للسير بإجراءات تعيينه، كون اللجنة نسّبت اسمه لملء هذه الوظيفة، إلا أنه «تفاجأ» بقرار مجلس الوزراء-حكومة البخيت الاولى- تعيين شخص آخر بدلاً منه،»بعيداً عن معايير الكفاءة والخبرة والمؤهل العلمي والتخصص»، بحسب تعبيره.
في هذا الصدد لا يخفي الدكتور الحبيس قناعته أن «التعيينات مقتصرة على الاشخاص الذين يمارسون ضغوطات على آلية صناعة القرار، وهو ما يقود الى اختيار اشخاص لقيادات عليا ربما بعضها لا يلقى ترحيباً من العاملين في المؤسسة، نتيجة اتسام المختار بالضعف على صعيد خبراته العملية وانحيازه إلى اطراف دون أخرى على حساب تطور وتغيير ايجابي في المؤسسة».
يعول كثيرا على الخبرات القانونية لرئيس الوزراء الحالي في الخروج من حالة التجاوزات في تعيينات الوظائف العليا.
ويدلل مراقبون على ذلك في سرد رواية حدثت في مطلع التسعينيات عندما زار وفد من الاطباء الدكتور عبد السلام المجالي لتهنئته بتشكيله حكومته.
يروي الرواة أن أحد الحضور-صدف أنه تعرض إلى غبن جراء عدم الاخذ بتوصية لجنة التعيينات الحكومية تجاهه قبيل عدة اشهر- قال للدكتور المجالي إن «أفضل من يقود المجتمع هو الطبيب»، فما كان من الدكتور المجالي الا أن ردّ عليه قائلاً:» إن افضل من يقود المجتمع هو الحقوقي لأنه هو من يضع التشريعات ويحترمها».
«عطاء لتعيين الوظائف»
يؤكد وزير تطوير القطاع العام السابق ماهر المدادحة، لـ»الرأي» أن ما كان يتم في السابق عند اجراء المقابلات لتعيين الوظائف العليا هي» شكليات»، مطالباً بإيجاد آلية وأسس واضحة لاختيار العاملين في الوظائف الحكومية على شاكلة «طرح العطاءات الحكومية».
ويشدد على أن لا فروق بين العطاء الذي يطرح لتنفيذ مشروع أو لاستدراج طلبات لشراء خدمات موظفين دون النظر إلى فئاتهم، مشيرا إلى ضرورة أن تعلن للعامة، على نحو يحقق العدالة والشفافية.
«لا للعودة الى الاسترضاء»
أجندة مجلس الوزراء الحالي المزدحمة بالقضايا، ستضطر الى بحث آلية تعيينات الوظائف العليا، إذ يؤكد وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة راكان المجالي أن «لا مجال للعودة إلى الاسترضاء في تعيينات الدرجات العليا في الحكومة خصوصاً ما يتصل في جانب تعيين المستشارين».
وقال إن «هذا الموضوع لم يطرح بعد على اجندة مجلس الوزراء نظراً للزخم في الاجندة المطروحة»، لكنه عندما يطرح،قال أنه سيبدي رأيه على نحو يمأسس هذه التعيينات.
في موازاة ذلك يبدي المجالي استغرابه من اعتماد لجان في حكومات سابقة على السيرة الذاتية التي تقدم من قبل متقدمين لوظائف عليا، دون الاخذ بالاعتبار «إمكانية اصطناع» سيرة ذاتية تتضمن خبرات غير حقيقية.
حالة التجاوزات في تعيينات الوظائفا العليا سلوك تشترك فيه غالبية الحكومات المتعاقبة ولا يقتصر على حكومة بعينها، ما يجعل الحكومة الحالية مطالبة أن تعتمد اسساً واضحة ومحددة لاستقبال طلبات ملء الوظائف وفقا لآلية معدة مسبقا ومعلنة تستند الى قاعدة بيانات عن المتقدمين، بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والضغوط.
رد مع اقتباس
المفضلات